جديد الموقع
مصر الثورة: باسم الأب... باسم الابن!
يتجول محمد يوسف في شارع النحاس باشا، متأملا الأشخاص الذين حارب من أجلهم، حين عبر خط بارليف مع أفراد كتيبته في حرب عام 1973 التي فاجأت فيها مصر نفسها والعالم. كانت تلك الحرب النقلة الأخيرة على رقعة الشطرنج، قبل أن تدخل البلاد في دوامات ألعاب السادات البهلوانية، إلى الحد الذي اضطر عنده المصريون أن يقولوا جملتهم الشهيرة: " العلم نور، والجهل أنور!".
بنظرة محارب قديم لا يقول كل شيء، يتحدث الجنرال المتقاعد، عن الوضع الجديد بأسى، ثم يراقب مرور الناس في شارع مصطفى النحاس، ثم يقول لي بصوت هادئ:" الشبان يستخدمون الثورة بشكل سيء جداً. لم يعد هنالك احترام لاحد وبدأوا يهاجمون الجيش وهم لا يعرفون انه لولا الجيش لما نجحت ثورتهم".
هذا الشارع المغبر يمثل مصر بكل وجوهها. قاهرة المعز المتعبة التي تعيش أجواء ثورة على كل شيء، بمشاعر يختلط فيها الفرح بالحيرة، فقد انتصر ثوار الميدان، على الرئيس العجوز، ولكن ظهر أمامهم سؤال التاريخ الذي يحتاج إلى إجابة عاجلة: ماذا بعد؟
ولا احد يعرف إلى أين ستمضي مصر بعد ذلك، فقد تغير كل شيء إلى الأبد، ولن يعود كما كان. بل إن المراقبين جميعا يقولون أن الأبواب كلها مفتوحة لكل شيء: الغد الزاهر، وغيابة الجب أيضاً !
في القاهرة تشعر أن كثيرا من الأشياء تغيرت، ولكنك تحتار إن كانت إلى الأفضل أو الأسوأ. هذا سؤال التاريخ الذي لن يجيب عليه إلا التاريخ. يقول لك المحارب القديم: "الشعب يحتاج إلى حاكم من الجيش يكون قوي وعادل كي يعيد الأمور إلى نصابها. اعتقد أن افضل من يحكم مصر هو الجيش".
ويشكك كثيرون في نوايا المجلس العسكري، وقدرته على إدارة الأمور في مصر الثورة، رغم أن مصر، بطبائع الأمور، وحقائق التاريخ، كانت من وهب للعرب حكم العسكر. منذ اكثر من نصف قرن عرفت مصر طريقة العيش مع العسكر، وقضت عليهم حين غضبت، باستثناء ذلك النور، النوراني، المنير، المستنير، عبد الناصر، الزعيم الذي كان يمثل حلمها الكبير وغادرها، مأسوفا عليه.
أمام مصر غد مظلم؟ ابن المحارب القديم لديه إجابة خاصة به.
في بهو فندق الانتركونتيننتال، نحو الطرف المغبر من القاهرة، وعلى أنغام موسيقى شوبان، التي كانت تنبعث عذبة، ندية، ساحرة، من احدى جنبات البهو الرخامي، يحدثك الابن الشاب بفرح من يشاهد أحلامه عن الغد، تتجسد أمامه.
يقول مصطفى يوسف: " أنا من مؤيدي الثورة. رأينا الكثير خلال ثلاثين سنة. خدعنا الإعلام. الوظائف قليلة. الشرطة تجاوزت الحدود. كنا محتاجين للتحرك بأية طريقة... تونس حركت خيال الشباب ونبهتنا أننا نملك القدرة على التغيير".
مصطفى شاب عصري، يرتدي لباسه وكأنه عابر على أرصفة "تايم سكوير" في نيويورك الكبرى. يبتسم بهدوء، ولكنه مصر على الغد سيكون افضل، وهذا يجعله يفكر في التمثيل بعد أن ينهي دراسته الجامعية.
يقول لي بعد أن سألته عن قصته مع الثورة والميدان: "من فايسبوك بدأنا صفحة 25 يناير وبدأت الخطط للنزول. آمنا بان هذه فترتنا. بدانا من مدينة نصر وقسمنا التجمعات. الإعلام حاول التجاهل بس نزلنا. ضرب جامد من الداخلية. كل قتيل يثأر له عشرة والكل يقول أننا سوف نموت كي يعيش أولادنا في ظل العدالة".
وبعد دقائق من جولتنا في حديقة أحلامه، نشرب الشاي المطعم بالنعناع الندي، ونتحدث عن مصر الغد التي قاتل من أجلها مصطفى وخرج إلى الميدان، والتي قلق على مصيرها المحارب القديم، ونحن نعرف كثيرا مما نقول، وقليلا مما يحدث.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :