بقلم : فادى يوسف
 
بأى كلمات أوصف قوة أسد الكنيسة المرقسى وبأى فكر أقدر أن أعبر عن أبوة وحنية هذا الحضن الجامع لكل البشر وبأى رصد أستطيع أن أجمع تاريخ هذا البرج العالى وبأى وفاء أتمكن أن أعطيه لمن قدم تعبه من أجل راحه الملايين
 
فمهما ظللت أكتب وأوصف وأفكر وأرصد وأوفئ لهذا الاب لن يشكل هذا حرف أو نقطه تسجل فى دفتر عزاء رجل رحل عن عالمنا لكنه سيظل فى عالمى وحياتى حتى النفس الاخير فقد توقف قلبك العظيم عن النبض
ولكن ستظل أعمالك العظيمة تنبض بالحياة فى قلوبنا
 
 
يكفينى أنى تمتعت بقدر 28 عام من حياتى فى ظل رعاية قداستك ونظرت عينى جلال أعمالك من نهضة كنسية وروحية وعمرانية أنتشرت أطرافها الى ربوع المهجر بأكلمه وأعدت تراث تم أخفائه لقرون طويلة وعظمت اللغة القبطية والحان الكنيسة الارثوذكسية الرائعة بل وأستطعت فى مقدار أربعة عقود فقط أن تضيف الى تاريخ الكنيسة صفحات مشرفة ومكتوبة بأحرف من ذهب
وبرغم مشغولياتك الكثيرة الا أنك لم تنقض عهدك بأنتظامك فى العظة الاسبوعية التى جعلت الكثيرين يتوبوا ويرجعون الى الله وكان نضالك الروحى أسمى أنواع النضال ليس من أجل خلاص نفسك بل من أجل خلاص البشرية جميعها فالشمس كما تشرق على الابرار والاشرار هذا كنت أنت طرف من أطراف السنتها فشمس البر هو المسيح وأنت السنتها
 
أما عن معاناتك ليس اليومية بل اللحظية من أجل أبناء كنيستك فى ظل أضطهاد أشتد ووهج طيلة سنوات خدمتك المباركة بالاخص أول سنة بعد توليك الكرسى المرقسى وإيضا أخر سنة جسلت فيها على الكرسى المرقسى فأحداث الخانكة سنة 1972 وأحداث 2012 من كنيسة القديسين والمقطم وماسبيرو والتى كانت الاثقل على قلبك الطيب والتى تعاملت مع كل تلك الاحداث طيلة الاربعون عاماً بروح الحكمة والنعمة والافراز التى منحها لك الراعى الصالح والهنا العظيم لكى ترعى شعبك ببر وطهارة وتوصل بهم الى ميناء الخلاص وتقدمهم الى الله
 
فجهادك كان جهاد من نوع خاص وسامى فهو جهاد الحسن من أجل ربح ليس فقط نفس ووزنه روحك المقدسة بل لربح نفوس ووزنات تقدر بالمليارات لانك لم تهتم فقط بأبناء كنيستك بل كان أهتمامك بنشر الكرازة فى كل أنحاء المسكونة
وعن عملك فى جمع الكنائس والطوائف المسيحية فكان مشرف وقيادى فأكثر من مرة وبأكثر من مبادرة ومؤتمر أردت أن توحد الكنائس ويشهد لك رؤساء الطوائف أجمعهم على عدم توفيرك للجهد والوقت والفكر من أجل هذا الحلم المتحد
 
وبماذا أوصف شعرك الخاص لطرف واحد فقط وهو الله وحوارك معه من خلال سرد عشرات القصائد فتارة توصفه كصديق وتارة كحبيب وتارة كأب وتارة كراعى وأخرى كاله ظابط الكل وكم كانت متعتى بقصائدك وأصرارى على حفظها جميعها عن ظهر قلب فى فترة دراستى الجامعية وأذهب كلما حفظت قصيدة الى أصدقائى لكى القيها عليهم فرحاً أنى أتفوه بكلمات البابا الحبيب
 
كنت يا أبى مثال لانجيل معاصر حقيقى ليس بسبب وداعتك وأبوتك ورعايتك التى لا مثيل لها بل إيضا من أجل تعاملك مع الناس وبالاخص الذين أهانوك وأساءوا اليك فاتذكر موقفك مع الشيخ الشعراوى الذى ظل يهاجم المسيحية وشخصك وعندما علمت بمرضه أرسلت اليه فوراً باقة ورد مع أكبر أسقف بانجلترا مرسل معه كلمات المحبة والاخاء وكم كان رد فعل الشيخ الشعراوى من هذا الموقف رائع عندما أتخذك كصديق له فمحبتك جلعت من يعاديك صديقك
 
كلماتك إيضا لم تكن كلمات أرضية بل سماوية ومرتفعة الى أعنان السماء (ربنا موجود وكله للخير ومسيرتها تنتهى)وما أروعها كلمات  عندما نسمعها من لسانك العطر يا ذهبى الفم عندما ترددها على أذهاننا وكانك ترسلها الى قلوبنا لكى تطمن وتهدى فى ظل توحش جنود الشر وهجومهم على أولادك وأقتناص أبرياء بأنياب الذئاب الخاطفة وأظلام نور الحق ومحاولات الفتك ببيوت الله وأثارة المشاعر بكافة الطرق والوسائل ولكن نظل محتميلن ذلك طوال الاسبوع ثم نرجع الى عظتك المستنيرة الحكيمة لتمنحنا السلام من يد الله بتلك الكلمات السماوية
 
وحان الوقت أننا نقول مع فراقك ربنا موجود وعنده تعزيات ولا يسمح أبداً أن تتبدد الرعية بفقدان الراعى لان الله له فى كل زمان ومكان شهود له يستطعون أن يكملوا مسيرتك يا أبى التى بذلت حياتك من أجلها كشمعة القرن الواحد والعشرين التى أنارت لكافة أركان العالم فتوهج العالم نوراً فوق نور
 
وبعد نياحتك الهادية السلامية شتان الفارق الان بين الارض والسماء شتان الفارق بين حزن وبكاء هنا وفرح وسعادة لا تنتهى فى السماء وإيضا  شتان الفارق بين الحشد والزحام بين البشر الذى صاحب نياحتك على الارض والحشد والزحام بين الملائكة الذى صاحب أستقبالك فى السماء
 
والان لا أملك أن أقدم لك الا تلك الكلمات البسيطة يا أبى وحبيبى قداسة البابا المعظم شنودة الثالث بعدما فشلت وعجزت فى الوصول لجسدك المقدس لنوال أخر نظرة تبارك عينى التى أمتلت بدموع لم تنتهى حتى الان ولن تنتهى لفراق أب وراعى جاهد الجهاد الحسن من أجل ربح نفوس ووزنات البشرية كلها وتقديمها للمسيح لكى تفرح السماء ليس ببطريرك وراعى وأب وقديس فقط لكن بجموع من البشر تعلمت منه كيف يكون ربنا موجود
 
أذكرنى أمام من خدمته حتى أخر نفس
إبنك فادى يوسف
الناشط الحقوقى والقبطى