كتب _الأب الدكتور أثناسيوس حنين
من خدمة مديح الأكائيسطون – المديح الذى لا يجلس فيه
الأب الدكتور أثناسيوس حنين
دكتوراه فى التاريخ / جامعة ليموج - فرنسا
مطرانية بيرية ـ اليونان
]ما يميز الثقافة المسيحية الشرقية بما تحوى من ترانيم واناشيد دينية وثقافة كنسية ، أنها لم تولد ولادة قسرية ولا هى بنت الشفة او بنت اللحظة، ولا هى جهد فردى . بل هى وليدة مخاض شعب ومعاناة أمة ، وتوبة قادة . هى أنات لها تاريخ، وهى تسابيح وصرخات وثقافة وجود .
الاناشيد الكنسية والمدائح المريمية - العذراوية ، بل ونصوص الليتورجيات ذاتها ، وما يصاحبها من موسيقى وتقاسيم ، وما يحيط بها من ايقونات وجوه شاخصة تتحدى المدى ، انما تستمد جمالها وتاريخها وتجسدها وذوقها الرفيع من أنسان يسوع الجديد ، من شخص الكلمة - المسيح الذى أعاد الى الانسان وكلماته وأشعاره وتراثه وفنونه وأشواقه جمالها الأول .
كنت دائما وما زلت أتساءل عن السر فى هذا التنسيق الرائع والأداب الرفيعة والنصوص الراقية والملابس الزاهية والنظام الصارم والترتيب فى العبادات الرومية - اليونانية – البيزنطية ، مهما كانت درجة فقر او غنى البلاد والبيئات التى تحتضن هذا التراث . قالوا السبب أن ورائها ملوك او أموال ، وقالوا أنها العنجهية البيزنطية . الحقيقة أنها العقيدة المستقيمة فى وجه الحبيب الاله - الانسان الذى يأنسن كل شيء . العبادة فيه ولانه الوجه الحسن ’ فاننا نسمى المؤمنين والساجدين له والمرتلين بترتيب وذوق رفيع له باسم "حسنى العبادة".
هذا المديح الموجه الى السيدة الاولى الحقيقية فى تاريخ البشرية ، الى العذراء مريم - الثيوميتوروس ، جاء نتاج مخاض شعب وتضرع قادة وصراخ بطاركة . فى تاريخ الشعوب الراقية ، يصاحب القلم الألم ، كل شيء فى حياة هذه الشعوب ،تاريخ ثقافة وثقافة تاريخ ، يعيشونه ويصنعونه ويكتبونه ويرسمونه ويلحنونه ويؤرخونه لكى يصير ذاكرة حية وذكرى باقية .
يعد المديح الذى لا يجلس فيه
من أروع أناشيد وأشعار الكنيسة الارثوذكسية ـ الشرقية بل وقطعة فريدة من الأداب اليونانية القديمة التى تضارع أشعار هوميروس وروائع أفلاطون وابداعات المتصوفة الأكابر . عندى أن ما تم فى هذا النشيد من قراءة حقبة عصيبة من تاريخ الامبراطورية الرومية ، هو أروع مثال لما يبحث عنه علماء الانثروبولوجى والمثقفون فى ما يعرف اليوم بظاهرة "التثاقف" بين الحدث والمدى وبين النص والتأويل. لا أسعد كثيرا بالمثقفين الذين يحتقرون التراث الدينى للشعوب ولا يعتبرونه ثقافة ، بينما يقدرون اذا ما بذلوا جهدا أن يقرأوا فيه الكثير من ملامح ثقافات و تاريخ الشعوب فى سذاجتها الاولى . شعوب كثيرة عانت وتعانى فى العالم شرقا وغربا قديما وحديثا . عانت وتعانى من الاضطهادات والاختناقات والاحباطات والخيبات .. قلة عزيزة ، أفرادا او شعوبا ، هم الذين حولوا الاضطهاد الى لاهوت وشعر وفكر وابداع وموسيقى وعبادة وذاكرة ثورة ، الى ثقافة مقاومة وتحدى.
يسمى هذا "المديح الذى لا يجلس فيه" بهذا الاسم لأن سكان المدينة العظمى القنسطنطينية (استنبول اليوم)، مدينة الملك العظيم ، رنم هذا المديح واقفا طوال الليل ، بالتحديد ليلة 8 أغسطس 626 م حينما حاصرها الفرس والعرب ...مستغلين فرصة غياب الملك البيزنطى .. ويربط المؤرخون بين هذا المديح وبين أحداث أغسطس 626 حينما كان الامبراطور هيراقليوس فى حملة عسكرية فى بلاد فارس ، بينما حاصر العرب القنسطنطينية فى 6 أغسطس من نفس العام .... فتحت القنسطنطينية شهية العرب والفرس فتصالحوا بعد عداوة واتفقوا على حصار المدينة . وجد البطريرك سرجيوس نفسه وحيدا أمام غزو جديد . حمل ايقونة العذراء وأخذ فى الدوران حول حوائط المدينة ومعه الشعب صارخا ضارعا الله وفى نفس الوقت يدعو الشعب الى الصمود والمقاومة السلمية . واذا ما دعت الحاجة القومية أمام خطر ضياع الهوية الوطنية ، لجأ الشعب الى السلاح وباركت الكنيسة على سلاح المقاومة كما حدث فى ثورة اليونانيين ضد الفرعون العثمانى فى 1821 م (الاب يورغوس ميتالينوس الاستاذ بكلية اللاهوت - جامعة اثينا "البعد اللاهوتى للحرية القومية والمجتمعية").
الثورة غير ممكنة فى بلد ذهنيته قائمة على تقديس الفرعون والفردانية الجشعة وعلى فردانية الفقير البائس والخانع والذى ارتضى أن الله قضى له بؤسا وقدر له أن يكون عالة على فتاوى تجار الدين أى دين وكل دين !!!"بيكمل عشاه نوم!"
كان الشعب يصنع الحدث ويرتل "أنى أنا مدينتك يا والدة الاله ’ اكتب لك رايات الغلبة ’ يا جندية محاربة ’ وأقدم لك الشكر كمنقذة من الشدائد . لكن بما أنك لك العزة التى لا تحارب . أعتقينى من صنوف الشدائد . حتى أصرخ اليك : افرحى يا عروسا لا عروس لها" .
هنا تم تحويل المقاومة التاريخية الى رؤية وتسبيح ودعاء ’ هنا نحن أمام شعب لا يحارب حقدا أو كيدا ’ حتى لو حارب قادته ’ الذين لم يختارهم فى معظم الأحوال ’ بل يدافع عن هويته الثقافية والقومية وأحيانا تكون المقاومة ضد "فراعنة" من بنى جنسه .
"الأكاثسطون هيمنوس" هو المديح الذى لا يجلس فيه والذى يرتله الشعب بكافة أطيافه ’ وقوفا ’ فى الكنائس البيزنطية فى الصوم العظيم .ويرنم هذا المديح خمس مرات فى الصوم الكبير ’ ويقسم الى أربعة أقسام (أدوار) كل دور فيها مؤلف من ستة أبيات مقطوعة تسمى أبياتا ، ويتم ترتيل أبيات الدور الأول الستة مساء يوم الجمعة من الاسبوع الأول من الصوم ، وأبيات الدور الثانى مساء الجمعة من الاسبوع الثانى وهكذا الثالث والرابع . أما مساء الجمعة من الاسبوع الخامس فتتلى جميع أبيات الأدوار الأربعة والعشرين .
نحن أمام عمل أدبى وقطعة شعرية وثقافة عبادة ’ تضارع أشعار هوميروس العظيم .تشعر أن الله يعير يده لقلم الكاتب فى النصوص ولريشته فى الايقونة ولصوته فى الترانيم ولشخصه فى الابداعات ’ هناك تقليد قديم يرى فى المسيح "يمين الاب "’ على حد تعبير سيادة المطران جورج خضر ’ وهذا هو سر الابداع الثقافى عند اللاهوتيين الأكابر ’ الذى هو ليس مجرد جهد دماغ وصراع فكر ’ بل هو انسكاب عقل الكاتب ’ من فيض قلبه’ حبرا . يلفتك دراية هذا الشعب بتراثه ’ يذهلك الرباط الوثيق بين التراث الليتورجى وتاريخ البلد ومعاناه وانتصاراته وخيباته. الجميع يرتلون ، واحيانا غيبا ’ نصا يقوم بدراسته علماء الفيلولوجيا اليونانية فى جامعات العالم .
أنا حديث العهد بهذا التراث البيزنطى ’ عاصرت بداياته قديما ’ أحزننى وما زال أن أحبائى وأقربائى حسب الجسد قد باعوا الاستمرارية والاندماج فى هذا التراث –المقاوم والغنى والكونى بلغاته الاصلية لاسباب وهمية ونفسية وغير موضوعية ’ فى الغالب هى غزوة "فرعونية "جديدة فى ثوب مسيحى !.
بينما نرتل " المديح " مع مرتل كنيستى الصغيرة ’ واجهتنى العبارة موضوع تأملنا ’ "يا بحرا غرق فرعون العقلى "
يشير المرنم الى "مريم العذراء
"لما أشرقت نور الحق بمصر ’ طردت ظلام الباطل ’ وذلك أن أصنامها ’ اذ لم تحتمل أن تثبت أمام قدرتك ’ سقطت وهوت ’ والذين خلصوا من عبادتها هتفوا لوالدة الاله قائلين :
أفرحى يا نهوض البشر
أفرحى يا من فضحت غش الأصنام
أفرحى يا بحرا غرق فرعون العقلى
أفرحى يا عروس لا عروس لها.
الاشارة الى زيارة او هروب العذراء الى مصر هربا من الطاغية ’ ويربطها المرنم بحس لاهوتى رائع بالتاريخ القديم حيث يواجه موسى والشعب طغيان فرعون ويسمى النص هذه الحالة من الطغيان "فرعون العقلى"..
نحن امام حالة نفسوروحية ذات مردودات ثقافية واجتماعية وسياسية خطيرة ’ ففرعون العقلى هو نهج حياة ’ فرعون العقلى هو "الجليطة" الجمود الثقافى والبلادة الدينية - اللاهوتية والاستبداد السياسى والغباء الفكرى واللامبالاة بمصير الشعوب .’ هذا الفكر الجامد ’ المصبوب كالأسمنت يهدده كل موسى يحرك مياه التاريخ وينبه كل شعوب الله (الشعوب كلها شعوب الله ) كما نرى فى كتاب الخروج ’ لأن موسى يؤمن أن كلمة الله تحمل معانى جديدة تزلزل استبداد فرعون .فرعون العقلى المستبد يحيا خارج الأزمنة ويرى الله فى الجمود ويتجاهل مخاض الشعب ’ بينما موسى اللاهوتى يرى أن الله هو اله الحركة والخروج والعبور ’ اله فرعون لا وجه انسانى له ’ بينما اله موسى هو اله من الشعب وللشعب .اله فرعون أنس(بكسر النون وفتح السين) الحياة خارج التاريخ . يحيا خارج الأزمنة . المثقفون يقرأون الفلسفة والتى هى تمرين على الشك والتساؤل ’ لهذا يخشى الحاكم المتفرعن الفلاسفة والمثقفين. المرنم يعيد قرأة الأحداث التاريخية القديمة فى حياة شعب الله ’ يقدم لنا قرأة جديدة ’ ويقابل بين تواضع العذراء واستكبار فرعون المعاند .البحر الذى غرق فيه فرعون هو هو العذراء التى قبلت حلول اللوغوس عقل الله والذى حل عناد فرعون العقلى.كان وعى العذراء الروحى وطاعتها وتواضعها أكثر ذكاء من كيد فرعون وعناده وكبريائه . ربط المرنم بين ذكاء موسى وتهذبه بكل حكمة المصريين "الذى عانوا هم ايضا من الفرعون العقلى" وبين طاعة العذراء وتهذبها بكل حكمة السماء . صارت العذراء "ارض الميعاد" الجديدة ’ الثيؤطوكوس بتواضعها وخفرها هى أرض ميعادنا ومطرح سجودنا ’ هى البحر الذى غرق فيه ويغرق فيه كل فرعون عقلى .الدرس عظيم وهو أن تواضع العلماء "مريم كانت عالمة بما يجرى لها "هو السبيل الوحيد للاطاحة بفرعون العقلى أى العناد والاستبداد .
