هاني لبيب
كتبت قبل ذلك عن أشخاص يعيشون فى دور محمد حسنين هيكل، وكل منهم يحلل متقمصاً شخصية لطفى الخولى، ويكتب مقلداً عبدالله كمال، ويروّج لنفسه فى جلسات السهرات باعتباره العارف بالأسرار الفنية لعالم السياسة المصرية، مثل مصطفى أمين، رغم أنه محدود الإمكانيات والقدرات، ويعيش حياته المهنية بالصدفة.
يتأرجح بين تأييد النظام السابق، ومعارضة النظام الحالى، سواء بالمقالات أو بتصريحات «آخر الليل»، مع «شلة المعاشات» فكرياً وليس عمرياً.. لا لشىء سوى لأن لم يحصل على مكان جديد، مثل أقرانه، فى العمل الصحفى والإعلامى. وقد لجأ إلى المعارضة ليبرز نفسه من جديد، رغم أنه كان ضمن «دولاب» العمل اليومى للصحافة، خلال نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بل زاد على ذلك اتجاهه لنشر كتاباته فى مواقع خارج مصر، معروفة بعدائيتها الشديدة لإرادة الشعب المصرى، وقد تحول تدريجياً إلى شخص أشد ضراوة وقسوة فى التعامل مع أقرانه ممن استطاعوا شغل مساحات صحفية وإعلامية - بعد أن غادروا المناصب الرسمية - بسبب موهبتهم الأصلية، وبسبب علاقاتهم المهنية الطيبة.
يكتب مقالات رنانة لمغازلة الرأى العام، ويعيش فى دور المناضل الافتراضى، فى الغمز واللمز والتلقيح الإلكترونى، حتى يهرب من المواجهة المباشرة، وصل به الحال إلى أنه أصبح لا يرى سوى نفسه فى المجال الإعلامى، ولا يسمع سوى صوته رغم أنه يتحدث بمعلومات دارجة، يوحى أثناء الحديث بسريتها، لدرجة جعلته مقتنعاً بأنه كاتم أسرار «الحالة المهنية» الإعلامية فى مصر.. إنه نموذج للشخصية الانتهازية التى رسمها الراحل موسى صبرى، شخصية محفوظ عجب، فى روايته الشهيرة «دموع صاحبة الجلالة».
إنه رمز، لكنه ليس شخصية واحدة، وإنما شخصيات كثيرة أصبحت تمثل حالة من العبء على العمل الصحفى والإعلامى والسياسى. وقد تعبت وأصابنى الملل، إذ إنها الحالة نفسها التى أكتب عنها منذ أحداث 25 يناير. إنها شخصية «المتضخم» إعلامياً.. تلك الحالة التى أصابت العديد ممن حاولوا تجاوز الخبرات التاريخية المتراكمة بصعود سريع لا يتناسب مع سنوات خبرتهم الإعلامية، من جهة، ولا يتواكب مع تركيبة شخصيتهم وإمكاناتهم، من جهة أخرى.
المتضخم أو المتضخمون إعلامياً فئة.. لم تجد سبيلاً لتحقيق نفسها باتخاذ مواقف عن قناعة ومبدأ، بقدر ما حاولت احتلال مساحة داخل دائرة الضوء الإعلامى حتى لا تتلاشى من شرف الوجود والانتماء للسلطة الرابعة.
أكرر وأحذر، المشهد الإعلامى يحتاج إلى انضباط مهنى قبل أى شىء آخر، خاصة بعد التداخل الشائك وغير المنضبط بين الصحفى والكاتب، فضلاً عن التشابك بين الصحفى والإعلامى، وهو ما جعل البعض من «المتضخمين» يتأرجحون بينهما، وما نتج عن ذلك من إعادة الترويج لأفكار سابقة وتكرارها بأشكال مختلفة، بعد أن فقدوا بوصلتهم المهنية فكرياً وسياسياً وإنسانياً، ولم تعد فى الاتجاه الصحيح، بقدر ما تخضع لتحقيق انتصارات وهمية ومكاسب افتراضية.
رحم الله «محفوظ عجب».. القديم والحالى!
نقطة ومن أول السطر..
الباحث بجد ودأب عن المعلومات الدقيقة لنشرها هو الصحفى الحقيقى، أما الكاتب فهو الذى يحلل ويعلق ويستنتج، مرتكزاً على المعلومات التى ينشرها الصحفى، أما الخلط بين الاثنين فهو زواج عرفى يتأرجح بين شهوة الكتابة وشهوة الشهرة فى عالم النضال الافتراضى.
نقلا عن المصرى اليوم