عماد الدين أديب
تحدى فيروس الكورونا ليس كله شراً مطلقاً، بل هو فرصة عظيمة لظهور المعادن الحقيقية لأفضل مَن فينا.

هذه الأحداث أظهرت بطولات، وتضحيات، وتفانياً وعطاء، كما أظهرت تخاذلاً واستهتاراً وسوء إدارة واستغلالاً وجشعاً لاحتياجات الناس فى ذروة الأزمات.

لا بد من الإشادة بالفرق الطبية فى ظل أزمة الكورونا حول العالم.

الفرق الطبية من أطباء، ممرضات، رجال الصليب والهلال الأحمر، المتطوعين والمتطوعات وضعوا حياتهم فى مهب الريح، وهم يحاولون مساندة ودعم المرضى والمشتبه فى إصابتهم بهذا الفيروس اللعين.

هؤلاء واصلوا الليل بالنهار، ويعملون فى ظل ظروف قاسية، ومخاوف استثنائية وإمكانيات أحياناً تكون شبه معدومة.

فى زمن الخطر، ظهر فى العالم الدور الجوهرى لقوى الجيش والأمن والحرس الوطنى فى إنفاذ سلطة القانون وفرض الحظر والعزل المنزلى بصرامة وقوة وانضباط فى ظل مجتمعات فيها تيارات متمردة عليه من خلال التمرد أو الجهل أو محاولة تسييس الأزمات للثأر السياسى من الأنظمة أو الأحزاب الحاكمة.

فى الإعلام، ظهر تعاطف مع صميم هموم الناس وبُح صوته فى محاولة شرح مخاطر وأبعاد الفيروس وضرورة التزام الناس ببيوتهم للسيطرة على مخاطر انتشار الوباء.

وفى الإعلام أيضاً، ظهرت أصوات مدمرة تبعث الخوف والشك والبلبلة فى عقول ونفوس المجتمعات.

فى مجتمع رجال الأعمال، هناك نماذج لمن أخرج ماله من أجل دعم من فقدوا أرزاق يومهم، ومن لا يملك ثمن ربطة الخبز أو حبة الدواء أو تذكرة المواصلات.

هؤلاء فهموا المعنى الحقيقى أن المال مال الله، ونحن مستخلفون فيه على الأرض، ونحن أى البشر، لسنا الملاك الحقيقيين له.

وفى ذات الوقت، لدينا التاجر الجشع الذى استغل زمن الأزمة وتاجر فى أقوات البسطاء، وخزّن البضائع ورفع الأسعار بجنون وتاجر فى الكمامات والمعقمات وأدوية البرد والإنفلونزا.

هؤلاء مصاصو دماء الناس، خلت قلوبهم من الرحمة، لا يخافون الله، ولا يعبدون الخالق، لكنهم يعبدون الدولار وحده لا شريك له، والعياذ بالله.

هناك مصارف، فهمت أن دورها هو بناء اقتصادات الدول وتنمية مجتمع المال والأعمال وفهمت معنى المسئولية الاجتماعية وقررت أن تتخلى عن جزء من أرباحها الضخمة مساهمة منها فى تضميد جراح ضحايا هذا الوباء والتخفيف عنهم.

وأيضاً رأينا مصارف بلا قلب وبلا ضمير لم تراع الظروف القهرية التى فرضتها حالة أضرار هذا الوباء الفيروسى اللعين.

ذات يوم قرب أو بُعد، سوف تنتهى هذه الأزمة وتعود الحياة إلى سابق عهدها.

بعد هذه الأزمة، لن نصاب بفقدان الذاكرة، وسوف يسجل ضمير الإنسانية موقف وأداء كل هؤلاء.

لن ننسى مَن استغل الأزمة ومَن ضحى.

لن ننسى الأبطال والبطلات الذين جازفوا بحياتهم، وكذلك الذين باعوا ضمائرهم ومبادئهم وأخلاقياتهم.

لن ننسى أبداً الحكومات والإدارات والمسئولين والأطباء والتجار والمصارف ورجال الإعلام الشرفاء، ولن ننسى أيضاً من باع لنا اليأس، وتاجر فى أقواتنا ومارس الفساد واستغل العباد وزوّر الحقائق والوقائع واستغل وسائل الإعلام لتحطيم معنويات الناس.

لن نفقد الذاكرة، وسوف نحفظ للأبطال بطولتهم، ولن ننسى للمخربين جرائمهم وفسادهم وإهمالهم فى حقوقنا.

إنها لحظة صدق تاريخية كاشفة لحقيقة جوهر مجتمعاتنا، وفارقة فى إيضاح مَن الطيب ومَن الخبيث ومَن الكفء ومَن الفاشل!

كل من نجح فى الاختبار الإنسانى فى تحدى الكورونا هو مَن سيحكم ويدير المستقبل القريب.
نقلا عن الوطن