كل منا له "فرعونه" الذى يوسوس فى عقله بأن خير انسان أخرج للناس وأن الله قد صنعه "وكسر القالب " على حد تعبير اللبنانيون . يعجبنى كثرا المثل الامريكى الشديد التواضع والانفتاح الذى يقول :
والمعنى رائع يضرب كل أنانية "فرعونية " فى مقتل وهو أن الساعة العاطلة او الواقفة كما يقول المصاروة ’ بالرغم من تعطلها وعدم نفعها ’ الا أنها على حق مرتان فى اليوم ’ هى على حق فى خيبتها و حيث وقفت !!! الفرعنة العقلية الغائية وغير حوارية ولا تقبل السؤال ’ أمثال هؤلاء من المتفرعنين العقول يعبدون الها "مخابراتيا " يتلصص على الناس حريتهم ’ كأنهم تسحرهم الجوامد أو غريزية البهائم ’ كأنهم يندمون على حريتهم ! يتعبهم أن يواجهوا قضاياهم صابرين فى المحن وناحتين لمصائرهم. السر الكبير فى الخلق أن الله قد تخلى عن مطلقيته وجبروته "فرعونيته) لكى ما يجعلنا مساهمين معه فى تكوين التاريخ ’ فى تنشئة شخصياتنا ’ فى الابداع الفنى والفكرى ’ فى محبة يسكبها وبعضها ننقله نحن الى من نحب .
وكل منا ’ اذا ما صدق فى فرعنته ’ سيجد "موسى السؤال ’ موسى المقاوم ’ أمامه بالمرصاد ..يصرخ فى وجهه "أيها المستبد بنفسك وبالناس ...أنت لست خير الناس ..أطلق وحرر انسانك الحقيقى من داخلك ومن سجن ذاتك ’ ليعيش ’ أنفك من قيودك وحراسك الوهميين والمخادعيين أى حواسك ’اطلق طاقات الله ’ طاقات الحياة الكامنة فيك والتى هى ليست لك بل للحياة ولرب الحياة ...انساننا الداخلى يصرخ فى وجه فرعوننا العقلى "كيف تستعبدون الافكار والاشواق والمشاعر والطاقات والابداعات لشهواتكم وانانيتكم ’ وقد خلقها الله فينا أحرارا ورسل حرية!. لعل الصوم هو طريقنا الى قبس من الحرية وهو مسمار ندقه فى نعش فرعوننا المتوهم ’ حتى يبعث انساننا الباطنى من جديد.
البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين
.
أورشليم-القدس بين اللاهوت و السياسة
الأب البروتوبرسفيتيروس الدكتور أثناسيوس حنين-مطرانية بيرية-اليونان
قديما قال المرنم داود فى أحد أروع مزاميره وأكثرها شجنا ومأساوية لأنه احد المزامير الحزينة والمرة التى سكبها مرنم اسرائيل الحلو أثناء "السبى البابلى" حزنا على أرض الميعاد وأرض المواعيد ’ ولقد أستحى داود القائد العبرانى أن يترنم للرب فى أرض غريبة ’ وخاف أن يترنم الالحان السماوية فى أرض غريبة !فصرخ قائلا قولا عاتب فيه السماء والارض " على أنهار بابل هناك جلسنا ’ بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون’ على الصفاف فى وسطها علقنا قيثاراتنا ’ لأنه سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة ’ ومعذبونا سألونا فرحا قائلين "رنموا لنا من ترنيمات صهيون" كيف نرنم ترنيمة الرب فى أرض غريبة ؟ ان نسيتك يا أورشليم تنسى يمينى يلتصق لسانى بحنكى ان لم اذكرك"’مز137 :1 -9 ’ لا يقدر الانسان الحر ان يترنم فى أرض العبودية ’ بل يتنهد صامتا ! قال هذا المرنم داود عن اورشليم –القدس ’ قبل أن يتأنس ويتجسد فيها كلمة الله رأس خلاصنا يسوع المسيح ’ كم وكم لو كان قد رأى ما ألت اليه أحوالها اليوم وهى تعيش " السبى الجاهلى الجديد" سبى التجاهل والتجهيل والجهل والخلط بين ما هو لله وما هو لقيصر!أورشليم –القدس هى أمل اليهود ومحجة المسيحيين ’ومسقط رأس رئيس خلاصهم ’المسيحيون الحسنى العبادة مسمرون على رجاء الانتقال بالجهاد الروحى والوعى اللاهوتى والحس الانسانى من رؤية من اورشليم الأرضية(الأستوريا) الى معاينة أورشليم السماوية ’ كما تصلى الكنيسة فى سحرية(باكر) الأثنين العظيم والتى
نرتلها فى سحرية احد الشعانين :
نرتلها فى سحرية احد الشعانين :
"ان الرب لما كان أتيا الى الالام الطوعية قال للرسل فى الطريق :ها نحن صاعدون الى أورشليم ’ وسيسلم ابن البشر حسبما كتب عنه .فهلموا اذا معنا يا اخوة لنصحبه بضمائر نقية ونصلب معه ’ونمت من اجله بلذات العمر ’ لكى نعيش معه ونسمعه قائلا :لست صاعدا الى اورشليم الأرضية لكى أتألم ’ بل الى أبى وأبيكم والهى والهكم ’وأرفعكم معى الى أورشليم العلوية فى ملكوت السموات "ترتيب اسبوع الالام المقدس (باللغتين اليونانية والعربية)مطرانية بورسعيد للروم عام 2008 ص35 ".
يعوزنا الوقت أن تكلمنا عن أورشليم فى الكتاب المقدس وفى حياة المسيحيين الاوائل والشهادة المسيحية الأولى (أع 1 :8) وكيف أرتوى ترابها بدماء اللاهوتيين المسيحيين الأوائل (أع 12 :1 -19 )’بل وفى حياة وخدمة ربنا والهنا ومخلصنا يسوع "فى الجسد" ’الذى تبادل مع المدينة العظمى الحب تارة والعتابات تارات ’ الاعلانات تارة وحجب الاعلانات تارات أخرى بل والسماح بانزال العقوبات والتأديبات’ بسبب ميولها أن تخلط الزمنى بالابدى والروحى بالمادى ’ والسماويات بالارضيات ’ وفى النهاية الخلط المأساوى بين اللاهوت بالسياسة ’مما أدى الى شروعها فى قتل الأنبياء الصادقين و تعطيل رسالتهم ’ بينما تفننت فى تملق الحكام الظلمة والظالمين ’ الفاسدين والمفسدين وعديمى الضمير ولا يكتفون بالتملق بل يتفنون فى تبرير فساده الفاسدين ورشوة المرتشين (متى 23 :37 )!
ولنبدأ ’ على حد تعبير سوقراط المفكر اليونانى ’ بتحديد معانى الكلمات ’ فأورشليم كلمة عبرانية ’ يفسرها أصحابها على أنه تعنى : (الله يرى) وقد وردت بهذا المعنى فى سفر التكوين والشئ الرائع أن الذى أطلق هذا الأسم هو ابراهيم فى خروجه وراء الرؤية بالايمان ’ ونحن فى خروجنا يرانا الرب أكثر مما نراه نحن .والتسمية الثانية هى "رؤية السلام " حسب ما ورد فى التكوين 14 :18 ومز 76 :2 ’ واذا كانت التسمية الاولى للمدينة المقدسة جأت أثناء خروج اب الاباء ابراهيم ’ فقد جأت التسمية الثانية ’ على يد كاهن الله العلى ملك شاليم ’ وكان وقتها الانسجام بين الملك الارضى والكهنوت السماوى قائما وساد وقتها الرجاء الاسخاتولوجى فى أن يملك الله الارض ومن عليها.ولقد أعتمد الأباء والمسيحيون المعنى الثانى "رؤية السلام " وهذا وارد فى عظات العلامة أوريجينوس بشكل خاص .الشئ اللافت والهام لموضوعنا أن المسيحيين واليهود الأوئل قد أتفقوا على أن حادث سقوط أورشليم الماساوى عام 70 ميلادية وخراب الهيكل "قاموس الكتاب المقدس ص135" ’ انما هو نتيجة غضب الله على خطايا اسرائيل وعدم تقديس يوم الرب والسعى وراء المال والشهوة والسلطة وظلم الناس وعدم ممارسة العدل وتملق الحكام الارضيين أى خلط الدين بالدنيا واللاهوت بالسياسة أى الخلط بين اللاهوت والناسوت وهذا يعد بلغة اللاهوت هرطقة !.
لقد حفظت مصر ذاكرة أورشليم ’ حفظت النقوش المصرية القديمة ذاكرة مدينة السلام ’ يقول العلماء ان أول ذكر لاسم مدينة أورشليم ورد فى نقش مصرى قديم يرجع الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد "قاموس الكتاب المقدس دار الثقافة 1992 ص 129 -135 ".
كان عدم القدرة على زيارة المدينة المقدسة "أشعياء 48 :2 ’ متى 24 :4 :5 " ’ عند القدماء ’ دليل على غضب الهى كبير وموشر على عقاب سماوى أتى على الأبواب ’ ودليل خطر محدق بالمسيحيين نتيجة خطاياهم وتعدياتهم والتى ’ اى الخطايا ’ تخلق اسبابا قهرية تمنعهم من زيارة القدس بسبب عدم استحقاقهم للعطايا التى أئتمنهم الله عليها ولعل خير مثال على علاقة قداسة السيرة بالسجود فى اورشليم هو ما نقرائه عن رواية البارة مريم المصرية فى علاقتها الوجودية بمدينة الله أورشليم والتى قصدتها للسياحة الجسدية ’ فعادت منها وهى تعيش السياحة الروحية ’ نقرأ فى سنكسار كنيسة الروم وفى اليوم الأول من شهر نيسان ص 4 " ان حياة مريم المصرية هى سلسلة من المفاجأت اللطيفة ’ وصورة حية لمفاعيل النعمة الألهية فى نفس كانت قد صارت الى أقصى درجات الانحطاط الروحى والأدبى ’ فأصعدها عطف الفادى الألهى وحنان والدته البتول الشفقيقة الى ذروة القداسة والكمال المسيحى .ولدت مريم فى أحد الارياف المصرية ’ فى أواخر القرن الرابع الميلادى ’ أيام كانت الديانة المسيحية فى أبهى ازدهارها.’ والصحارى الشرقية والغربية ملأى بالأديار والرهبان ’ من تلاميذ أنطونيوس وباخوميوس ...لكن جمال مريم الرائع جعلها منذ حداثة سنها قبلة الأنظار وموضوع الاعجاب والثناء"والغوانى يغرهن الثناء" ....قضت مريم سبعة عشر سنة سائرة فى طريق الاثم والرذيلة ’ورحمة الله صابرة على شرورها تنتظرها ....وكان عيد رفع الصليب الكريم قد قرب ’ وهو عيد تحتفل به مدينة القدس ’ منذ العهد القنسطنطينى ’ بكل مظاهر الفخامة والاجلال ’ اكراما للعود الذى تخضب بدم الحمل الالهى الذكى.وكان المسيحيون يأتون الوفا من كل انحاء البلاد ’ ليشاهدوا صليب الرب ويتباركوا منه فخرجت جماعات من الاسكندرية تريد القدس(عادة ذهاب المصريين للحج الى القدس تعود للقرون الاولى المسيحية ) لحضور ذلك العيد .فقالت مريم : أذهب معهم وأتفرج وأقضى أيام سرور وانشراح ’فقامت الى الباخرة ’ فاقلعت بها وبسائر الزوار . ولم تمض الايام القلائل حتى كانت القافلة المصرية فى المدينة الاورشليمية ’ اما مريم فانها بدلا من أن تذهب لزيارة الكنائس والاماكن المقدسة’ ذهبت كعادتها وراء المعاصى.وجاء يوم العيد’ فهرعت الالوف الى الكنيسة لتشاهد العود الكريم وتتبرك منه. ودخلت مريم بين الجماهير وسارت معهم’ ولا بغية لها سوى التمتع برؤية الناس وتحويل انظارهم اليها والى فتنتها...لكنها لما أتت الى الكنيسة شعرت بقوة خفية تدفعها وتمنعها من الدخول الى بيت الله .فحاولت مرارا فلم تقدر. ونظرت حولها فرأت الناس كبارا وصغارا ’ نساء ورجالا ’ يدخلون ويخرجون ولا مانع يمنعهم ’وهى وحدها مقيدة مغلولة لا سبيل لها الى ذلك .فتحركت عواطفها ’ وظهرا أمامها حياتها الاثيمة بكل بشاعتها . وفهمت ان معاصيها هى التى وقفت فى وجهها سورا منيعا ’صد هجومها وردها عن بيت الله . فأخذت تبكى وتقرع صدرها وتطلب الغفران" .
