هاني لبيب
لم أشاهده يوما دون ابتسامته الصافية حتى في أحلك الأزمات، ولم يفقد هدوءه وسماحته في واحدة من أهم الأزمات الطائفية، تلك التي عُرفت إعلامياً بأزمة وفاء قسطنطين. اسمه إميل عزيز، لكن الإنسانية ستظل تعرفه إلى الأبد باسمه الدينى، الأنبا موسى، كما ستذكره بأعماله التي صارت مضرب الأمثال، رغم أنه لم يمتلك عصا سحرية!
الأنبا موسى من مواليد شهر نوفمبر 1938، وحصل على بكالوريوس الطب 1962، وترهبن في 24 إبريل 1976، وتم تنصيبه باسم الأنبا موسى على يد البابا الراحل شنودة الثالث في 25 مايو 1980، أي أن هذا الأسبوع يحمل ذكرى مميزة ترتبط به، إذ تمر 40 سنة على تنصيبه أسقفاً عاماً للشباب.
وقد تعرفت عليه لأول مرة في محاضرة له عن العلامة الفيلسوف أوريجانوس سنة 1988، وأذكر حينها أن النقاش بيننا استمر حتى مغادرته، لكنه منحنى موعداً لاستكمال الحوار بمقر إقامته بدير الملاك. ومنذ هذا الوقت، أتابع الأنبا موسى وأعتبره واحداً من أبرز رجال الدين المسيحى، خلال نصف القرن الأخير.
يتميز الأنبا موسى بقدرة هائلة على شرح الأمور الدينية المعقدة وتبسيطها، بشكل ينم عن فهم حقيقى للعلاقة بين النص الدينى المقدس واجتهادات الفكر الدينى، وهو ما يلمسه من يحاوره، أو يقرأ مقالاته وكتبه، أو يسمع محاضراته وندواته وعظاته الشيقة. فضلاً عن قدرته الشاسعة في التأثير على المواطنين المسيحيين المصريين بشكل عام، وعلى شباب لايزالون هدفه إلى الآن، بشكل خاص، لدرجة أنه يواكبهم باستحداث أدوات جديدة ليخاطبهم بلغتهم، في عالم الميديا الجديدة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعى. والقريبون من الأنبا موسى يعرفون عنه متابعته الجيدة لكل ما يدور في مصر والعالم، فهو شغوف باقتناء الكتب الجديدة، ونتيجة ثقافته الواسعة اتسمت مواقفه بالحكمة والعقلانية، مما جعله محل ثقة واحترام جميع الاتجاهات السياسية والفكرية والدينية، خاصة في أدواره الوطنية أثناء الأزمات والتوترات الطائفية المتلاحقة، وهى المواقف التي لم يعرفها الرأى العام بسبب حرصه على الابتعاد عن الأضواء.
وقد قامت أسقفية الشباب في عهده بمئات المؤتمرات والتدريبات واللقاءات والندوات لرفع وعى الشباب ودمجه في المجتمع، والخروج من أسوار الكنيسة إلى التفاعل مع الحياة الفكرية والسياسية المصرية، كما نظمت الأسقفية العديد من المهرجانات والمسابقات الشبابية على مستوى الجمهورية في العديد من المجالات الفنية والإبداعية. كما أذكر الدور الرئيسى الذي قامت به مجموعة التنمية الثقافية التي أسسها وأشرف عليها صديقى العزيز جداً سمير مرقس في تشجيع الكثير من الشباب للانضمام للعمل السياسى والبحثى والفكرى. كما أذكر أيضا الدور المهم لمجموعة المشاركة الوطنية التي يشرف عليها الصديق سمير ذكى.
والأنبا موسى يعتبر أسقفاً صاحب طبيعة خاصة، وهو نموذج للرمز، بداية من حسه الوطنى ومشاعره الإنسانية الفياضة، وبابها الكبير بشاشة وجهه وحسه الفكاهى، وصولاً إلى سمته الرئيسية في قبول الاختلاف باحترام كبير، وهكذا في وجوده لا مجال للخلاف، لا مجال للتنمر، وطبعاً لا مجال للتمييز والكراهية. إنه شخص لا يمكن أن يسقط من الذاكرة المصرية أبداً.
نقطة ومن أول السطر..
الأنبا موسى رمز وطنى وتاريخى أصيل، ستظل سيرته محل تقدير واحترام العديد من الأجيال.
نقلا عن المصرى اليوم