مقدمة :- إعداد / ماجد كامل
تميزت شخصية قداسة البابا شنودة الثالث _نيح الله نفسه في فردوس النعيم – من بين ما تميزت بعشقها الشديد لمصر ؛فهو صاحب العبارة الخالدة التي أصبحت أنشودة وقولا مأثورا تتغنى به الأجيال جيلا بعد جيل وهو (مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنه وطن يعيش فينا ) وهذا العشق للوطن يرجع إلى الأيام الأولي للطفولة والصبا فلقد كان قداسته مواظبا علي حضور الاجتماعات الوطنية للزعيم الوطني مكرم عبيد حتى انه القي أمامه قصيدة ذات يوم فاعجب بها قائلا "أهلا بشاعر الكتلة" كما قام قداسته بالتطوع في سلاح المشاة للضباط الاحتياط وشهد قداسته عن هذه الفترة أنها الفترة التي تعلم فيها النظام وخدمة الإنسان لنفسه . وفي هذا المقال سوف نحاول رصد بعض المواقف الوطنية التي اشتهر بها قداسته وذلك بقدر ما تتسع المساحة المتاحة للمقال ؛وسوف نقسم المواقف الوطنية لقداسة البابا إلى فترتين-
أ- الفترة الأولى في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات من "(1970 –1981 ) .
ب-الفترة الثانية في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك من (1981- 2011 ) .
أولا :-عهد الرئيس الراحل محمد انور السادات :-
+ عقب رسامة قداسته بطريركا مباشرة وفي يوم 5 /12 / 1971 قام قداسته بإلقاء محاضرة في نقابة الصحفيين للمرة الثانية ( وكانت المرة الأولى وهو أسقف للتعليم بتاريخ 26 /6 1966 ) حول موضوع "رأي المسيحية في إسرائيل " وكان نقيب الصحفيين وقتها الأستاذ علي حمدي الجمال واهتمت النقابة بطبع المحاضرة والمحاضرة السابقة وتوزيعها علي السفارات المصرية بالخارج
+ أفسحت جريدة الجمهورية صفحاتها لمقال أسبوعي لقداسة البابا يقرأه المسلمون والأقباط معا داعيا فيها إلى المحبة والسلام والوحدة الوطنية
+خلال عام 1972 قام قداسة البابا بزيارة الجنود علي الجبهة وحياهم قائلا (أحييكم كواحد منكم . فلقد تخرجت من مدرسة المشاة للضباط الاحتياط عام 1947 . وامضيت المدة في العسكرية متطوعا فالعسكرية تعلم النظام والشجاعة . أن مصر بلاد عظيمة جاء أليها إبراهيم ويوسف الصديق أن بلادكم عظيمة ومحبوبة والدفاع عنها شرف وواجب)
+أثناء حرب أكتوبر عام 1973 قام قداسة البابا بزيارة جرحي العمليات العسكرية في المستشفيات وقام بافتقادهم والصلاة من أجلهم ورفع الروح المعنوية لهم ؛ كما قام بعقد اجتماع مع الكنائس و الجمعيات القبطية لحثهم علي دعم المجهود الحربي وطلب منهم تقديم تقريرا يوميا عما يقدمونه وقد تم جمع مبلغ 15 ألف جنيه مصري سلمهم قداسة البابا إلى وزير الأوقاف وقتها ؛ كما قدمت الكنيسة 100 ألف بطانية لوزارة الشئون الاجتماعية بالإضافة إلى 30 ألف جهاز لنقل الدم سلمه قداسة البابا لوزارة الصحة
+في كل الزيارات الرعوية التي قام بها قداسته سواء لمحافظات الوجه القبلي أو البحري كان حريصا علي زيارة المساجد والجمعيات الإسلامية في كل محافظة تأكيدا وترسيخا لمبادئ الوحدة الوطنية . وكان يحرص علي نفس الشيء في كل زيارات بلاد المهجر أيضا
+عندما قام الرئيس السادات بعمل مبادرة السلام في نوفمبر 1977 او توقيع اتفاقية كامب ديفيد في
19 /9 /978او توقيع اتفاقية السلام في 27 /3 /1979 قام قداسة البابا بإرسال برقيات تأييد للرئيس السادات في كل هذه المناسبات
+شارك قداسة البابا في احتفالات رفع العلم المصري فوق ارض العريش المحررة في 26 /5 /1979 وصلي صلاة الشكر فوق أرضها .
