منى أبوسنة
فى مقال سابق بعنوان «الشخصية المصرية وشعار الدولة» طرحت أربعة أبعاد لشعار الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى على النحو الآتى: الوعى بالعدو، العلم ضد الجهل، العمل والإبداع، الإنتاج والتقدم. وقد قمت بعرض مفهومى عن البعدين الأول والثانى، وأنا هنا أتناول بالتفصيل البعدين الثالث والرابع.
ويدور البعد الثالث لشعار الدولة المقترح حول العمل والإبداع. وحرف الواو هنا يربط ربطا عضويا بين العمل والإبداع. فيمكن أن نقول العمل المبدع باعتبار أن الإبداع سمة جوهرية للعمل فى المستقبل. والسؤال هو: ما المقصود بالعمل وما علاقته بمفهوم الإبداع المرتبط به؟
من منظور النظام الرأسمالى الكلاسيكى الذى عرفه وحدد ملامحه أحد أشهر مؤسسى النظام الرأسمالى وهو المفكر الاقتصادى الامريكى آدم سميث فى كتابه الأشهر «ثروة الأمم 1776»، فإن العمل يمثل أحد الأبعاد الثلاثة لإنتاج الثروة بالإضافة إلى الأرض ورأس المال. وهذا المفهوم الكلاسيكى يدور فى إطار المجتمعين الزراعى والصناعى ولا يتجاوزهما إلى المجتمع التكنولوجى أو بالأدق «مجتمع المعرفة» على حد تعبير عالم الإدارة الأمريكى بيتر دركر فى كتابه «الوقائع الجديدة 1983»، وبذلك أصبحت المعرفة هى البعد الرابع لإنتاج الثروة.. وحيث إن إنتاج الثروة يقوم على إنتاج معرفة جديدة، فإنه يشترط شرطا أساسيا وهو الإبداع، وبدون تحقق هذا الشرط لا يمكن لأى عمل أيا كان نوعه أن يرتقى إلى المستوى اللازم لإنتاج الثروة... كما لا يمكنه كذلك أن ينتمى إلى ما يسمى «مجتمع المعرفة» على حد تعبير بيتر دركر.. إذ إن «مجتمع المعرفة» يعبر عن مرحلة متقدمة من المجتمع ما بعد الصناعى، أى التكنولوجى، وهو يقوم على ما يسميه دركر «إنتاج معرفة جديدة»، ويتكامل هذا التعريف للعمل مع الجزء الثانى من تعريف مراد وهبة للإبداع، وهو «تغيير الواقع»، حيث إن إنتاج المعرفة الجديدة فى مجالات العمل يشترط الإبداع وتغيير الواقع. ولا يقف عند حد إنتاج معرفة جديدة لذاتها. وبناء عليه فإن أى مجتمع ليس على وعى بالشروط اللازمة والضرورية للعمل فى زمن مجتمع المعرفة، فإن مصيره أن يتحول إلى مجتمع مستهلك وطفيلى يعيش على ما تنتجه المجتمعات القوية القادرة على تحقيق شروط العمل المبدع. ولكى لا يحدث ذلك، لابد أن يكون المجتمع بكافة أجهزته ومؤسساته على وعى بضرورة بث قيم وقواعد الفكر الإبداعىّ بالمعنى سالف الذكر، باعتبار ذلك رسالة قومية تحقق للشعب والدولة التقدم والوفرة فى الإنتاج.
وهذا ينقلنا إلى البعد الرابع والأخير لشعار الدولة المقترح وهو الإنتاج والتقدم.
المقصود بالإنتاج هنا هو إنتاج الثروة كما عرّفه آدم سميث قديما وبيتر دركر حديثا، المطلوب الآن هو تمثل طبيعة الإنتاج فى «مجتمع المعرفة» حتى يتحول عمال الإنتاج فى مختلف المجالات إلى «عمال معرفة» على حد قول دركر، فعامل البناء يتساوى مع عامل المصنع مع عامل الزراعة. وإذا أردنا مزيدا من التفصيل ففى مجال الإنتاج الزراعى الذى يقوم به الفلاح الزارع، فإن عليه أن يكون على دراية بالشروط العلمية الجديدة التى تسمح بزيادة الكم والكيف فيما ينتجه من ثروة زراعية تشتمل، ليس فقط على إنتاج زراعى، وإنما إنتاج صناعى وتصدير أيضا.
السؤال الآن: كيف يمكن الوصول إلى مستوى العمل المبدع الذى ينتج معرفة جديدة من شأنها تغيير الواقع على المستويين الفردى والجماعى، أى على مستوى المواطن الفرد من جهة، والمجتمع والدولة من جهة أخرى.
الجواب عن هذا السؤال ينبغى أن يطرح فى مجالات ثلاثة محددة وهى: الإعلام والتعليم والثقافة. وتربط بين هذه المجالات الثلاثة علاقة عضوية تقوم على بث الإبداع وتوعية الجماهير بالعمل المبدع فى كافة المجالات، ومن شأن ذلك تغيير ذهنية الجماهير ورفع مستوى وعيها بدورها المجتمعى والحضارى الذى يكمن فى تغيير واقعها البيئى والمعيشى والثقافى.
والجدير بالتنويه هنا أن ثمة علاقة عضوية بين البعدين الثالث والرابع من شعار الدولة المقترح. فهما يرتبطان ارتباطا شرطيا، حيث إنه من المنطقى أن يؤدى العمل المبدع، أى القائم على إنتاج معرفة جديدة، إلى تحقيق تقدما ماديا ومعنويا يدفع بالمجتمع إلى التطور، بمعنى إحداث نقلة كيفية فى طبيعة ودور المجتمع، ومن ثم الدولة والشعب يمكنهما من التنافس بندية مع المجتمعات والشعوب المتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا. وعندما يتحول المجتمع المصرى، شعبا ودولة، إلى مجتمع منتج من خلال العمل المبدع فإن تلك النقلة الكيفية من الممكن أن تحول الشعب المصرى ودولته إلى قوة كوكبية تنافس فى مختلف مجالات الإبداع فى الإنتاج من إنتاج زراعى وصناعى وبحثى ومعملى وخلافه... ذلك لأن مفهوم العمل لا يميز بين العمل اليدوى والعمل الذهنى ويساوى بينهما من خلال مفهوم عمال المعرفة الذى يجمع بين مختلف نوعيات الإنتاج فى مجتمع المعرفة المستقبلى.
وختامًا، أعود إلى بداية تلك السلسلة من المقالات التى بدأتها بمقال عنوانه «الهوية المصرية بين الدولة والشعب» والذى يدور حول قضية إعادة بناء الشخصية المصرية من خلال طرح هوية مستقبلية للدولة، يتلاحم ويتكامل معها الشعب، وتكون هى الأساس الذى تقوم عليه الشخصية المصرية فى المستقبل.
والسؤال الأخير: كيف يمكن الوصول إلى الوعى بضرورة إحداث التلاحم بين المصريين ودولتهم باعتبار ذلك شرطا جوهريا لبناء الشخصية المصرية المستقبلية؟.
نفلا عن المصرى اليوم