محمد طه
بيقولوا أيتن عامر -فى حلقة امبارح من مسلسل فرصة تانية- راحت بيت اللى بتحبه.. وموتت نفسها هناك، علشان تنتقم منه، وتلبسه كمان تهمة قتلها..
السؤال الآن: هل ده حب؟ واللا كره؟ واللا انتقام..
والإجابة المختصرة: هى كلهم.. ده حب وكره وانتقام..
والإجابة المفصلة.. هى هذا المقال..
فيه نوع من الحب اسمه التعلق.. يعنى اللى بيحب حد، يكون متعلق بيه بشكل زائد عن المعتاد.. متشعبط فيه بزيادة أوى.. لافف حبل الحب حوالين رقبته حتى الاختناق..
فيه حد لما يحب، بيلغى العالم.. بيخرج كل الناس والحاجات والظروف من أى حسابات.. مش بيشوف فى الدنيا غير اللى بيحبه.. بيتنفسه.. بياكله ويشربه.. بينام بيه ويصحى بيه..
فيه حد لما بيحب.. بيسلم روحه للى بيحبه.. ينورها يطفيها.. يشيلها يخفيها.. يبهدلها يمسح بيها التراب.. يلعب بيها كورة.. وهو مسلّم ومستسلم تماماً.. وبيقول: كمان.. وهو فى قمة النشوة والانبساط..
كل ده مش حب.. كل ده تعلق.. شعبطة.. إدمان..
أيوه.. ده ادمان.. والاسم الحقيقي لهذا النوع من العلاقات هو (العلاقة الإدمانية)..
فى العلاقات اللى بالشكل ده.. فيه طرف بيدمن الطرف التانى.. والله العظيم زى ادمان المخدرات بالظبط.. يعنى بيتعود عليه بشكل مرضى.. بيحتاج كل شوية منه جرعة أكبر.. بيبقى عاوز يستحوذ بيه لنفسه 24 ساعة فى اليوم..
مش بس كده..
ده اللى بيحصل في مخ هذا المحب (أو المُحبة) هو بالظبط اللى بيحصل فى مخ المدمنين.. نفس التغير فى كيمياء وتشريح ووظيفة المخ.. نفس استثارة ورد فعل جهاز المكافأة Reward System.. نفس نسبة تدفق الدم للجهاز الحوفى Limbic System، مع كل جرعة إدمانية (كلام- مقابلات- مكالمات-......).
إدمام إدمان يعنى.. إدمان بجد..
طيب.. ثلاث أسئلة مهمة:
هل اللى في العلاقة دى بيحب الطرف التانى بجد؟
الإجابة آه..
هل اللى فى العلاقة دى بيكره الطرف التانى؟
الإجابة برضه آه..
إزاى يعنى؟
ماهو المدمن بيحب المخدرات جداً لأنها بتبسطه وتعلى مزاجه وتنسيه الدنيا.. احساس كده بالنشوة والمتعة والانبساط.. لكنه فى نفس الوقت بيكره المخدرات جداً، لأنه عارف انها بتضره وبتؤذيه وممكن تدمره.. وشايف انها ممتلكاه مش هو اللى متتلكها.. ومتأكد إن هو معتمد عليها بشكل مش بيقدر يقاومه.. ولأن كل ده بيحسسه بققدان السيطرة Loss of Control.. وده أصعب إحساس ممكن يحسه أى حد على الإطلاق.
وهو ده بالظبط دى اللى بيحصل فى العلاقات دى..
اللى فى العلاقة دى، بيحب الطرف التانى لأنه بيحس معاه احساس كويس.. وبيكرهه، لأنه عارف إن روحه فى إيده.. وإنه مش بيقدر يقاومه.. وإنه أسير ليه نفسياً.. وإنه مش قادر يعمل فى كل ده أى حاجة.. فقدان تام للإرادة وللتحكم وللفعل.. هذا الشعور المعكوس والمتضارب بالحب والكره معاً نحو نفس الشخص اسمه ده فى علم النفس Ambivalence.. وده قصة كبيرة أوى.. عاوزة بوست لوحده ان شاء الله..
السؤال التالت والأصعب..
هل اللى فى العلاقة دى بيحب نفسه؟
والإجابة لأ.. لأ.. لأ..
هو فى الحقيقة بيكره نفسه.. بيكرهها جداً.. ووجوده و استمراره فى العلاقة دى هو أكبر دليل إنه بيكرهها..
اللى يحب نفسه بجد.. مايكملش فى علاقة بالشكل ده..
فيه ارتباط نفسي شديد بين حاجتين.. بنسميه ارتباط Dependency/Aggression.. يعنى من كتر ما بتعتمد على حاجة أو حد، وتخليها محور وجودك.. بيتولد جواك فى نفس الوقت غضب شديد منها.. وكراهية متزامنة ليها.. كراهية قد تنفجر أحياناً فى وجه الطرف الآخر.. فى صورة انتقام..
شوف تطور العلاقة وتعقيدها عامل إزاى؟ حب- كره- ادمان- انتقام.. كل ده جوه بنى آدم واحد.. وناحية بنى آدم واحد..
الانتقام بقى ده قصة تانى خالص.. لأنه برضه بيكون مركب ومعقد وغريب.. ليه؟ لأن اللى بينتقم هنا بينتقم من الطرفين فى نفس الوقت.. هو بينتقم من الآخر اللى حاسس جنبه بالاحتياج والاعتماد والعجز.. وبينتقم كمان من نفسه اللى هو رافض فيها احساسها بالضعف والاحتياج والاعتمادية المطلقة..
هو بيكون ماسك مسدس ليه ناحيتين.. ناحية تضرب لبره وناحية تضرب لجوه..
ماسك موس ليه شفرتين.. شفره للخارج.. وشفرة للداخل..
حاطط قدام نفسه مراية.. يشوف وشه البائس فى مواجهة وش حبيبه اللى سلمه مفاتيحه بإيديه..
يكسرالمراية.. لأنه مش عاوز يشوف..
يمسك الزجاج المكسور.. علشان يجرح نفسه.. أو أحياناً يدبحها..
وبنفس قطعة الزجاج الحادة.. يجرح حبيبه.. أو أحياناً يدبحه..
طبعاً الانتقام ده ليه صور وأشكال وألوان كتير جداً.. من أول الانسحاب.. حتى الانتحار والقتل والجنون..
علاقة ادمانية دموية صعبة.. مارضيتش أكتب عنها فى كتاب (علاقات خطرة)، لأنها محتاجة كتاب لوحدها.. ولأنها تجمع كل العلاقات الخطرة مع بعض.. ولأن جدلية الحب والكره فيها من أصعب وأعقد وأبشع ما يكون..
وتيجى بقى الست إليسا بكلمتين.. تلخص كل اللى أنا قولته:
من كثر حبى فيك خلاص انا قربت اكرهك..
عشان مش عارفه اكثر من اللي عملته اعمل ايه..
مش بس عينى وروحى كل ما فيا بيندهك..
كل اللى القلوب سمعتني وانت مش سامعني ليه..
كل ده وراه طفل/طفلة مش قابلة نفسها.. أو حاسس إنه صغير وقليل ومايستاهلش.. أو جعانة حب وقبول وشوفان.. اتعلق/اتعلقت بحد اداله (مبدئياً) حب.. أو وورالها (مبدئياً) قبول.. أو شبعه (مبدئياً) شوفان.. بجرعات عالية.. ومفاجئة.. وغير معتادة.. ثم حدث ما حدث..
ماتسلمش روحك لحد.. تتونس بحد آه.. لكن روحك جواك.. تبعك..
ماتسلميش قلبك لحد.. حبى آه.. بس قلبك يبقى عندك.. بتاعك..
ماتسلمش عقلك لحد.. صدق آه.. بس عقلك يفضل فى راسك..
دايماً لما يجيلى حد جواه هذا الشعور الصعب بالحب والكره والرغبة فى الانتقام (غالباً بتكون واحدة).. بأقولها:
حررى نفسك من شهوة الانتقام.. هو فعلاً له شهوة قوية بتبان فى العين والكلام والتصرفات..
الانتقام مش بيروى ولا بيشبع.. هو فقط هايزيدك جوعاً وعطشاً ونهماً..
الانتقام معناه انك ما زلتى (أو مازلت) سجينة للى انتى كنتى معاه..
معناه انه مازال يملكك..
معناه انه ما زال يأسرك..
معناه انك لسه بتدورى فى فلكه.. بتطوفى حوله من بعيد..
معناه ان لسه فيه خيط رفيع بينكم.. انتى لسه محافظة عليه..
الشجاعة الحقيقية هو انك تكسبى نفسك..
الجدعنة بجد هى إنك تاخدى روحك وتبعدى..
وتقطعى آخر خيط مهترئ فى هذه العلاقة الإدمانية السامة..
ياللا معايا..
امسكى المقص.. تك. سمعتى صوت الخيط وهو بيتقطع..
دلوقت امشى..
وماتبصيش وراكى تانى..
وحبى نفسك يا شيخة بقى..