. فأمطر نعمتك لا تبطئ
رُوُحُنَا ظمأى إليك
بقلم
دكتور مهندس/ ماهر عزيز
استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ
"قريبٌ"
"وعصىٌ على الإدراك هو الإله"
"لكن حيث يكون الخطر"
"تلوح كذلك النجاة"
وحيث تتربص الذئاب فى العتمة يستطيع – بلا خوف – أن يعبر أبناء اللـه فوق الهاوية على جسور الخلاص.. عندما يتساوى النهار والليل.. وفوق الممرات البطيئة ترف الأنسام مُثْقَلَة بأحلام النجاة، وتمتد إلى الظامئ يدٌ بالكأس المعطرة المترعة بنور سطيع، فتوجد الراحة عندئذ.. وتعظم الفرحة فى ظل الإله.
وحيث يعانى العاثر محنة المتجول الوحيد الذى لا بيت له ولا وطن، ويتخبط فى ظلام التشرد والضياع.. عندما يحتدم الصراع بين ربيع الحرية المقدسة وشتاء الأغلال القارس الفظيع.. ترف السحابة المقدسة فوقه، وتلمع النجوم المتفتحة اليانعة، وتمتد من بستان الحياة غير المنظورة، ومن حدائق الآب المزهرة، يد حانية رفيقة دائمة الفرحة.. فيفزع قلبه برؤية جديدة حين تصنع له أجنحة أبدية، ليعبر إليها بحس عظيم الوفاء.. ويظل فرحاً فى كل الأوقات عندما يخطر على ضفاف الماء البرىء، مزدانة رأسه بإكليل النجاة.. فيتعلق الحب بالواحد.. ويخرج الغناء فى هذه المرة من صميم القلب..
"نحن الذين تنبأت بهم أنشودة القدماء عن أولاد الله"
وحيث يجوس العاصى منهكاً فى السفوح الوطيئة ينوء بحمله العنيد، وتتراكم حول البائس قمم الزمان والهموم.. عندما يفر المتمرد فى ليل الغابات المذعورة، وتنهار التلال حين تراه يعاقر الحيات وهو يضحك من بين أسنانه، ويندفع مخبولاً كالفريسة يشق الأرض، ثم لا يلبث يعود ليجلس بين جدرانه المظلمة فقيراً من بهجة الروح فقر الشحاذين.. تأتى عاصفة الغناء لتبدد السحاب، وينزاح النقاب عن جلال الوجود غير المنظور، وتظهر جوقة الأفراح ساحرة فى رداء سماوى، فيذوب العذاب فى النور والهواء، وتتكسر الأغلال على صوت النشيد ليخرج منها المرذول أشد حرية وجسارة.. فيعمر القلب عندئذ ببهجة الخلاص، ويلتف ذاك الذى كان طريداً بعيداً بردائه القانى مفعماً بالنار الصافية.. فتشع البراءة الأولى ممجدة فى الصفح العظيم.
وحيث يظل الشقى سَكِيِنَ صحراء زاخرة بالرؤى هائلة على الدوام تغرى بالموت، وتتفتت شخصية الساقط مُزُقاً متناثرة فقدت المركز والرباط.. عندما تنكسر سفينة الحياة على صخرة اليأس والجنون وتتحول إلى حطام لا يستطيع أن يحمل فكرة أو عاطفة.. تتراءى قوى هائلة تتجول فوق الأرض، ويمتد السمع بعيداً نحو منقذ عطوف يقبل نحوه، وتتجلى ذروة الاعتزاز فى ليل بهيم جامد، فينسكب تيار النعمة عريضاً كالبحر، ويرده للطاعة والوفاء والفعل البرىء مخلص عجيب يعرف كيف لا يبخل وكيف يعطى ويبذل إلى حد الفناء.
هو ذاك.. جعل الأرض موطئاً لقدميه – ذاك الذى يصالح النهار مع الليل ويوجه حركة الكواكب أبد الدهر هبوطاً وعلواً – ليمنحنا الكلمة المتدفقة ، ويهبنا الكأس المترعة والحياة الجسورة والتذكار المقدس أيضاً لنقضى الليل ساهرين..
هو ذاك.. جاء بنفسه.. هبط فى هذه الأثناء إلى الظلال وهو يهز مشعله، وأتم العيد السماوى، فأشرقت الابتسامة فى النفس السجينة، وصارت النار الإلهية بعد ذلك تحفزنا بالليل والنهار على الانطلاقة المقدسة..
لكننا الآن نئن ونتوجع..
فأمطر نعمتك لا تبطئ..
رُوُحُنَا ظمأى إليك.