+ كما زار مدينة الإسماعيلية في 11/9/ 1976 ؛وألق كلمة حيا فيها شهداء حرب أكتوبر ؛ وزار الجيش الثاني الميداني وتقابل مع اللواء فؤاد عزيز غالي قائد الجيش الثاني الميداني في ذلك الوقت ؛وزار النصب التذكاري للشهداء ؛ووضع إكليلا من الزهور علي النصب .
+في يوم 9/10/1976 ؛زار قداسته مدينة بور سعيد وعقد مؤتمر وطني كبير ؛حضره محافظ بور سعيد ومدير الأمن ؛وفي اليوم التالي توجه قداسته مع السيد المحافظ لزيارة مقابر الشهداء ووضع أكليل من الزهور هناك .
+ عقد أحداث 18 و19 يناير1977 ؛وجه قداسته بيانا إلي الرئيس السادت ووزعه علي جميع الصحف ووسائل الإعلام قال فيه ( يعز علينا في هذه الفترة الدقيقة أن تتعرض بلادنا للتخريب والإيذاء ؛ ويؤلم قلوبنا أن يكون هذا التخريب بأيدي بعض من أبنائها ؛إن التخريب ليس هو الوسيلة المعبرة عن الرأي ؛ولا هو الوسيلة الموصلة إلي الإصلاح .إن الضمير لا يرضي بالتخريب ؛ولا الرب يباركه ؛ونحن الذين سندفع ثمنه مستقبلا حينما تزال آثاره من أموال وطننا وشعبنا ؛وإن إقتصاد بلادنا يحتاج منا أن نسانده جميعا وأن نفكر في إصلاحه بروية وهدوء .وبالحوار وتبادل الرأي والمناقشة الدستورية ).
+عندما ألتقي الرئيس الراحل أنور السادات بالقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية في قصر عابدين يوم 8/2/1977 ؛بعد أحداث 18 و19 يناير الشهيرة ؛ ألقي قداستة خطبة رائعة نقتبس منها بعض الفقرات ( أود أن أقترح كناحية من تأكيد الوحدة الوطنية أن تكون هناك لجنة دائمة مشتركة بين رؤساء القادة الدينين في الإسلام والمسيحية ؛ وأن تجتمع بإستمرار ويناقش ما بينها من أمور لأن المثل يقول "البعد جفوة " وأنا واثق أننا كلما التقينا كلما زدنا ترابطا وتماسكا وكلما فهمنا بعضنا البعض بأسلوب أوسع كلما كان هذا الأمر تأثيره علي أولادنا من المسلمين والمسيحين ). ووردأيضا في نفس الخطاب ( مازلت أقترح أنا شخصيا لا مانع من أن إشترك مع أخوتي شيوخ المسلمين في وضع وضع كتب دينية مشتركة .من الممكن أن نضع معا كتب ضد الإلحاد فنحن نؤمن بوجود الله .يمكننا أن نضع كتبا عن صفات الله الحسني يمكننا أن نضع كتبا عن التوحيد فنحن نؤمن بإله واحد وإن كنا نقول باسم الآب والأبن والروح القدس ؛فإننا نقول بعدها إله واحد أمين . يمكننا أن نؤلف معا كتبا في الفضيلة والأخلاقيات يمكننا أن نؤلف معا كتبا في الوطنية وفي قضايا بلادنا .يمكننا أن نشترك في هذه الأعمال ويري عامة الشعب ويري الطلبة أبناؤنا مسلمين ومسيحين كيف أن أسماء قادة الدين المسلمين والمسيحين يشتركون معا في كتاب واحد .
+ في نفس العام وفي 11/10/1977 قام الرئيس بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالانبا رويس بالعباسية لوضع حجر الأساس لمستشفي مامرقس ؛وفيها قال قداسة البابا شنودة قوله المأثور ( مصر ليست وطنا نعيش فيه ؛بل وطن يعيش فينا ؛يعيش في داخلنا .مصر هذه نحبها الحب كله ونحرص علي سمعتها كل الحرص في الداخل وفي الخارج أيضا ونبذل كل جهدنا لكي تكون صورة مشرقة في كل مكان ؛جميلة عند كل شعوب العالم ؛تليق يعبارة الكتاب المقدس التي قال فيها الله مبارك شعبي مصر ........ مصر هي أغنيتنا الحلوة ومصر هذه هي وطننا الذي قال الكتاب عن بعض البلاد كجنة الله كأرض مصر ..... إننا نصلي باستمرار في صلواتنا الخاصة وأيضا في صلواتنا الكنسية لأن الكنيسة تعلمنا باستمرار أن نذكر رئيس الدولة في كل قداس ونذكر أيضا صحبه والعاملين معه ؛محبة الرئيس بالنسبة لنا عقيدة وأيضا علاقة شخصية ).
