بقلم: عبد السيد مليك
تقدرون فتضحك الاقدار . عندما كنت اتابع بنوع من الاستياء احداث ماسبيرو في 9 اوكتوبر 2011 و بينما افكر في جمع كافة تفصيلات الموضوع في كتاب يلخص حكم دولة العسكر و ذلك عن طريق الاتفاق شبه المبدئي مع احدى دور النشر الاجنبية فضحكت الاقدار على كل ما قدرت عندما استغرقت الكثير من الوقت في اجراء العديد من الفحصوصات الطبية و بعدها الدخول في عملية لاستئصال ورم من ذراعي الايسر في 2 ديسمبر 2011 توقفت بعدها عن الكتابة و فور ان شعرت اني قادر على استخدام القلم عدت لاتواصل مع كل من افتقدوا مقالاتي في الفترة السابقة و العشرات من احبائي الذين طوقوا عنقي بمحبتهم و متابعتهم لي لحظة بلحظة و الذين اشكرهم جميعا مع كتابة اول مقال لي بعد الجراحة حيث لم اقم بالرد الكامل لجميعهم لظروف عدم استخدام يدي بالشكل الطبيعي في الفترة السابقة . اشكر الجميع لعمق المحبة الذي ارجوا ان اكون دائما أهلاّ لها.
و على الرغم اني لم امارس الكتابة في الفترة الماضية إلا اني كنت متابعا جيدا لما يحدث على الساحة السياسية في مصر و المنطقة الشرق أوسطية و استطيع ان الخص هذه الفترة ان ثورة يناير إن لم نجني منها ثمار ملحوظة لما تمر به من تحديات و ضغوط لعدم توفر الامكانيات لتكون ثورة كاملة بالمفهوم الصحيح أو بتعبير أدق أن نجني منها النتاج الطبيعي بثورة تمثل ارادة الشعب إلا ان من أهم ايجابياتها هي بداية النهاية لحقبة من زمن حكم العسكر في مصر فهم الوحيدين الذين أكدوا على الاسم الصحيح لإانقلاب حفنة من العسكريين على النظام الملكي في سنة 1952 قدموا أنفسهم لنا على انهم جاؤا ليقدموا لنا الحرية . و من أجل العدالة الاجتماعية و من اجل ان تقسم خيرات مصر على كل المصريين ، و في الحقيقة ما زادونا إلا هماً جديدا على كومة همومنا ، هؤلاء الذين لقبوا انفسهم بالثوار و نصبوا أنفسهم علينا كابطال و من هذا المنطلق اعتبرونا سبايا بطولاتهم الزائفة او رهائن او إرث ابائهم العسكريين أو المؤسسة العسكرية طيلة ستين عاما بينما أن هؤلاء لو فشل مخططهم الارهابي لكنا شاهدناهم في صورة غير الصورة التي رسموها لانفسهم من وراء القضبان مجردين من ملابسهم و درجاتهم العسكرية .
ليواجهوا عقوبة التخطيط لانقلاب على النظام و لا أود ان اتوقف طويلا في سرد ما تضيق له اوراقي لكني اضع مثال واحد لا يحتاج الى حسابات معقدة او لتحليلات اقتصاديين لا يستوعبها كل العامة من المواطنين .لكني اورد حقيقة لا يزال يتناقلها حتى العامة ممن عاصروا هذه الفترة و هي ان قيمة الجنيه المصري تعادل 3 دولارات اميركية، اما الجنيه المصري الآن فهو النتاج الطبيعي لثورة اللصوص الذين فرضوا واقع قاسي أحنى ظهر الجميع من ثقله لكنهم كانوا بارعين في تاليف مصطلحات و اختلاق مسميات بكل ما نمر به من ازمات ، فعندما تنعدم قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الاميركي يأتون بمصطلح تعويم الجنيه بأن يجملوا الهزيمة فيطلقون عليها النكسة و إن كانوا عوموا الجنيه و أغرقوا آمالنا بالعيش الكريم في ظل دولة عسكرية طيلة ستين عاما عرفنا ان مصطلح التعذيب فيها هو "وراء الشمس" لذلك تجد ان معظم المصريين توقفوا عن ممارسة السياسة في هذه الفترة و أصبحت السياسة العملية ملخصة عند العوام " عاش الملك . مات الملك" و على الرغم ان الثورة قمعت معظم المفكرين و قصفت الاقلام الشريفة في هذا الوقت إلا انك تجد معظم التعبيرات السياسة عبّر عنها العامة و البسطاء في صورة " واحد بلدياتنا" و تحت هذا المصطلح يخرج همومه السياسة و معاناته اليومية في صورة نكتة و لا زال المصري وفي منتهى الذكاء يلجأ الى هذه الطريقة التي تميزهم رغم بساطتهم عن مختلف شعوب الارض.
