ابن حدائق القبة: الكوتشي باظ.. ودعوات الناس هتقعدلي
يوم لا يُنسى، شَهِد طقس سيئ لم يكن كسابقه، السماء تمطر بشكل هستيري، جعل الشوارع تتحول إلى بحيرات صغيرة، ما دفع المواطنين التزام منازلهم، إلا بعض من أجبرهم العمل على السير تحت مياه الأمطار، ليشهدوا ذلك الحدث النادر، والذي كان من بينهم "أحمد علي" الذي قاده القدر لعمل بطولي ذلك اليوم.

الخميس 12 مارس 2020، يوم شهد على  شهامة "أحمد" الذي نزل ليزاول عمله اليومي كبائع في أحد المحلات بمنطقة وسط البلد، ولكنه سرعان ما عاد بعد إغلاق المحل لسوء الأحوال الجوية، واحتساب ذلك اليوم إجازة مدفوعة الأجر، ليقضيها وسط المصير الذي ينتظره، آخذًا بأيدي أشخاص تعلقت آمالهم به.

طريق عودة "أحمد" يجبره على المرور من خلال "سلم الدمرداش" بمنطقة حدائق القبة، ليرى مجموعة من الأشخاص العالقين أمام محطة مترو الدمرداش، والذين خرجوا منها بعد فشل محاولتهم في ركوب المترو، قبل أن تشتد الأمطار ليحتموا بأسوار المحطة، ما سمح للمياة أن تكون بحيرة صغيرة تحول بينهم وبين شارع الدويدار.

الشاب العشريني لم يقف مكتوف الأيدي أمام تلك الواقعة، وسرعان ما رفع بنطاله وغاص بحذائه في بركة المياه غير عابئ بالبلل، ليجمع الحجارة بمساعدة أصحاب الأكشاك المجاوة للمحطة، ويضعها بشكل طولي، كجسر يمر فوقه المواطنون ليعبروا تلك البحيرة الصغيرة دون أن تبتل أقدامهم وملابسهم.

لم يكتفِ "أحمد" بذلك فقط، بل سار ذهابا وإيابا في تلك البحيرة الصغيرة، يمسك بيد أحد الأشخاص ليُكسبه الثبات وهو يمر على الحجارة، ويظل معه حتى يجتاز الحجر الأخير ويصل إلى الشارع بأمان، ثم يرجع ليعاود الكرة مرة أخرى ويقوم بالمهمة ذاتها مع سيدة مسنة أو شاب لا حيلة له، ليصبح بمثابة عكاز لهم.

"لقيت رجالة وستات كبار في السن وصعب عليا إنهم يقفوا كده والمطرة فوق دماغهم ومش عارفين يعدوا"، كلمات أوضح من خلالها ابن منطقة حدائق القبة لـ"الوطن" الدافع وراء ما قام به، لافتًا إلى أنه لم يشعر بالتعب وهو يفعل ذلك، فقط بعد البرودة جراء الصقيع الذي سيطر على الأجواء.

سعادة عارمة شعر بها الشاب الصغير بعد أن رأى فرحة المارة بعد عبوره بسلام، "دعوات الناس الكبيرة ليا بالدنيا عندي"، وفقًا لما قاله أحمد، ليكمل مازحًا: "بصراحة الكوتش باظ بس كله فدا الناس، دعواتهم هتقعد لي وعمري ما هنسى اليوم ده".