سحر الجعارة
«الحرية» مثل حية رقطاء تختفى فى جسد امرأة لعوب تغويك وتغريك وحين تسقط فى فخ «إدمانها» لن تتجرع إلا سمها.. أنا لا أتحدث عن الحرية بالمفهوم المطلق، بل عن الحرية فى «العالم الافتراضى» ذلك الذى اختطفنا من واقعنا لنعيش على المنصات الرقمية، ومنها نطلق مدفعيتنا الثقيلة لتغيير سياسات عالمنا ونشعل ثوراتنا ونعبر عن أنفسنا ونحطم كل ما ألفناه من قيم وعادات وتقاليد. يقولون لنا إنه مخترق من المخابرات الأمريكية فلا نتراجع، وكأن أحضان المخابرات الأمريكية أكثر دفئاً وحناناً، يؤكدون أنها تخترق خصوصيتنا وأنها تتاجر بنا، (الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى «ترامب» فى عام 2016 استفادت من معلومات خاصة عن أكثر من 50 مليون مستخدم لموقع فيس بوك)، فنتشبث بها أكثر. لقد كانت السوشيال ميديا هى الإعلام الموازى منذ ظهرت وأصبحت طرفاً فى ثورات الربيع العربى، (الذى اكتشفنا أنه خدعة فيما بعد)، كانت البديل الشخصى للأحزاب الكرتونية، والإعلام الشعبى الذى لا يخضع لأى قواعد أو قوانين.. ربما لهذا تجد جماعة «الإخوان» الإرهابية بأبواقها الإعلامية هى الأكثر نشاطاً الآن على مواقع التواصل الاجتماعى، وستجد الكوادر الداعشية والسلفية وحزب الكراهية وقد ارتكز هناك وكوّن لنفسه خلايا واسعة «شبه تنظيمية» وتركنا نتوهم أننا الأقوى، ربما لأن الحق معنا، وأن المعركة متكافئة رغم أنها: جماعات إلكترونية ممولة ومنظمة فى مواجهة مبادرات فردية يتقاطع فيها سرب التنوير مع قطيع الدروشة.. إنها واجهة لمجموعات تمولها دول «غربية وعربية» وتخطط لها أجهزة مخابراتية فى مواجهة شباب متحمس للإصلاح والتغيير ونخبة من تيار الاستنارة.
الآن كشف «الفيس بوك» عن «حريته المزعومة»، بعدما انضم إليه ملايين العرب، وأعلن عن تشكيل «لجنة الحكماء»، أو مجلس الإشراف على المحتوى، الذى سيتخذ قرارات نهائية ومُلزِمة حول ما إذا يجب السماح بمحتوى معيّن أو إزالته من فيس بوك وInstagram وسيراجع المجلس ما إذا كان المحتوى يتوافق مع معايير وقيم مجتمع فيس بوك وInstagram، وبحسب المقال المنشور لـ«نيك كليج»، نائب الرئيس للشئون العالمية والاتصالات فى فيس بوك، فالمجلس يحصل على تمويل مستقل بـ130 مليون دولار، وأعضاؤه مستقلون عن فيس بوك، ولا يعملون برواتب عنده كما لا يمكنه التدخل لفصلهم.
إلى هنا كان يمكن للعرب استيعاب فكرة «الرقيب» باعتبارهم اختاروا الفيس بوك وعليهم أن يخضعوا لقوانينه ومعاييره.. لكن الصادم أن الحديث عن حرية «التعبير» قد تحول فجأة إلى «حرية التفجير» مع ذكر اسم «توكل كرمان» فى المجلس. مجرد اختيار الناشطة الإخوانية حادة اللسان المدعومة من تركيا وقطر، «توكل كرمان»، عضواً فى هذه اللجنة الرقابية القضائية التى قرر «فيس بوك» أن أوامرها ملزمة، هو إعلان عن توجه معادٍ للعرب، فقد اختاروا شخصية لها توجهاتها الحزبية المفضوحة، ومعاركها اليومية لمصلحة جماعة الإخوان و«قطر وتركيا».. فهى التى نعت المعزول «محمد مرسى» ببيت شعر لنزار قبانى قاله لزعيم «جمال عبدالناصر»، وهو «قتلناك يا آخر الأنبياء».. وهى الأكثر سفالة فى الهجوم على قواتنا المسلحة والتحريض على جيشنا!. هذا بخلاف معارضة «كرمان» الشديدة للتحالف العربى بقيادة السعودية فى اليمن، وانتقاداتها العلنية لحكام هذه الدول، رغم أن اليمن لا يعنيها أصلاً وفى آخر تغريداتها على موقع «تويتر» بتاريخ 11 مايو الجارى كتبت: (أنا ذاهبة إلى تركيا، المهم أن أسلم من المنشار الذى قُطعت به جثة المرحوم جمال خاشقجى، وأعتبر هذا بلاغاً للرأى العام العالمى). ما ظننا أنه «رقابة»، أصبح من المؤكد عملية «أخونة للفيس بوك»، وأصبحت قائمة الحريات المزعومة وحقوق الإنسان، التى تُحدثنا عنها إدارة الفيس بوك، هى حرية مكفولة للإخوان والدواعش فحسب.. ربما لأن الشباب لم يعد متحمساً للضلوع فى مؤامرات إفشال الأوطان العربية أو إسقاطها من الداخل، فأصبح الرهان على التنظيمات الإرهابية «علانية» بلجانها الإلكترونية وعمليات تجنيد الشباب التى تقوم بها.. بالإضافة إلى بعض التيارات السلفية المتعاطفة مع الإخوان!. هل كان بإمكان العرب أن يتجمعوا فى حالات تمردهم وغليانهم السياسى فى كيان إلكترونى مماثل للفيس بوك الذى ظهر عام 2004؟.. للأسف معظمنا لا يعرف أنه يوجد بالفعل فيس بوك عربى، لكنه غير معروف، لأنه يعمل بنفس الآليات التى تمرد عليها العرب؟ هل يمكن أن نراهن على حملات مقاطعة فيس بوك فى إجبار إدارته على استبعاد «توكل كرمان» من مجلس الحكماء أو تقديم استقالتها؟؟.. للأسف لا. المؤسف أكثر أن العرب لن يقاطعوا فيس بوك ولا إنستجرام، وسوف يستسلمون لعملية الاحتلال الفكرى الناجمة عن حجب آراء التنويريين وحظرهم والسماح لثقافة الإخوان بالتمدد والتوسع والانفراد بالعقل العربى. الآن، وبعد «الخريف العربى»، نحن أمام دليل جديد تقدمه أمريكا والغرب على أن مؤامرة تفتيت العالم العربى إلى دويلات عرقية ودينية لم تنته، وأنهم لن يتنازلوا عنها!
نقلا عن الوطن