ولعل هذا يبدو واضحا أيضا ’ ليس فقط على المستوى الشخصى كما فى حالة البارة مريم ’ ولكن على المستوى الجماعى والكنسى بل والقومى ’ من عظة للبطريرك سوفرونيوس بطريرك أورشليم ’ ففى كانون الأول-ديسمبر عام 634 ’ حالت الغارات العربية دون حج المسيحيين (الكلمة(حاج) عربية مسيحية قبل أن يستعملها العرب المسلمون )الى بيت لحم واضطر سوفرونيوس الى القاء عظة الميلاد التى كانت تلقى ’ حسب التقليد القديم ’ فى كنيسة المهد ’ أضطر’ نقول ’ الى القاء العظة فى القدس . وبعد ما عبر عن فرحته المزدوجة لمصادفة الميلاد فى ذاك العام يوم أحد ’ قال "علينا الجهاد الروحى لنستحق مكافأة الله لنا بجلب هبات الايمان والاعمال الصالحة كما جلب الرعاة والمجوس هباتهم الى يسوع فى بيت لحم "وقادت هذه المقدمة البطريرك الى التطرق الى التعليق على الاحداث الجسام التى تجرى من حوله ’ فاستخدمها لتوجيه رسالة الى أهله بقوله "لكننا ’ وبسبب خطايانا التى لا تحصى وسلوكنا شديد الاثم ’ كنا عاجزين عن رؤية هذه الأموروعن الدخول الى بيت لحم ’ وفى معزل عن ارادتنا ’ بالفعل ’ وعلى خلاف تمنياتنا ’طلب منا البقاء فى بيوتنا ’ولم تعقنا أربطة جسدية ’ بل أعاقنا الخوف من السراسنة (قبائل عربية) " ويتابع البطريرك الذى عاصر ’ مع القديس يوحنا الدمشقى ’ احتلال العرب لدمشق الغناء "أن المسيحيين فى القدس مثل أدم الذى حظر(بضم الحاء وكسر الظاء وفتح الراء) عليه دخول الجنة على الرغم من أننا لا نرى السيف المتقلب الملتهب (تك 22-24 )’ بل نرى سيف السراسنة البربرى الجامح الملئ بكل التوحش الشيطانى . ونحن كموسى ’محظور علينا دخول أرض الميعاد ’ومأزقنا يشبه مأزق داود :هو واجه الفلسطينيين ’ فيما الأن أستولى السراسنة الذين لا يؤمنون بالله على بيت لحم وقطعوا علينا الطريق اليها ’ويهددون بالقتل والدمار اذا ما غادرنا هذه المدينة القدسة وتجرأنا على الاقتراب من بيت لحم الحبيبة والمقدسة ".راجع حسام عيتانى : الفتوحات العربية فى روايات المغلوبين –دار الساقى –بيروت ولندن 2011 ص65 ".
ويختم البطريرك سوفرونيوس عظته بالحث على التوبة والخضوع لمشيئة الله فقط ويشدد على العقيدة المستقيمة فى شخص المسيح ’ يقول "واذا كان علينا العيش بما يرضى الله ويسره ’فسنبتهج لسقوط السراسنة الأعداء ومراقبة دمارهم الوشيك وانهيارهم الأخير .وستنغرز نصالهم المشتهية للدماء فى قلوبهم وستتحطم أقواسهم وستصيبهم سهامهم " لم يتحالف البطريرك مع السلطة ولا تملق القادة العرب العسكريين بل جمع شعبه و استرسل فى شرح العقيدة المسيحية المستقيمة وما يتبعها من أخلاق حميدة ’ العقيدة حول شخص المسيح متسائلا وهو يتلو مقاطع من مقررات مجمع خلقيدونية المنعقد عام 451 تلاوة شبه حرفية ويقول" ألم يتجل الله كبشر ’ ويتعذب من أجلنا ’ لقد كان الأله الحق وأبن الانسان ’ أقنوم واحد ’وطبيعة واحدة (استخدم الأباء التعبيرين- فيسيس وهيبوستاسيس - بالتبادل وبنفس المعنى ضد الفصل والخلط بين الطبيعتين فى شخص المسيح الواحد(راجع كتاب مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع ؟نقله الى العربية الاب ميشال نجم ’منشورات النور 1987 ص112 )مع الأب(لاهوت كامل) فيما يظهر نفسه كأنسان من صلب طبيعتنا(ناسوت كامل) ’ وتتجلى طبيعتاه كأثنين كاله وانسان لا انفصال بينهما .ويظل مسيحا واحدا لا يمسه تبدل ولا زيغ ولا انشقاق ولا انفصال ".وخطايا المسيحيين التى يشير اليها البطريرك ’ ليست هى مجرد أخطاء فردية بل هى أخطاء جماعية وخصومات بين المسيحيين ’ وخلط واضح بين اللاهوت والسياسة مما أدى الى شق جسد المسيح الواحد وانفصال الأشقاء وصيرورتهم لقمة سهلة فى فم الغزاة .