+عقب الأحداث المؤسفة التي وقعت خلال حقبة السبعينات ؛وكان الشباب القبطي غاضب وثائر جدا ؛عقد قداسته اجتماعه الأسبوعي يوم الجمعة 25 أبريل 1980 وحاول تهدئتهم قائلا ( كما إنني مستعد أن أبذل حياتي من أجل أي واحد منكم كذلك أنا مستعد أن أبذل حياتي من أجل أي مسلم في هذا البلد .فإن الحب الذي فينا لا يعرف تعصبا ولاتفريقا فنحن أخوة في هذا الوطن ..... إن وطنية الأقباط لم تكن في يوم من الأيام موضع سؤال ولن تكون وإن تاريخ مصر ليسجل في كل حين مواقف مشرفة وطنية للأقباط إلي جوار أخوانهم المسلمين ...... نود أن نحتفظ بهذا الحب علي الدوام لا تؤثر فيه أحداث مؤقتة لأن الحب أكبر من الأحداث . .... أدعو كل قبطي إلي الهدوء الكامل في هذه الأيام وأطلب أن نعطي فرصة للدولة أن تدبر كل شيء في هدوء .لقد رفعتم أصواتكم بما تحسونه ويبقي الآن أن تهدأوا جميعا . نحن نثق في حكمة ومحبة الرئيس المحبوب محمد أنور السادات ؛ونثق أنه سيدبر كل شيء في حكمة وحب ؛وفي عدل لجميع المواطنين ككبير لهذه الأسرة المصرية الواحدة ).
+ عقب اغتيال الرئيس الراحل انور السادات في 6 اكتوبر 1981 ؛ وتولي الرئيس الراحل حسني مبارك حكم مصر ؛ وعندما سافر إلي الولايات المتحدة الإمريكية لأول مرة ؛أرسل قداسته خطابا إلي أقباط المهجر بتاريخ 24 يناير 1982 ؛حمله كل من أصحاب النيافة نيافة الانبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي الراحل ؛ونيافة الأنبا موسي أسقف الشباب قال لهم فيها (لا شك أن الرئيس مبارك سيقابل منكم بكل حفاوة وترحيب يليقان برئيس دولتنا الذي أمرنا الكتاب المقدس أن نحبه ونخضع له ؛وأمرتنا الكنيسة أن نصلي من أجله في كل قداس وفي كثير من طقوسنا ) وجاءت الزيارة الثانية لأمريكا للرئيس المخلوع في شهر يناير 1983 ؛فكتب قداسته خطابا حمله كل من نيافة الانبا دوماديوس مطران الجيزة الراحل ونيافة الانبا رويس ونيافة الأنبا موسي وكان الخطاب بتاريخ 16 يناير 1983 قال لهم فيه (نحن نثق أن مشاعر المحبة التي تملأ قلوبكم من جهة بلادنا ستكون واضحة كلها ؛ وأنكم ستستقبلون الرئيس مبارك حسب وصية الانجيل بكل إكرام ؛كما تذكره الكنيسة في صلواتها لكيما يقويه الرب ؛ويحقق له أهداف رحلته ).
+ حدثت حملة من أجل سداد ديون مصر خلال عام 1985 فأدلي قداسته بحديث صحفي قال فيه ( مصر هي بلدنا ؛وديونها هي دين شخصي لكل فرد فينا علي حدة . ونحن جميعا مستعدون أن نساهم علي قدر ما نستطيع . كما نطلب من الدول الدائنة أن نتقدر ظروفنا واحتياجاتنا ؛ ونحن كشعب نعمل كل ما يمكننا ؛كهيئات وأفراد بكل رضي وبكل حب لبلادنا ).
