نهاد أبو القمصان
الأزمات هى التى تظهر معدن الناس، تجلى الصدأ أو حتى الدهان الحلو علشان يظهر الوجه الحقيقى، الأصل، وأصل المصريين عظيم ممتد لسنين وعقود وقرون، مخزون من الخبرات تحولت لأساس قادر يساعد الناس على العيش والتعايش رغم أصعب الظروف.
وأزمة الإعصار والمطر والرياح كشفت معدن الناس الحقيقى، ورغم أن متابعة الفيس بوك فى الأيام العادية بـ«تجيب اكتئاب» لأن المسيطر عليه معارضة بغيضة فشلت فى كل شىء إلا أنها تحول الفيس بوك إلى ساحة ندب دائمة وتتمنى السوء للبلد حتى لو كان السوء ينال منهم أول ما ينال.
لكن فى الأيام القليلة الماضية انقشعت هذه الأصوات الغبية، لم تجد لها مكاناً وسط المصريين الحقيقيين رجالاً ونساء، شباباً وشابات، لنجد عالماً آخر مليئاً بالتضامن مع الناس والرحمة بمخلوقات الله.
وجدنا صورة شابة رائعة تنقذ كلاباً صغيرة وتجففها من البرد، صورة تداولها أثلج صدورنا بدلاً من تداول صور لفعل مؤذٍ وهو قتل هذه المخلوقات الرائعة بالسم.
وغيرها كثيرون ممن نزلوا لإنقاذ القطط والكلاب، أو الدعوة لتقديم الطعام والمأوى لها.
بدأت كلامى بالأضعف وإن كانت الملحمة لم تقف عند الحيوانات وإنما ملاحم كثيرة نحتاج رصدها وتوثيقها وتعليمها لأبنائنا وبناتنا فى المدارس.
شباب ممن يقال عليهم «طبقيين لا يشعرون بالناس» كانوا أول من أعلن التضحية بسياراتهم الفارهة رباعية الدفع لإنقاذ أى سيارة ومن فيها تتعطل فى المياه، وللعلم فى بعض الأحيان ثمن السيارة التى يتم إنقاذها أقل من أجرة إصلاح السيارة المنقذة، لكن الأصل هو حماية من فى السيارة المعطلة، الأصل هو الدعم الإنسانى لمن فى أزمة والسيارة الصغيرة ربما هى كل ما يملكه صاحبها.
ما أن انطلقت الدعوة من التجمع حتى لباها الشباب ليعلنوا عنها فى كل مكان؛ المعادى، مدينة نصر وغيرهما، قوافل من شباب رائع قدم الدعم بإيمان صادق مهما كانت خسائرهم، وهى كثيرة لمن لا يعرف.
دعوة أخرى من مطعم فى عابدين أطلق أنه مفتوح بوجبة ساخنة ومأوى لمن تقطعت بهم السبل، وبالفعل تحرك شباب كثر رغم المطر الغزير والبرك فى الشوارع لإنقاذ من يحتاج للإنقاذ واستقبلهم المطعم وقدم المأوى والأمان، ويكون صاحب الدعوة هو صاحب الفضل لتنطلق الدعوات من العديد من الأماكن لتحذو حذوه.
وعلى أثر حادث القطارين ووقف حركة القطارات انطلقت الدعوات بتوفير مأوى لليلة واحدة لمن تقطعت بهم السبل فى كل المحافظات رجالاً ونساء وأطفالاً
ووجبة ومكان للنوم فى منازل خاصة، جمعيات أهلية، بيوت الله، «لا يبات إنسان على أرض مصر جائع أو بردان»، مصرياً كان أو غير مصرى.
لم يبت أحد فى العراء والمطر يغرق الشوارع، ولن يبيت أحد دون وجبة ساخنة فى ليل بارد.
إنها أزمة أخرجت أجمل ما فينا، كل القيم الأصيلة؛ من إغاثة الناس دون شعارات دينية أو اتجار بكلمات منحوتة وكأنه ختم لتظهر منه جماعة.
مبادرات شباب وشابات لم يتدربوا على عمل إغاثى لأسباب سياسية ولا يستخدمون آلام الناس وأزماتهم لدعاية انتخابية.
شباب وشابات انطلقوا لأنهم أولاد أصول، أولاد الأرض التى ربما يغطيها الروث أحياناً لكن تظل عظيمة ومحيرة للتاريخ ليقول ما يشاء.
وهنا لا بد من الإشارة لأداء مختلف للحكومة، أداء أكثر تواضعاً وقرباً من الناس، فجاء رد الفعل من الناس وكأنه رسالة إذا اقتربت منى ذراعاً سأقترب منك عشراً، تراجعت السخرية والتنمر وظهر التقدير الذى غطى على أصوات النعيق.
وثّقوا مبادرات الشباب والشابات، سجّلوا مواقف الناس وعلّموها لأولادنا ليتعلموا مفهوماً أصيلاً للوطنية والإنسانية خرج من الناس.
نقلا عن الوطن