يبدو أن درب الجماميز كان شاهدا على الكثير من الأحداث الفارقة فى مصر'> تاريخ مصر، ففى درب الجماميز صعد نجم القارئ الشهير الشيخ محمد رفعت، وفى درب الجماميز أسست أول كلية للفنون الجميلة (مدرسة الفنون الجميلة)، التي أسسها الأمير يوسف كمال، كما شهد درب الجماميز مبادرة توثيق للذاكرة المصرية في سائر المجالات، فكانت النواة الأولى لدار الكتب المصرية (الكتبخانة الخديوية) وكان على مبارك قد لاحظ أن ثروة مصر من الكتب موزعة على المساجد الكبيرة الجامعة وقصور الأمراء والأثرياء، وبيوت العلماء، وانتبه مبارك لخطورة هذا الوضع الذي ينذر بضياع ثروة مصر الفكرية، حيث كان يشغل رئاسة ديوان المدارس، فرأى ضرورة قيام مكتبة كبيرة تضم شتات الكتب المبعثرة في أماكن متعددة؛ لحمايتها من الضياع والتبدد، وكان قد شاهد في أثناء بعثته إلى فرنسا مكتبتها الوطنية في باريس فأعجب بها وأفضى برغبته إلى الخديو إسماعيل، الذي اقتنع بالفكرة، فأصدر قرارًا بإنشاء دار تجمع المخطوطات النفيسة التي سلمت من الضياع والتبديد.
وقبل هذا بكثير كانت قد تكونت النواة الأولى لدار الكتب من «الكتبخانة» القديمة التي أنشأها «محمد على» وجعل مقرها القلعة، ومكتبات الجوامع التي قام ديوان الأوقاف في عام ١٨٤٩م، بحصر محتوياتها، وما اشتراه الخديو إسماعيل من مكتبة شقيقة «مصطفى فاضل»، وكانت مكتبة هائلة، تضم نوادر المخطوطات ونفائس الكتب، وتبلغ محتوياتها ٣٤٥٨مجلدًا، ومن هذه المجموعات وغيرها تكونت الكتبخانة الخديوية «زي النهارده» في ٢٣ مارس ١٨٧٠م واختير لها الطابق الأرضى في سراى الأمير مصطفى فاضل شقيق الخديو إسماعيل بدرب الجماميز، وبلغ ما جمع لها نحو عشرين ألف مجلد، وفى ٣٠ من يونيو ١٨٧٠م انعقد بديوان المدارس اجتماع رأسه «على مبارك» لوضع قانون دارالكتب الأول، ولائحة نظامها، الذي تكون من ٨٣ مادة، حددت أقسام الدار، واختصاصات العاملين بها، وأوقات فتحها للمترددين عليها، ووضعت الضوابط التي يلتزم بها زوارها، وقد أخذت الدار في التطور ولحقها التحديث حتى صارت تضم الوثائق القومية بالقاهرة، أو الأرشيف الوطنى المصرى وما يقرب من ٥٧ ألف مخطوط تتراوح بين البرديات والمخطوطات الأثرية، والوثائق الرسمية مثل حجج الوقف ووثائق الوزارات المختلفة وبذلك فهى أكبر مكتبة في مصر، تليها مكتبة الأزهر ومكتبة الإسكندرية الجديدة.