عبد السلام الزغيبي
مجلس الحكماء،في مواقع الاصدقاء على صفحة الفيس بوك، لم أصدق الخبر في البداية، وأعتقدت أن الموضوع مجرد فبركة، لكن عندما دخلت موقع قناة البي بي سي عربي، تأكدت من الخبر، الذي أثار، كثيراً من حملات الاستنكار والاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة و أنّ كرمان " حسب رواد المواقع" معروفة بتوجهاتها وانتمائها وولائها لجماعة الإخوان المصنّفة في كثير من الدول كتنظيم "إرهابي" يبث الكراهية والفتن في دول مختلفة.. وتفاجأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالخطوة التي قامت بها شركة فيسبوك، متسائلين عن المقاييس والأسس التي اعتمدتها الشركة في تعيين القيادية في حزب الإصلاح اليمني الإخواني، الذي كُشفت مؤخراً علاقته بتنظيمي؛ القاعدة وداعش الإرهابيين.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من التعليقات حول تعيين الإخوانية اليمنية لافتين إلى أنّ إدارة فيسبوك تجهل طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي العربي في اختيار كرمان ضمن لجنة الحكماء، فهي التي وظفت مواقفها لخدمة أنظمة وأحزاب ترفض التنوع وتنشر الفتنة والتحريض وتدعم تنظيمات إرهابية وترعى ميليشيات مسلّحة.
حسب رأي فان توجهات "كرمان" الاسلامية المتطرفة وانحيازها الى طرف سياسي معين ضد طرف اخر، يفقدها المصداقية لتكون عضو مجلس حكماء مهمته الفصل في قضايا حساسة مثل حرية التعبير والحرية الدينية والرقابة على الإنترنت والشفافية. وهي مسائل جد خطيرة لا أعتقد ان لها من الحيادية، لتكون الحكم الفصل في مثل هذه الامور، نظرا لخلفيتها الاسلامية المتطرفة وتوجهاتها السياسية المنحازة.
كل هذه المسائل الحساسة، تفقد موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مصداقيته وحياديته وبالتالي ثقة رواد الموقع، وهو عمل يهدد اقصاء غالبية قائمة عملائها..
اذا تم تفعيل عمل مجلس الحكماء، كما أعلنت شركة فيسبوك، وكانت السيدة" كرمان" عضو فيه، من بين 20 عضوا، وهو المجلس الذي سيبت في المستقبل في المضمون الخلافي على موقع التواصل الاجتماعي، وسيكون بمثابة "محكمة عليا" تكون لها الكلمة الفصل في إبقاء مضمون مثير للجدل أو حذفه عن فيسبوك وإنستغرام، فان هذا الإعلان يعتبر بمثابة عودة لمحاكم التفتيش، و يذكرنا بـ "أمريكا" المكارثية.. أمريكا جوزيف مكارثي التي قامت بملاحقة المثقفين والفنانين وأساتذة الجامعات والعلماء في الخمسينات من القرن الماضي، اثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى بتهمة " مكافحة الشيوعية".. حتى لو كان هؤلاء من الد خصوم الشيوعية! وقد أساءت تلك اللجان إلى عدد كبير من الشرفاء من الكتاب والفنانين والسياسيين الامريكيين ذوى الميول الاشتراكية فى ذلك الوقت بتهمة العمالة للاتحاد السوفيتى ومعاداة الولايات المتحدة الامريكية، مما اضطر العديد من العاملين في حقل صناعة السينما في هوليوود وعدد من الشخصيات العامة، ربما كان أشهرهم العبقري شارلي شابلن والسيناريست الأمريكي الفذ دالتون ترامبو وعالم الفيزياء الشهير ألبرت اينشتاين والروائي والمسرحي الأمريكي أرثر ميللر والمناضل مارتن لوثر كينغ وغيرهم الى الرحيل عن امريكا، أو العمل في ظل مناخ عام من الريبة والخوف الذي لا يساعد على الإبداع.
ولكن انتبه المجتمع الامريكى بعد سنوات الى انهم يؤسسون لدولة قمعية بحجة مكافحة الشيوعية او حماية القيم الامريكية وتم وقف تلك الاجراءات القمعية بعد سنوات وتم انتقادها بقوة داخل المجتمع الامريكى، ومنذ ذلك الوقت يطلق مصطلح المكارثية على الارهاب الفكرى الذى يمارسه البعض ضد المختلفين معهم في الاراء ويطلق كذلك على الفاشية التى تصيب المجتمع فى الظروف العصيبة.
لكن تجربة المكارثية تم تطبيقها في عدة بلدان عربية، بأشكال اخرى، تحولت العديد من الدعوات البريئة فى العديد من الدول مثل حماية المجتمع ، وحماية النظام العام، أو مكافحة التعصب إلى نتيجة عكسية، وإلى تشكيل انظمة استبدادية جديدة رغم انها بدأت بشعارات براقة وتم ظلم الكثيرين تحت شعارات مكافحة الظلم. وباتت هذه الاجراءات معمولا بها في كثير من الدول العربية، مثل سورية وليبيا ومصر والاردن ،و واشدها في العراق في سنوات ( 2003 -2011) وزادت حدتها في سنوات ما بعد الربيع العربي.
في أعتقادي، إن تكوين لجنة الحكماء في موقع الفيس بوك، يذكّرنا بروح وذهنية محاكم التفتيش والحقبة المكارثية في أمريكا وقوائمها السوداء، وكآن جوزيف مكارثي يُبعثُ حيـاً..على هيئة توكال كرمان.
هذا الاجراء الغريب العجيب، أعتبره بمثابة العودة إلى المربع الأول .. ما قبل استحداث وسائل التواصل الإجتماعي وحرية التعبير والرأى دون رقيب وعودة لسنوات تكميم الأفواه ومقص الرقيب، وفشل للتجربة التي توسم الناس فيها خيرا...وممارسة للارهاب الفكرى الذى يحدث ضد كل من يتحدث عن مبادئ مجردة وكل من يعبر عن رأيه او تخوفاته ، عبر انشاء محاكم تفتيش جديدة فى وسائل التواصل الاجتماعي ومكارثية تتبع مقالات الرأى وتتصيد الفضفضة عن التخوفات وتسجل النقاشات ثم تصنف مستخدمي الفيس بوك بحسب توجهاتهم الفكرية.