نأتى الى علاقة المصريين المسيحيين بالقدس ونستعين بالدراسة التى قام بها راهب من برية شيهيت لم يذكر اسمه’ وبالرغم من الجهد المشكور فى تجميع المعلومات ’ الا أن المؤلف لا يقدم أية فرادة لاهوتية مصرية ! ’ وقد صدر الكتاب عام 1998 من مطرانية الأقباط فى القدس ويعدد الاب الراهب المصرى مزايا مدينة أورشليم ’ وفاتنا أن ننوه أن أسم الكتاب هو (القدس ) ’ ولعل الأجواء السياسية التى سادت الكنيسة المصرية والدور الوطنى والسياسى بلا فكر لاهوتى ولا مرجعية أبائية الذى تصدى له البطريرك المصرى السابق !!!’ والذى دفعه الى فرض قرار منع المصريين من زيارة القدس ’ لا نعرف من مصادر موثوقة هل تم فرض هذا القرار على البابا السابق أم هو تبرع به حبا فى مصر!!! ’ قد فرضت كل هذه الظروف السياسية على الباحث المصرى ’ كما فرضت ومازالت تفرض على غيره من الباحثين ’ أن لا يذكر أسمه هو كشرط من شروط البحث ’ ولم يذكر أسم القدس الأصلى باللغة العبرانية ،نقصد أورشليم ’ بل ذكر الأسم الذى أطلقه عليها العرب وهو القدس "قاموس الكتاب المقدس ص 229"’ هذا أولا وثانيا لم يشير الباحث من قريب أو من بعيد الى الأثار الكبيرة والخطيرة والمدمرة ’ ليس على المصريين فقط بل على المطرانية المصرية فى القدس وعلى شهادتها وحضورها فى هذه المنطقة الحساسة من العالم والتى خلفها قرار البطريرك المصرى بمنع المسيحيين المصريين من الحج الى مدينة السلام ’ مدينة ألهنا ’ بينما لم يتم منع المسلمين ’بقرار رسمى ’على حد علمى .
يعد قرار منع المصريين المسيحيين من الحج الى بيت المقدس ’ الى مدينة الهنا من أخطر القرارات التى تظهر الأثار المدمرة للخلط بين الدين والسياسة ’ فالبطريرك القبطى السابق أراد أن يقدم هدية فى الوطنية الى الدولة المصرية فى صراعها مع اسرائيل ’ ولا أعلم مضمون هذا القرار وهل هو شفاهى او مكتوب وهل صدر بعد حوارات ودراسات ’ وهل هو قرار مجمعى أم ’ كالعادة فردى ! هل هو قرار مكتوب ومسجل فى وثائق الكنيسة المصرية أم تم اعلانه فى احد الاجتماعات وسط تصفيق حاد من الحضور والمغيبين وعيا وفكرا !!!’ولسنا وجدنا الذين لا نقبل هذا المنع الذى لا يستند الى أية مبررات لاهوتية أو روحية أو انسانية ’ طل مبرراته سياسية من ىالنوع الرخيص ’ نقول لسنا وجدنا لأن الكثرين من المثقفين المصريين يشاركوننا الرأى ’ وها هو الاستاذ كمال زاخر منسق حركة العلمانيين الأقباط يجعو فى حوار له مع جريدة الوفد الى اعادة النظر فى قرار البطريرك السابق من حظر زيارة المسيحيين المصريين للقدس لافتا الى أن قرار البابا السابق فى حاجة الى اعادة النظر ....ورفض زاخر المزايدة على وطنية المسيحيين المصريين المسافرين للقدس ووصفهم "بالمطبعين أى الذين بزيارتهم القدس يعلنون تطبيع العلاقات مع اسرائل " وأكداعلى أن وصفهم "بالمخطئين" يتضمن ضغطا سياسيا وأضاف لبوابة الوفد أن زيارة القدس قضية دينية بحتة ومن يتهم الزوار بالمطبعين عليه أن يراجع عقله ..
