ماجدة سيدهم
اليوم عادت " فايزة "إلى العمل صامتة وبنفس السواد المعتاد ..انكبت على أوراقها بينما توالينا نعزيها بلا أية استفسار. فكيف عادت هكذا للعمل صبيحة مقتل ابنها ..
كنا ندرك فيما بيننا لماذا زميلتنا فايزة قليلة الكلام معنا وقلما تشاركنا مرح الفطور البسيط كل صباح بالمكتب لكنها في كل الأحوال هي مجاملة مع الجميع ..
فايزة متذ عرفناها ترتدي ملابس سوداء فعلى حد قولها" بارتاح في الأسود ..أو الحمد لله "
السيد "عبد الله " مدير الإدارة ..رجل مرموق شديد الاعتزاز والاعتناء بنفسه وشديد الأناقة في هندامه وعطره..
واشتهر بيننا بانه لا يتخلى عن أي قطعة من الحلوى بفمه .لديه حس فكاهي يجعل الكثيرين يغفرون له ايماءاته الخبيثة .. فالمتعارف عليه بيننا أنه راجل عينه زايغة ..لكن للحق مواقفه جادة متى طلب منه أحد إنصافا لظلم تعرض له .. فهو أيضا رجل له نشاط مجتمعي جيد..
و كان من سنوات قد تزوج من سيدة جميلة فور إصابة زوجته الأولى بالعمى أثر اعتداءه المتكرر عليها بالضرب العنيف على رأسها لحتى فقدت بصرها ",,انا راجل صاحب مزاج ..أحب اللقمة الحلوة ..السهرة الحلوة ..المرة الحلوة ..وإيه اللي يغصبني أكمل مع مرة عامية غبية بنت كلب .."
يوم وفاة زوجته الأولى أخذ زوج ابنته السيد " محسن " ليقضيان سهرة صاخبة مع أصدقاء لهما ..لم يشعر بأية أسف لعدم حضوره عزاء أم بناته
.نسيت أخبركم أن السيد " عبد الله" هو والد زميلتنا "فايزة "
أما السيد "محسن " رئيس القسم بنفس الشركة فكان يشبه حماه كثيرا "معجباني" كما كنا نطلق عليه وكان يسعده ذلك متفاخرا بهذا اللقب بل دائما مايقول " حماي دا برنس ومثلي الأعلى في الصياعة . احنا الإتنين .ضاربين الدنيا صرمة قديمة "
لكنه تفوق على حماه في الوسامة والوجاهة متى أدرك ان نظرة زرقه عينيه تعد مدخلا ماكرا لقلب بعض الفتيات والسيدات بأي مكان ..فلابأس من غمزة أو لمسة أو دعابة ملتوية ..كله يمشي ..
أذكركم أيضا.. أن الأستاذ "محسن" هو زوج زميلتنا "فايزة " المكفئة في جلبالها الأسود بعد عن غادرت الضحكة كل ملامحها منذ نشأتها ..فهي الملقبة في بيت أبيها بالمرة.. وكل مرة هي منفلتة وتحتاج لذكر يروضها جنسيا . كشأن أمها وأختها أيضا..
حين كانت أم "فايزة" تغضب لبيت أبيها. كان أبوها يعيدها مجبرة إلى زوجها مرددا عليه مقولته الشهيرة "اضرب وأنا أصلح.. والعين اللي ماتتفقع أحسن لها تطلع .."
ولشدة خوف "فايزة" من الدماء النازفة من جروح أمها في كل مرة يعتدي فيها الأب عليها صدقت وهي مازالت صغيرة أنها بلا لسان وأنها مرة بنت مرة وأخت مرة ..ومباح فيها ومباح في كل مرة كل الاستغلال الجسدي والجنسي لأنها فقط هي مرة ..
فايزة تعلمت وتزوجت وعملت موظفة بنفس مصلحة أبيها وزوجها وهم رؤسائها أيضا... لكنها ظلت بلا لسان ..بلا أذن .. لا تشعر الغضاضة من أيه إنتهاك جسدي او لفظي تتعرض له من زوجها كما عهدها مع أبيها ..
لا تملك أي حق في مرتبها كاملا ..تأخذ مصروفها ..فكما كانت تسمع في حوارات ابيها مع أصدقائه "المرة مالهاش حق في فلوس.. بتاكل وتشرب يبقى تعمل ايه بالفلوس "..
وأيضا سمعته " المرة اللي بالبيت دي للخدمة بس .. المزاج والشقاوة كله برا "
ثم أكمل السيد محسن معها نفس مسيرة الفكرة المحتقرة .
وأما الكارثة أن كلا من الأب والزوج يدعيان التحضر والشرف وأفضل من يتكلم عن حقوق النساء من خلال أنشطتهما الخدمية والحقوقية .. وبالطبع نحن المقربون نسمع ولا نصدق ....
ستخبرونني لماذا لم نأخذ موقفا إيجابيا لصالح زميلتنا ....
فعلناها مرة واحدة من سنوات تعرضت فيها فايزة لضرب مبرح من زوجها إذ ظن انها اشتكت لنا منه وهو السبد رئيس القسم المعجباني المعصوم ..
من كان يقطن بجاورهم يعلم مرارة الحياة لهذه الاسرة عن قرب ..
لم يكن لفايزة أية حق في تنشئة أو تربية أبنها الوحيد الذي صار شابا أرعنا دائما ما تأتي منه الشكوى بأعمال نصب وتحرش .
كان وسيما أيضا يفتخر بنزواته كشأن أبيه وجده واللذان بشجعانه ليس فقط ببطولاته في التغرير بالصغيرات . لكن أيضا بضرب أمه وسرقتها والسخرية منها حين يناديها بالمرة الزانية بنت الزانية ..
وجل القهر أن فايزة لم تعترض وكأن هذا هو العرف السائد.. ربما ...فهي لن تعرف حياة امها فقط ..أو لأنها بالفعل ادركت أنها مقتولة منذ ولادتها ..
كنا فبما بيننا نتألم ونقول ليت هذا الولد العاق يموت ..
بالامس ..أصابنا الذهول بل والصدمة " ابن فايزة اتقتل .."
مرت الدقائق ثقيلة. مخيفة ومزعجة نتابع دقة التفاصيل حين فاقت الخيبة حدودها . ..فصباح الأمس حيث كان ابن فايزة" كالمعتاد خارج البيت في سهرة متهورة وممتدة مع أصحابه بالجامعة الخاصة ..
ومع مطلع الصبح طرق أحدهم باب شقة " فايزة " تاركا أمام الباب صندوقا كارتونيا مغلفا بكيس أسود .
فتح زوجها السيد " محسن " الباب ..تناول الصندوق وفتحه فإذ به عضوا ذكريا في دمه ومفاتيح سيارة ابنه ..حيث مشادة حادة بين الأصحاب حين تعرض ابن فايزة قبل أيام للتحرش السافر بأخت صديق له ليسرق حقيبتها أيضا تحت تهديد ..
فما كان إلا وتضامن واختلف الأصحاب حتى احتدم الصراع فيما بينهم حتى القتل وفصل الرأس عن الجسد ورمي الجثة بأحد المصارف بعد قطع العضو الذكري وإرساله لأبويه ..
اختفت التفاصيل عن التداول مع عودة السيد مدير الإدارة والسيد رئيس القسم للعمل بينما انكبت فايزة على أوراقها صبيحة مقتل ابنها ودفنه بالأسرار.. انتهى يوم عمل ..أغلقنا مكاتبنا والسيرة معا ..
نسيت أن أخبركم ..لازالت فايزة في سوادها بلا لسان و بلا أذن ...