أمس السبت 21 مارس لم يكن فقط احتفالنا السنوي بمناسبة عيد الأم إنما كان أيضا تاريخ الاعتدال الربيعي وهو وداع فصل الشتاء وبداية فصل الربيع… ولعل سائر المصريين كانوا هذا العام متلهفين لوداع فصل الشتاء غير آسفين علي رحيله بعد هجماته الشرسة التي تجاوزت كل المألوف سواء بالنسبة للبرد القارس أو للأمطار الغزيرة أو لآخر ضرباته التي أبي أن يرحل إلا بعد أن يوجعنا بها وهي الإعصار المدمر الذي سبق رحيله بأسبوع واحد واشتمل علي رياح عاتية وأمطار رعدية هادرة وسيول جارفة تسببت في ارتباك غير مسبوق جعلنا نتساءل: هل يحق لنا أن نعيد صياغة ما تعلمناه عن مناخ مصر؟… فبعد أن كان حار جاف صيفا, دافئ ممطر شتاء بات الأصلح أن يكون حار شديد الرطوبة صيفا, صقيع غزير المطر شتاء!!
لكن يجب أن نعترف أن غضبة الطبيعة ليست وحدها المسئولة عن مشاكل وهموم المصريين مع هذا الشتاء, بل لا ينفصل عنها فشلهم الذريع في الاستعداد لها ومواجهتها, فبالقطع لسنا أكثر أو أسوأ الدول تعرضا للصقيع أو لهطول الأمطار, فدرجات الحرارة تراوحت بين 22 مئوية للعظمي و8 مئوية للصغري وهي درجات معتدلة مقارنة بالأجواء الجليدية التي تهبط فيها الحرارة لما دون الصفر بعشر أو عشرين درجة, كما أن الأمطار غير مستمرة ومحدودة مقارنة بأجواء استوائية أو شمالية قطبية لا تتوقف فيها الأمطار لأسابيع وشهور متصلة… الأمر المؤسف أن الطبيعة المعتدلة للمناخ في بلادنا- وهي نعمة تحسدنا عليها شعوب كثيرة- تحولت إلي نقمة إذا نظرنا إلي قدرتنا علي حماية أنفسنا ومنشآتنا وتجمعاتنا العمرانية وشبكات طرقنا من أي تجاوز للمألوف في الجو وعلي الأخص الزوابع والأمطار… ففي هذا الشتاء الأخير تعرضنا لثلاث موجات عاتية للأمطار في أكتوبر من العام الماضي وفي فبراير الماضي وآخرها الأسبوع الماضي, ولا أقول إنها موجات مباغتة لأن النشرات الجوية وبيانات الطقس المدعومة باستطلاعات الأقمار الصناعية والوسائل العلمية الحديثة تنبأت بها جميعا قبل حدوثها وحذرت الكافة منها -مسئولين ومواطنين- ومع ذلك كانت الكوارث تحل في كل مرة وكأننا لا نتعلم ولا نستعد ولا نبالي أن نسقط في ذات الأخطاء مرة تلو الأخري!!
نجحنا بامتياز في الوقوع فريسة الأمطار والسيول وغرق منشآتنا وشبكات طرقنا من جراء تجمعات المياه المتراكمة… نجحنا بامتياز في عدم ترويض مخرات السيول وتحول مساحات شاسعة من الأراضي إلي بحيرات… نجحنا بامتياز في تمكين الأمطار من قطع الطرق وتنكر شبكات الصرف لاستيعابها أو صرفها -هذا إن وجدت شبكات صرف مياه أمطار أصلا!!- وأخيرا… نجحنا بامتياز في تعذيب المواطنين وتشريدهم وترويعهم.
لكن بعد كل ذلك كانت لدينا حلول عبقرية… قررنا تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات, وقررنا تعطيل العمل في المصالح الحكومية والقطاعين العام والخاص, وقررنا إغلاق شبكات الطرق الرئيسية الغارقة في مياه الأمطار والتي تحولت إلي بحيرات اختفت فيها السيارات العادية لنحو منتصف ارتفاعها والسيارات الكبيرة والحافلات بكامل ارتفاع إطاراتها, وجاءت بيانات التحذير تعلم المواطنين عن إغلاق طرق داخل المدن وخارجها وطرق سفر رئيسية بين المحافظات وطرق قومية… ولا يعني كل ذلك أن الطرق الفرعية أو الأحياء السكنية سلمت من تلك الكوارث, لكن الحقيقة البشعة أنها معزولة مقطوعة مستعصية علي الارتياد والحركة بعد أن تحولت إلي مساحات مائية عشوائية سكانها مأسورون داخلها لا يستطيعون مغادرتها ويعانون من انقطاع المياه والكهرباء والاتصالات الذي تبرره السلطات بتكثيف جهودها لتصريف وشفط مياه الأمطار وإصلاح شبكات المرافق والكهرباء والأجزاء التي انجرفت وهبطت علي الطرق!!
إن ما حدث -وهو ليس غير مسبوق- يستلزم وقفة جادة مسئولة تبدأ بالكف عن إلقاء اللوم علي الطبيعة وبمواجهة نقائصنا الكارثية في تأهيل طرقنا ومرافقنا وعمراننا إزاء التعامل مع تلك الظواهر الطبيعية… ولعل نظرة فاحصة أمينة لتبعات الإعصار الأخير وما ترك من بصمات علي مبانينا وطرقنا ومرافقنا تثبت أن الطبيعة ليست وحدها المسئولة إنما يشاركها الإنسان في تحمل المسئولية!!