وأشار منسق جبهة العلمانيين الأقباط الى أن الجبهة تستعد فى الفترة القادمة الى مناقشة أوضاع الكنيسة فى مرحلة ما بعد "البابا شنودة ’ نضيف أن هذه العنتريات الشكلية لم تنهى أو تحل القضية الفلسطينية ’ بل وعلى العكس ’ حرمت الاراضى المقدسة والفلسطينيين أنفسهم من زخم ودعم زيارة المصريين المسيحيين الروحية والمادية وهذا حسب شهادة أصدقائنا من الفلسطينيين’ كما حرمتهم من تقديم شهادة عملية على حضورهم فى الارض لدعم الحق والسلام أيا كانت ركائبه’ ناهيك عن أن الراهب المصرى يتباكى فى بحثه على قلة الموارد واستيلاء الاحباش والارمن على مقدسات الاقباط ’ ماذا لو أن المسيحيين فى مصر ذهبوا الى القدس بالملايين كل عام وتمسكوا بالصلاة فى الاماكن التاريخية التى تخصهم والتى لا تخصهم وصرفوا عليها وجددوها ’ هل سيستطيع احد انكار ملكيتهم لها وهل استرجاع دير السلطان من يد الأخوة (الأحباش والأرمن) سوف يأتى بالبكاء والنحيب على أبواب أديس أبابا أم بالحضور الفعال على الأرض ’ ومن الناحية المادية البحتة ’ ان دخل الكنائس التاريخية مثل كنائس القدس يأتى من عطايا الزوار وبركة اشعال شمعة فى الكنيسة ’ كيف يزدهر العمل المصرى فى القدس والحضور اللاهوتى والثقافى ’ وكيف يتم تجديد المقامات المقدسة بدون شعب يدعمه وزوار يؤيدونه ’ ألم يفكر من أتخذ هذا القرار فى مستقبل الحضور المصرى والمطرانية المصرية فى القدس والتى هى فى حال يرثى له بشهادة الجميع ’ بالمقارنة بكنائس الروم وغيرهم’ ألم يفكر صاحب هذا القرار فى مستقبل الشهادة اللاهوتية فى أرض المسيح وسط حضور ضخم وفخم لباقى الطوائف المسيحية ’ أن حال المقدسات المسيحية فى القدس يرثى لها ’ ونثق أن عودة قبائل المصريين للقدس ستحدث انتعاشا كبيرا للمنطقة ’ ليس روحيا فقط بل ماديا واقتصاديا وستخرج المسيحيين فى مصر من الجيتو الذى فرض (بضم الفاء وكسر الرأء) عليهم أولا ثم فرضوا على أنفسهم لاحقا ’ الى رحاب الحوار والتلاقى مع الأخر الدينى والثقافى مما سينشط ذاكرتهم اللاهوتية والتاريخية والروحية وطاقتهم الحوارية لمعرفة الأخرين كما يريدون هم ( صدق الاب الصديق جورج مسوح حينما قال نحن نتحاور مع الأخر ولا نعرفه )’ ولقد صارحنى مقام كبير فى بطريركية الروم الارثوذكس فى القدس عن حزنه الشديد لقرار منع المصريين من زيارة أرض المسيح والذى أدى الى غياب المصريين ’ بما لهم من تقوى وورع وحب للمقدسات ’ حسب تعبيره ’عن الساحة الاورشليمية وغياب دورهم وشهادتهم التى ينتظرها القاصى والدانى منهم’ واذا كنا نتكلم عن الحوار مع الروم وعودة المياه الى مجاريها اللاهوتية والناسوتية ’ فهل سنجد أفضل من أورشليم لنلتقى فيها الاخوة ونغسل خصوماتنا فى مياه طبرية ونغتسل جميعا فى بركة سلوام لنستنير ونبصر ’ نبصر من جديد ’جمالات المسيح فى وجه الأخرين . . هذا اذ لم نتكلم عن النهضة اللاهوتية -الروحية التى ستجدد نشاط المسيحيين المصريين من زيارة الاراضى المقدسة ’ بعد أن أعيتهم المتاهات السياسية والتخبطات الدينية .نسمع عن خطة مصرية لتنشيط السياحة ’ ان عودة المصريين لزيارة القدس سوف لا تنشط السياحة فقط بل سوف تضرم نار التوبة والتقوى فى نفوس المصريين جميعا . أن قرار زيارة القدس قرار سيادى كنسى لا دخل لأية جهة فيه ’ هو قرار لاهوتى لا سياسة فيه ’ ولكن يمكن أن يشكل فرصة ذهبية أمام الجنرال عبد الفتاح السيسى أن يرد شئ من فضل المسيحيين المصريين عليه بأن يأمر هو بألغاء قرار البطريرك السابق بعدم زيارة القدس ’ وقتها سوف يكون قرارا سياسيا صائبا لتصحيح انحراف دينى جائرا وسوف يعفى البابا ثيؤدوروس من حرج أخذ هذا القرار وحده بدون مشورة الدولة المصرية!!! ونحن ننتظر من البابا ثيؤدوروس قرارا لاهوتيا يعيد الأمور الى نصابها ’ كما ننتظر منه أن يكرر’بلا وجل ولا خوف ’ صرخة البطريرك سوفرونيوس بطريرك أورشليم فى القرن السابع (والظروف الدينية والسياسية اليوم لا تختلف كثيرا عن الظروف فى القرن السابع الميلادى !) ’ ننتظر من قداسته صرخة حق فى وجه من كل من تدرأ أو تواطأ و حرم و يحرم الناس فى مصر من السجود فى أورشليم بالروح والحق ’ وأن يعيد القدس الى حضن مصر والمصريين الى حضن القدس لأن كل من تجرأ أن ينسي أو يتناسا اورشليم ’ عمدا أو جهلا أو تسييسا أو جبنا ’ سوف تنساه يمينه أى سوف يعيش فى خصومة مع نفسه وانفصامية مأساوية ’ وهو غير مدرك لطاقاته ومواهبه وامكانياته !!! (ليس بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى ويمينى قال رب الجنود) كما سوف يلتصق لسانه بحنكه (سيفقد النطق اللاهوتى والطاقة الانسانية على الشكر والتسبيح والشهادة والابداع وقول الحق وسيقضى بقية أيام حياته ذليلا ’ عبدا ’ متمللا ومتذمرا تائها فى البرية مع كل المتذمرين من شعب الله الجاحد و الذين لم يصنعوا تاريخا بل تبرما وتذمرا ونعرف عاقبتهم من الكتاب المقدس ’ حينما أهلكتهم الحيات ) .
