كتب – محرر الاقباط متحدون ر.ص
تحتفل الكنائس الكاثوليكية بمصر، اليوم الاثنين الموافق 27 ابريل، بعيد تذكار القديسة زيتا من لوكا العذراء ، شفيعة خادمات المنازل .
وبحسب المكتب الإعلامي الكاثوليكي، إسمها "زيتا" وهو اسم إيطالي يعني "الفتاة الصغيرة"، يُنطق أحياناً "سيتا".وُلِدَت في قرية مونسجراتي التابعة لإقليم توسكانيا عام 1212م، لأبوين صالحين لكنهما فقيرين للغاية.
بعمر الثانية عشر، إلتحقت ببيت عائلة نبيلة في مدينة لوكا القريبة من مسقط رأسها، هي عائلة "فاتينيللي" لتعمل لديهم كخادمة منزلية. وفي ذاتها قررت أن تكون بتولاً وتعيش في حياتها الجديدة الفقر والطاعة والعفة، كإكليل حب ليسوع المسيح.
عاشت زيتا حياة قاسية ببيت فاتينيللي، وبرغم كفائتها ومجهودها الكبير، كانت تُعامل أسوأ معاملة بدءاً من إثقالها بالأعباء المنزلية الغير مناسبة لصحتها وعمرها، وانتهاءاً بإهانتها وسبّها وضربها بقسوة على أقل خطأ غير مقصود. حتى زميلاتها خادمات المنزل الأخريات، كُنَّ يحقدن عليها ويكيدن لها حتى لا تظهر أمانتها في العمل لدىَ مخدوميها فيحسنون معاملتها.
برغم قسوة كل هذه الظروف، لم تردّ زيتا الإساءة لمخدوميها بل كانت تحترمهم في غيابهم مثل حضورهم وتحفظ أماناتهم، ولا تردّ الإساءة لزميلاتها من الخادمات، فبشهادة الجميع، كان جوابها على كل الإساءات بتواضع شديد وطلب مسامحتها حتى وإن كانت مظلومة وغير مخطئة، كما كانت شديدة الأمانة على كل شئ في البيت فلا تتلف شيئاً بعمد ولا تقوم بما تفعله خادمات كثيرات بسرقة جزء من المواد التموينية المنزلية لبيعها أو للاستخدام الشخصي.
أيضاً كانت تُذهِل كارهيها من الخادمات بمعاونتهن في المهام المُكَلَّفات بها دون أن يطلبن ذلك منها، وبرغم كل ما تقاسيه يومياً من معاناة نفسية وجسدية كانت تغفر من قلبها وتصنع الخير للجميع!.
وبمرور الوقت ومع احتفاظ زيتا بوداعتها وتواضعها على مثال سيدها يسوع المسيح، وقدرتها على ضبط نفسها وكبح غضبها وألمها، بدأت تتغير نفوس خادمات بيت "فاتينيللي" الحاقدات وكذلك نفوس مخدوميها القُساة، وشيئاً فشيئاً صارت المسئولة عن كل شئ في البيت كأنها كبيرة خادمات أو مديرة منزل، لكنها ظلت كعادتها تشارك كل الخادمات أعمالهن ولا تتفرغ فقط لإلقاء التعليمات.
كان إيمان زيتا أقوى من أفعال الشرّ التي وُجِهَت إليها لتُثنيها عن السير في درب القداسة بالصليب خلف المسيح.
وقد كانت تنظر لعملها ليس كمجرد مهنة تتقاضىَ عنها أجراً بل كرازة وبشارة بإسم المسيح في كل مكان اختفىَ فيه نوره بفعل الشيطان، وأن كل ما تقاسيه من سوء المعاملة والألم النفسي والجسدي ليس إلا إكليل حبّ تقدمه لفاديها إذ تشاركه القدر اليسير من آلامه.
ولذلك كان المكسب الأكبر في نظر زيتا ليس تحسُّن وضعها ببيت "فاتينيللي" بل توَجُّه كل أفراد البيت من مخدومين وخادمات نحو صحوة روحية كبيرة لم تحدث من قبل.
تعتبر أشهر مقولة لزيتا هي: ((إن الإخلاص كاذب إذا كان كسولاً وبطيئاً)).
يبدو غريباً على مراهقة غير متعلمة أن تقول وتعيش هذه الفلسفة العميقة، لكن كما علمنا السيد المسيح، فإن حكمة الروح مخفيةً عن الحكماء والفهماء والمتعلمين بما للعالم وظاهراً للأطفال والبسطاء والمتواضعين والعارفين بقدرهم الحقيقي ونعمة الله عليهم.
كان يوم زيتا أغلبه في خدمة أهل البيت أما في ساعات النوم فكانت تُكرِّس قدراً لا بأس به للصلاة، ومهما كانت مرهقة فلا يُثنيها ذلك عن الصلاة التي كانت هي شفاء قلبها من كل الآلام وزادها ليوم جديد من المتاعب.
كذلك كانت تعتبر نفسها سعيدة الحظ لقرب بيت فاتينيللي من كنيسة القرية، حيث كانت تتمكن من الذهاب لصلاة القداس يومياً في الصباح الباكر، وتقوم بالإعتراف بإنتظام وتتناول الأسرار المقدسة لتبدأ يوم جديد مملوء بالتحديات التي ستتغلب عليها بثقتها في معونة الرب.
يُذكَر عن زميلاتها بالخدمة، أنها كانت تشعر بالفقراء دائماً وتعطيهم من طعامها وخبزها المخصص لها كخادمة منذ أن كانت تُعامل بقسوة، وبعد الصحوة الروحية التي حدثت في بيت فاتينيللي كان مسموحٌ لها بأخذ بعض المخبوزات من مطبخ البيت وتوزيعها على الفقراء.
ويقال أنها تركت عملها يوماً ما في الخبيز واخذت بعض المخبوزات الطازجة وقدمتها لفقراء على الطريق، ولم يلحظ أحد غيابها وتوقف الخبيز إذ شهدت زميلاتها أنهن شاهدن ملائكة يقومون بأعمال الخبز حتى تعود زيتا!
+ الوفاة والتكريم:
رقدت زيتا بعطر القداسة في بيت فاتينيللي يوم 27 ابريل 1272م بعمر الستين، بعد أن خدمت هذه العائلة بتفانٍ لمدة 48 عام، ويُقال أن نجمة ظهرت على مكان مبيتها لحظة وفاتها.
كرّمتها عائلة فاتينيللي إكراماً محلياً غير رسمي لأنهم كانوا يعلمون من هي وكيف كانت حياتها وقداستها، وتبع العائلة في ذلك أهالي لوكا الذين كانوا يحبونها ويودون إكرامها.
تم استخراج جثمانها عام 1580م، ووُجِد غير مُنحلاًّ، وهو محفوظ بإكرام حتى الآن في بازيليكا "سان فرديانو" بمدينة لوكا.
وبعد حوالي 150 معجزة مُثبتة بشفاعتها، قُبِلت دعوة قداستها وصارت قديسة على مذابح الكنيسة الجامعة منذ عام 1696م.
شعبياً يُكرمها أهالي لوكا حتى اليوم في عيدها ويقومون بصنع الخبز المضفَّر وتوزيعه على المحتاجين إحياءاً لتذكار إحساناتها كفقيرة تعطف على الفقراء.
يُذكَر أن سيرة قداستها انتشرت خارج إيطاليا ووصلت حتى انجلترا حيث يدعونها "سيتا Sitha" وإكرامها منتشر في جنوب انجلترا، حيث تتشفع بها ربات البيوت والخادمات المنزليات بشكل خاص عند فقد المفاتيح أو عبور الجسور الخطرة، ولا يُعرف أصل الواقعة التي بُنيَ عليها هذا التشفُع، لكن ايقوناتها في إنجلترا تشتهر بأنها تحمل المفتيح أو تضعها في زنّار حول وسطها.