بقلم: إسحق إبراهيم
تحتفل مصر هذه الأيام بذكرى ثورة 23 يوليو 1952، وكالعادة دافع القوميون والناصريون عن الثورة باستماتة ورفضوا إعادة تقييم الثورة بشكل موضوعي، فعلى سبيل المثال استضاف أحد البرامج بقناة "أون تي في" أحمد الجمّال "القيادى في الحزب الناصري" وأحمد عودة "القيادى في حزب الوفد" للإجابة على سؤال: هل تحولت حلم ثورة يوليو إلى كابوس؟ لم يتقبل الجمّال نقد الثورة ووجه اتهامات إلى إدارة القناة بأنها تريد إعادة تقييم الثورة بما يخدم مصالح الرأسمالية، ذلك رغم أنه حصل على النسب الأكبر من وقت الحلقة. وبالمثل تحول المؤتمر الذي نظمته نقابة المحامين أمس الأول احتفالاً بالذكرى 57 لثورة يوليو إلى خناقة وتشابك بالأيدى عندما اتهم عبد السلام رزق "مقرر لجنة الحريات الإتحاد الإشتراكي السابق" بإفراز طبقة الفاسدين الذين أضاعوا البلد، وهذا لم يعجب الناصريون الذين غضبوا وحدثت المشادة.

إن تقييم أحوال مصر بعد 57 عامًا من ثورة يوليو يكشف إلى أي مدى تدهورت مصر وصار حالها لا يسر عدو ولا حبيب، زيادة متواصلة في أعداد الفقراء واتساع في الفجوة بين الاغنياء والفقراء ووهن اقتصادي شديد، أما في المجال السياسي عمل أصحاب شرعية يوليو إلى إنشاء أحزاب لا قيمة لها لا تسعى إلى الحكم ولا تملك مقومات المنافسة للوصول إلى السلطة، أحزاب عبارة عن مقار وصحف لا يقرأها إلا أعضاء الحزب فقط الذين لا يزيدون عن العشرات، ناهيك عن ترسانة القيم والقوانين المقيدة للحريات والحادة من التعبير عن الرأي والاختلاف.

شرعية يوليو تسمح للمعارضين بالتعبير عن بعض الآراء لكن لا تسمح لأي منهم أن يشارك في صناعة القرار أو أن يكون له القدرة على لعب دورًا فعالاً في إدارة شئون البلد، وهي الشرعية التي ولدت نخب الفساد الذي وصل إلى كافة المؤسسات الرسمية.

فشرعية يوليو خلفت ورائها التهميش السياسي والفقر والانحدار الثقافي والتعصب الديني وقائمة طويلة ومريرة من الإخفاقات.
الشباب المصري لم يعيش قيام الثورة والشرعية التي أستندت إليها ولا يريدها، نحن في حاجة إلى شرعية الوطن والمواطن فقط، نحن في حاجة إلى شرعية قائمة على العلاقة متوازنة بين النظام والمواطن تسمح بمساءلة الحكومة ومعاقبتها عند وقوع الأخطاء وتغييرها عندما لا تسعى إلى مصلحة المواطن.