الله قادر ان يرفع الموانع حتى نعود ونسبح الرب تسبحة جديدة بألسنة نقية تأئبة وأيادى حرة ضارعة فى قلب أورشليم القدس ’ وفى قلب كل اورشليم قلب نقى , ونترك نزواتنا الجسدية والسياسية والفكرية مع مريم البارة على أعتاب كنيسة القيامة فى أورشليم لنعود اصحاء الروح والنفس والبدن ’ شاهدين للرب ’’ أختم بأن أقدم الشكر لصاحب الغبطة بطريرك أورشليم للروم الارثوذكس كيريوس كيريوس ثأؤفيلوس الذى باركنى شخصيا فى اتصال هاتفى ليعبر عن سعادته بوجودى فى الكنيسة اليونانية ’ كما أشكر قداسته على تشريفى وتكريمى وتكليفى بالقيام بترجمة كتاب البروفسور سبيريدونوس تسنتسينكوس أستاذ علم النفس بكلية اللاهوت بجامعة أثينا وهو (علم النفس الدينى ودوره فى الرعاية الروحية واللاهوتية ). وقد أبدى غبطته أعجابه بقشابة الترجمة ودقتها بعد أن قارنها على الأصل اليونانى ’كما أكد لزوم الكتاب للقراء العرب من كل الاديان لكى يعود التدين اللاهوتى الى أصالته الانسانية الأولى
. وسوف يتم طبع الكتاب فى خمسمائة الف نسخة وهو رقم قياسى وسأزور بنعمة الرب أورشليم بدعوة من قبل قداسته(سنعلن خبر الزيارة فى حينه) حينما سيقوم قداسته مع اساتذة الجامعات والمؤلف والمترجم بتقديم الكتاب فى احتفال علمى كبير ونتمنى حضورا مصريا كبيرا . لا يمكن للباحث فى تاريخ ولاهوت وروحيات المدينة العظيمة أورشليم أن يفوته تلك المقابلة اللاهوتية -الانسانية الكنائسيأنية والخرستولوجيا الرائعة والحافلة بالدروس اللاهوتية والروحية والتاريخية والانسانية والواقعية لكل من له اذنان للسمع ! تلك المقابلة بين أورشليم الأرضية وأورشليم اللاهوتية والتى سكبها الروح القدس على لسان بولس وتلك المقابلة تستحق أن نطلق عليها" نشيد الحرية" ’تماما كما سمينا كورنثوس الاول 13 "نشيد الحب " ’يقارن الرسول بولس مقارنة تاريخية بين أولاد ابراهيم من هاجر وسارة ’ هاجر الجارية وسارة الحرة "فأنه مكتوب ’ كان لابراهيم ابنان واحد من الجارية والأخر من الحرة " ثم ينتقل الى التطبيق اللاهوتى على هذا الحدث الانسانى " الذى من الجارية ولد حسب الجسد’ أما الذى من الحرة فبالموعد " ثم ينتقل الرسول من الابنان والأمرأتان الى العهدان ’أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية ’الذى هو هاجر ’وأما أورشليم العليا ’ التى هى أمنا جميعا’فهى حرة....اذا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة "غلاطية 4.ولقد أطلق القديس يوحنا الدمشقى فى كتاباته لقب (الهاجريين) على العرب ’ أن التمعن فى رؤية أورشليم الأرضية فى أبعادها السماوية وذلك بالدرس والفحص والانسكاب والفهم والزيارة والسجود فى الأراضى المقدسة ’والتمعن فى أورشليم السماوية فى تجلياتها الأرضية ’ لهو فى أعماقه أعادة قرأة للتاريخ كله’ تاريخ الخلاص من أجل تحقيق القصد من الرسالة الانجيلية والشهادة المسيحية برمتها ’ الا وهو خلاص وتقديس التاريخ وشركة الانسان فى رؤية مجد الله المنسكب ’فى أقصى تجلياته ’ فى أورشليم القلب ’ وفى وجه كل انسان وكل الانسان
. وسوف يتم طبع الكتاب فى خمسمائة الف نسخة وهو رقم قياسى وسأزور بنعمة الرب أورشليم بدعوة من قبل قداسته(سنعلن خبر الزيارة فى حينه) حينما سيقوم قداسته مع اساتذة الجامعات والمؤلف والمترجم بتقديم الكتاب فى احتفال علمى كبير ونتمنى حضورا مصريا كبيرا . لا يمكن للباحث فى تاريخ ولاهوت وروحيات المدينة العظيمة أورشليم أن يفوته تلك المقابلة اللاهوتية -الانسانية الكنائسيأنية والخرستولوجيا الرائعة والحافلة بالدروس اللاهوتية والروحية والتاريخية والانسانية والواقعية لكل من له اذنان للسمع ! تلك المقابلة بين أورشليم الأرضية وأورشليم اللاهوتية والتى سكبها الروح القدس على لسان بولس وتلك المقابلة تستحق أن نطلق عليها" نشيد الحرية" ’تماما كما سمينا كورنثوس الاول 13 "نشيد الحب " ’يقارن الرسول بولس مقارنة تاريخية بين أولاد ابراهيم من هاجر وسارة ’ هاجر الجارية وسارة الحرة "فأنه مكتوب ’ كان لابراهيم ابنان واحد من الجارية والأخر من الحرة " ثم ينتقل الى التطبيق اللاهوتى على هذا الحدث الانسانى " الذى من الجارية ولد حسب الجسد’ أما الذى من الحرة فبالموعد " ثم ينتقل الرسول من الابنان والأمرأتان الى العهدان ’أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية ’الذى هو هاجر ’وأما أورشليم العليا ’ التى هى أمنا جميعا’فهى حرة....اذا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة "غلاطية 4.ولقد أطلق القديس يوحنا الدمشقى فى كتاباته لقب (الهاجريين) على العرب ’ أن التمعن فى رؤية أورشليم الأرضية فى أبعادها السماوية وذلك بالدرس والفحص والانسكاب والفهم والزيارة والسجود فى الأراضى المقدسة ’والتمعن فى أورشليم السماوية فى تجلياتها الأرضية ’ لهو فى أعماقه أعادة قرأة للتاريخ كله’ تاريخ الخلاص من أجل تحقيق القصد من الرسالة الانجيلية والشهادة المسيحية برمتها ’ الا وهو خلاص وتقديس التاريخ وشركة الانسان فى رؤية مجد الله المنسكب ’فى أقصى تجلياته ’ فى أورشليم القلب ’ وفى وجه كل انسان وكل الانسان