هاني صبري
لقد لوحظ وجود اعتراض من قبل عدد كبير من الرجال والنساء الأقباط علي فيديو الأنبا إسحق أسقف طما وتوابعها لأن بعض الراهبات قد صلوا في الهيكل مع الأسقف.
وقد تعددت الآراء بين مؤيد ومعارض مما دفع أسقف طما للاعتذار عن هذا الأمر وذكر علي حد قوله أنه تصرف بدون تدقيق كنسياً وطقسياً وأنه أخطأ ولن يكرر هذا التصرف حفاظاً علي سلامة الطقوس.
أن المسيحية بزغت من اليهودية وتأثر الكثيرين بالثقافة اليونانية والرومانية، حيث كانت المجتمعات أبوية جعلت للرجال سلطة أكبر في الزواج والمجتمع ، على الرغم من أن النساء تم تكريمهم وكانت النساء أول من اكتشف قيامة المسيح ونقلْن الخبر إلى التلاميذ، وكانوا يخدمن السيد المسيح، ولكن للأسف الشديد تأثر الكثيرين بالثقافات البالية التي تنتقص من المرأة.
في تقديري الشخصي لا يوجد ثمة خطأ أرتكبه الأسقف لكي يقدم اعتذار عليْه، ومن حق المرأة دخول الهيكل فقد جاء اعتراض البعض ليس دفاعاً عن الطقوس لكنّهم يروا النساء غير مستحقات لذلك ولا يحق لهن دخول الهيكل ، فهناك موروثات خاطئة بعيدة كل البعد عن الفهم الجيد للمسيحية والتي تساوي تماماً بين الرجل والمرأة ، وتأثر الكثيرين بالثقافات المحيطة بشأن التطهير ومكانة المرأة.
نحن نعيش عصر النعمة ففي قصة معجزة شفاء المرأة نازفة الدم، وكانت تلك المرأة قد أصيبت بنزيف دموي استمر لمدة اثنتي عشرة سنة، فبخلاف الألم الجسدي والمُعاناة المستمرة، فهذه المشكلة جعلها نجسة شرعًا حسب الناموس، وحينما "سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ"، قائلة لنفسها بإيمان وثقة: "إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ". "فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ"، أنها شُفِيَت في نفس اللحظة التي مسَّت فيها ثوب يسوع، وهنا وأمام الجميع امتدح السيد المسيح المرأة لإيمانها وأعطاها البركة بكلماته الشهيرة "ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ.. اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ". فقد سمح السيد المسيح لهذه المرأة أن تلمسه، فكيف تحرم هذه الأيام من دخول هيكله، عن أي تقليد تتحدثون؟!.
أن التقاليد المسيحية التي تعترف رسمياً بالقديسين كأشخاص لهم قداسة استثنائية في الحياة تتضمن لائحة بأسماء نساء في تلك المجموعة. أبرزهن السيدة العذراء مريم ولعل خير دليل عملي على ذلك هو تَّمثُّل المرأة المسيحية بالعذراء الطاهرة واحتلالها المكانة المتميزة في كل الطوائف المسيحيّة، كما تشمل اللائحة نساءً بارزاتٍ عاصرن السيد المسيح، وغيرهن وراهبات وهذا ما يثبت الأدوار المتنوعة التي لعبتها المرأة في الحياة المسيحية ، وقد أولي بولس الرسول النساء في هذا الصدد اهتماماً كبيراً، وأقرّ بأنها تستحق مناصب بارزة في الكنيسة، والشماسة فيبي أشهر أنثي ورد اسمها في رسائل الرسل في الإصحاح الأخير من رسالة بولس الرسول إلي رومية “أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا ، لكي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقدموا لها أي شيء احتاجته منكم لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أيضاً.”(رو16:1- 2). ومن الواضح أنه لم ينظر إليها على أنها أقل مكانة أو مقدرة، ولكن رآها كعضو جدير بالثقة وله قيمة في جسد المسيح.
ومع تعليم الرسل أصبحت الشماسات جزءً اساسياً من الكنيسة ،والتقليد الرسولي يقر سيامة النساء شماسات بشروط ، وبلا صفة كهنوتية لهن على الاطلاق ، والجدير بالذكر أن الشماسة ليست رتبة كهنوتية لأنه معروف ومستقر في كنيستنا الأرثوذكسية أنه لا كهنوت للمرأة.
وقد أقر قانون (مجمع خلقيدونية) سيامة النساء شماسات، ولكن لم يطل العهد على وجود الشماسات في الكنيسة.
وقد اختفت خدمة الشماسات المكرسات في الكنيسة القبطية منذ القرن الثالث عشر.
وفي تقديري أنه يتعين علي الكنيسة اعتماد منصب الشماسات مع التأكد أنهن خاضعات للشروط التي وضعها الكتاب المقدس لهن، فخدمة المرأة شئ ضروري وعنصر أساسي لبناء ملكوت الله ونمو الكنيسة المقدسة.
فمهما تعددت الآراء وتنوعت الأفكار والنظريات، فالمسيحية أعطت المرأة في كل شيء مكانة راقية ومميزة فهي معادلة للرجل بكل شيء .يقول الكتاب المقدس "أن الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ". وهناك آيات أخري كثيرة عن المساواة بينهم.