حمدي رزق
لا يزال يتردد في ذهنى حاصل جمع زكوات (جمع زكاة) المصريين، قدّره الدكتور صفوت النحاس، الرئيس الأسبق للجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، بنحو سبعين مليار جنيه مصرى سنويًا. رقم لو تعلمون كبير (نحو ٤.٥ مليار دولار) نصف ما تسعى إليه مصر من قروض جديدة بفعل الجائحة، لو جمعت زكاة المال (من المسلمين)، والعشور (من المسيحيين)، عامًا أو عامين أو ثلاثة، برضى نفس وقناعة دينية ومجتمعية، في بنك واحد، تحت إشراف جمع من الثقاة، يديرون بيت الزكاة بأساليب عصرية لإعمار مصر، لما بقى فيها فقير واحد.
سبعون مليار جنيه، رقم ضخم في بلد تترجى حكومته البنك الدولى'> قرض البنك الدولى، وتتقوّت بالدين الداخلى لحين ميسرة. سبعون مليارًا بغير حساب جامع شامل، موزعة كيفما اتفق، على طريقة «الحسنة المخفية» على جمعيات ومستشفيات وبنوك طعام، لكل نصيب في الغنيمة السنوية، وكل يتلقى لينفق حسب ما يعتقد أنه مصارف شرعية، دون أن يصب جنيه واحد في النهر العام، دون خطة استثمارية ممنهجة، دون إطلالة مجتمعية حقيقية على احتياجات الفقراء في بلادى، كل في وادٍ، كل في طريق، دون أن تلتقى الطرق في منتصف طريق التنمية المستدامة.
أعط الفقير ما يصيد به طعامه، لا تلق له بسمكة في عُرض الطريق، حربُ الفقر علمٌ ومنهجٌ وبرامج واقتصادٌ مؤسسٌ على نظريات مجربة، ليست معونات موسمية أو بنوكًا للطعام في كراتين، أو تبرعًا برسالة لمؤسسة خيرية.
بنك الزكاة فكرة، تتوجه إليه الزكوات والعشور، وفق منظومة مؤسسية، وفق آليات مصرفية، وفق خطط استثمارية، بنك الفقراء ليس بدعة، وإن كانت التسمية جارحة لعفاف المصريين، فليسم بنك الزكاة أو بيت المال.
أقول قولى هذا متعجبًا من سبعين مليار جنيه سنويًا تذهب سدى كماء النيل قبل إنشاء السد العالى، هذا الفيض الكريم الطيب يستوجب سدًا يحجزه أولًا عن التسرب، والضياع في فياف متسعة، فلا ينتج أثرًا، ولا ينبت زرعًا، ما يمكث في الأرض. سبعون مليارًا سنويًا رقم يقيم أود بنك يقرض الفقراء لإقامة مشروعات صغيرة، قرضًا حسنًا، لوجه الله تعالى، خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، خذ من أموالهم صدقة ترسم لهم مستقبلًا، تحيل المجتمع المتواكل ينتظر كرتونة زيت وسكر، إلى مجتمع منتج، يأكلون مما تنتج أيديهم بدلًا من مد الأيدى في عرض الطرق، تصورها الكاميرات لتسوقها على الفضائيات المُعادية في مشهد بائس، يرسم صورة قاتمة لمجتمع يتعيش على التسول وضربات الحظ، وما كنا ولن نكون بمثل هذا الذي يترى على الشاشات العميلة وتتعرّق منه الوجوه خجلًا. زكاة المال لإغناء الفقراء ذل السؤال، لإعمار الأرض، لو تأسس هذا البنك، ويقينًا سيلقى معارضة من العاملين عليها، الذين بنوا قصورًا من حرام، وامتطوا العربات الفارهة من سحت، ورسموا أنفسهم نجومًا للعمل الخيرى، هؤلاء يعارضون بالفتيا المزعومة وبأقوال عمائم ما أنزل الله بها من سلطان، معلوم المصارف الشرعية تتغير بتغير الزمان والمكان والحاجات، انتهى زمن العبيد فاختفى مصرف «فى الرقاب». ولوجه الله تعالى، أطالب الحكومة بالمضى قدمًا في تأسيس «بنك الزكاة» بعيدًا تمامًا عن أدواتها المالية وبنوكها العاملة، بنك مستقل تمامًا، وبإشراف مستقل من ثقاة محترفين مؤتمنين على زكاة المصريين وبأهداف واضحة، وخطط معلنة لإقالة الفقراء من عثرتهم، وتدوير الزكوات والعشور فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
نقلا عن المصرى اليوم