الآن و قبل بضعة شهور من ستين سنة للدولة العسكرية و إن كان ترنحها بطيء و سيرها كالسلحفاء لكني اؤكد سقوطها تحت ارادة الشعب . أما اقطاب الدولة العسكرية بنوع من لعبة المبادلات السياسية مقابل اغلاق العديد من ملفات الفساد و كشف حقائق كريهة الرائحة تدين المؤسسة العسكرية و العسكريين ، لجأت لعقد صفقة و لا ادري إن كانت صفقة ام صفعة على ظهر المصريين أن يقبل مارد الدولة العسكرية العودة الى قمقمه ليطلق علينا من نفس الزجاجة مارد الدولة الدينية التي لا زالت تناقش بين اقطابها هل دخول الحمام بالقدم اليمنى ام باليسرى ، بينما حولنا الدول المتقدمة التي غزت الفضاء .
و كمفكر سياسي انتهجت العلمانية منهجاً و جهت لنفسي هذا السؤال باسم المفكرين الذين ينتمون الى التيار الديني و هو إن كنت اؤمن باشتراك كل الوان المصريين و اطيفاهم بمختلف ثقافاتهم و معتقداتهم فلماذا ارفض الدولة الدينية تحديداً؟ و هناك العديد من النقاط للرد على هذا السؤال من اهمها ان الدولة الدينية لا تؤمن بالتعددية الثقافية بمعنى انها تريد الانفراد و السيطرة و اقصاء الآخر ( كان من كان ) و انفراد فئة في ادارة شؤون البلاد من المؤكد انه لا يمثل كافة فئات المجتمع و على سبيل المثال: رؤية الدولة الدينية المستوحاة من خيال عبد الناصر في القاء اسرائيل في البحر بينما ان هذه الرؤية لا تمثل كل فئات الشعب المصري و ان دخول البلاد في طريق الحروب ما زادنا الا تدهورا لاقتصاد البلاد و الفشل في توفير العيش الكريم للمواطنين ، هذا الى جانب انتهاك المواثيق و المعاهدات الدولية و بالطبع مردود ذلك بما لا يحمد عقباه .
و أخيرا في ظل الدولة العسكرية و كما ذكرت من قبل انها قضت على المفكرين و السياسيين في اطار تقليص دور الاحزاب السياسية لكن هذه الصورة المستجدة لم تستعصي على عقول المصريين الذين عبرو عن همومهم في ظل هذه الدولة في العديد من الصور الساخرة ( واحد بلدياتنا) .
الستم تخشون معي ان فشل الدولة الدينية التي جاءت لتقضي على مواكبة اي تقدم تحت شعار " حلال و حرام" كذلك " قال الله و قال الرسول" يجلب السخرية على اسم الله القدوس البرئ من تصرفات هؤلاء و ان التخلص من هذه التجربة قد يلزمه ستون عاما آخر تخوضها البلاد و العباد و ثورات أخرى و ابرياء يموتون من جديد للمطالبة بالحرية و ضمان العيش الكريم . لذلك فاني أشدد اننا لا نقبل بكل من يقسمون فئات الشعب ( هم و نحن ) و لن نرضى لاي تيار ان ينفرد بحكم البلاد و لن نقبل ان نُقسّم و يطلق على كل واحد او مجموعة إسم الفئة التي ينتمي اليها ، فهذه بادرة خطيرة فهي بمثابة الصخرة التي تهوي عليها إنتمائاتنا الوطنية ( مصر) و إن كنت ارى صورة غيوم الدولة الدينية خيمت من حولنا بظلامها الحالك إلا أن ثقتي في شباب صنع معجزة الثورة في 25 يناير أن يحلق من جديد كالشمس التي تقشع أحلك الغيوم ليعيدو لمصر مكانتها الريادية و الحضارية في العالم.