+خلال عام 1986 ؛كتب ابراهيم سعدة مقالا يحذر فيه من خطورة الملصقات الدينية التي ظهرت علي العربات ؛فأصدرت وزارة الداخلية قرار بإزالة جميع هذه الملصقات ؛ فـصدر قداسته بيانا من المقر البابوي يطالب يشيد فيه بقرار رفع الملصقات ؛ووصفه بأنه قرار حكيم ؛وقال قداسته كل من يتعب ضميره بشأن إزالة هذه الملصقات ؛فالله يحالله .
+ في نفس العام 1986 ؛أقام حفل إفطار للوحدة الوطنية بالمقر البابوي بالانبا رويس وأستمر في إقامة هذه المأدبة حتي العام الماضي . كما لبي جميع الدعوات المماثلة من وزارة الأوقاف ومشيخة الازهر والكنيسة الأنجيلية .
+ في شهر مايو 1994 ؛أراد مركز ابن خلدون أن يقيم مؤتمرا في القاهرة لحماية الأقليات ؛ووضع الأقباط ضمن الأقليات ؛وعندما سمع قداسة البابا شنودة بهذا الأمر أصدر بيانا قال فيه ( نحن مصريون ؛جزء من شعب مصر ولسنا أقلية في مصر – ولا أحب أن نعتبر أنفسنا أقلية ولا أن يسمينا البعض أقلية ؛فكل من عبارة أغلبية وأقلية ؛إنما تدل في أسلوبها علي التفرقة والتمييز أو التمايز بالنسبة إلي البعض – وهذا لا يليق بالنسبة لأبناء الوطن الواحد وبخاصة في مصر المحبوبة ..... وإن كان البعض يريد بتعبير الأقلية الدفاع عن الأقباط فيمكن الدفاع عنهم بدافع المحبة دون استخدام تعبير أقلية ).
وعندما سئل قداسته عن أسباب رفضه لهذا التعبير ؛أجاب أن تعبير أقلية :-
1- يخرجنا من هويتنا المصرية كجزء من النسيج المصري العام
2- تعبير أقلية يدعو إلي فتح باب المطالبة بحقوق سياسية معينة داخل البلاد بهذه الصفة
3- تعبير أقلية يستلزم حماية أجنبية أو تدخلا أجنبيا .
+عندما قدم الكونجرس الأمريكي مشروع قانون للحماية الدينية للمسيحيين في الشرق الأوسط وجاء مندوب الكونجرس الأمريكي "فرانك وولف "إلى مصر وعقد مؤتمرا صحفيا يوم 25 / 7 /1998اتهم فيه الحكومة بتجاهل ما اسماه بقضية اضطهاد الأقباط رفض قداسته هذا المشروع وقال أن مشاكلنا تحل داخل مصر وليس خارجها . وان الأقباط يرفضون أن يمارس أحد وصاية عليهم ولا يقبلون أي حماية من دولة أجنبية ووصف مشروع القانون الذي قدمه الكونجرس انه تدخل صريح في شئون مصر الداخلية وان أقباط مصر لا يقبلون أية حماية من أية دولة أجنبية وان من يحمي مسيحي مصر هم مسلموها والحكومة والقيادة في مصر
+ وفي نفس هذا الإطار وفي صيف عام "2004 " جاء وفد من اسموا أنفسهم بــ (لجنة الحريات الدينية )لبحث أوضاع الأقباط في مصر وطلبوا مقابلة قداسة البابا رفض قداسته مقابلته بشدة و أعلن موقفه الثابت والمستقر أن مشاكل الأقباط لن تناقش ألا داخل إطار الوطن والحكومة المصرية فقط وأننا نرفض أي تدخل أجنبي في شئوننا الداخلية تحت أي مسمي .
+ عندما قام قداسته بزيارة الولايات المتحدة الامريكية في اغسطس 2007 وقامت جامعة ميتشجان بمنحه الدكتوراة الفخرية في العلوم الإنسانية ؛ القي قداسته محاضرة اعلن فيها اعتزازه بالتعاون القائم بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي في مواجهة الفتن ودعا الي عدم الالتفات إليها واكد قداسته علي ان الحرية الدينية في مصر لا تعني ابدا إلحاق الضرر بالأخرين .
وبعد ؛فهذا ليست ‘إلا مجرد عينة من جهود قداسته في العمل العام ؛ نهديها لروح قداسته في ذكري نياحته طالبين بركة صلواته عنا .