مفيد فوزي
لست أقلل من اهتمامى بالكورونا وسنينها، ولا أتصور نفسى «غير مبال» بخطورة الفيروس عابر القارات الذى حصد عدداً من الأرواح يفوق ما حصدته الحروب. ولا أخفى خوفى على البلد من العودة النسبية للحياة العادية. فالناس «شرقانة» خروج للمقاهى والمطاعم والسهرات، وعطشانة للشواطئ، والناس يبالغون، ويصعب مصادرة انطلاقهم حتى بالعقوبات، ونسبة الوعى عند المصريين تتراوح بين جدية الالتزام بالقواعد والاستخفاف بها والتواكل لا الاتكال على الخالق. هذه مقدمة ضرورية للمقال، وكما يعبر هيكل حين يقول «إنها مقدمة تمهيدية لابد منها».
فمنذ أن صار التليفزيون هو «الأب البديل» فى غياب الآباء المسافرين للرزق والمهمومين بالحياة، أصبح الأطفال يستمدون القيم من الشاشات، حيث تنطبع فى نفوسهم وعقولهم ما يرون ويسمعون. وكنت أرى أن مواقع التواصل وأشياء أخرى أصبحت فى متناول الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى عمر الثامنة عشرة، حسب التوصيف القانونى. وأرى أنهم يتأثرون بكل ما تبثه هذه المواقع.
وأنا- ككاتب صاحب قلم متواضع- أهتم ببناء الشخصية وما يؤثر فيها سلباً. ولا أدعى أنى مراد وهبة أو مصطفى سويف ولكنى أجتهد فى فهم النوازع البشرية وأحاول قدر استطاعتى التعمق فى العادات النفسية والذهنية للنشء الذى سوف يمسك بالمسؤولية بعد قليل.
ولابد من التوقف عند مادة الإعلان، فتكراره يترك أثراً جيداً أو سيئاً. الأمر يتوقف على جاذبيته وأسلوب إخراجه، فأنا مثلاً تأثرت بإعلان يتعاطف مع ضحايا الحروق، وما أكثرهم، لأن أسلوب تنفيذه جاء بالهدف المنشود، وهو الحث على التبرع. هناك «إعلانات» تستظرف وهو استظراف سلبى سيئ. هناك إعلان يضرب «المثل الأعلى» فى مقتل وقد يشوه فكرة «القدوة». ولا أحتاج للقول إن المثل الأعلى اختلف من أجيالنا، فالقدوة الآن «لعيب الكرة» و«الكسيب دون جهد»، باختصار القدوة داخل البيت صارت مهزوزة!.
والقدوة- كما تقول كتب علم النفس- ضرورة اجتماعية، فعندما يظهر طفل «يذاكر دروسه» ومعه الأم تشجعه، فهذا شىء محمود، إذ إن الأمهات فى الغالب يوزعن جهودهن على اهتمامات مختلفة ليس من بينها الاهتمام بالأبناء.
هذه الأم تستوجب التصفيق لها لأنها جلست بجوار صغيرها أو صغيرتها تشد الأزر وتزيد الهمة. ذلك أن أطفال الجيل هجروا الكتاب وصار جوجل هو مرجعية المعرفة.
أمى كانت تفعل نفس الشىء. كانت تجلس معى أثناء المذاكرة، حيث إن أبى لم يكن يؤمن بهذا الونس! كان يرى أن المذاكرة جهد ذاتى، ولكن أمى كانت تؤمن بأن الونس مشجع على المثابرة بدليل أنها أرشدتنى لمكتبة البلدية لأستعير الكتب، ولعل قراءاتى الأولى كانت أهم مكونات وجدانى.
فى الإعلان- إياه- الذى تكرر طوال شهر رمضان تقول الأم من باب التشجيع.. عايزاك تبقى شاطر زى بابا كان بيطلع الأول. وإذا بالأب، الذى كان يجلس على الكنبة مهتما بمعدته وما يدخل فمه، يطلق الضحك الهستيرى، معلقاً على كلام زوجته! وذُهل الطفل من ضحكات الأب، التى كسرت كل مثاليات المثل الأعلى! ماذا يتبقى فى نفسية الطفل؟ لا شىء سوى السخرية من كلمات الأم، وهو إحساس بغيض لنفسية طفل، ولكن الإعلان لم يراع «حساسية» مشاعر مازالت فى طور الطفولة. الإعلان يتكرر وربما حذف لعلة ما وربما تنبه أحد أنه مخالف لأبسط قواعد التربية. إن قواعد التربية تفرض أن الطفل صفحة بيضاء وكل سلوك يرشق فى ذاكرته كالسهم..! وقد كنت طول عمرى أنادى أن الإعلان يجب أن يخضع لرقابة، لأنه يفرض على المتفرج الفرجة الاضطرارية فى انتظار البرنامج أو المسلسل الذى يتابعه. وعندى ظن أن الإعلانات كنصوص لا تُراقب! وقد أردت أن أقول إن الإعلان فن، وهو من بين مقررات دارسى الإعلام وهو عالم عريض وله فنون، وهناك مصورون للإعلانات تخصصوا فى هذا الفن. وهو بالتكرار يثبت فى الرؤوس. وللأسف نتصور أنه مادة للكبار، ونسينا أن أولادنا يحفظون عن ظهر قلب نصوص الإعلان لو صاحبته موسيقى، وكان المؤدى للإعلان «نجم محبوب». الخلاصة: انتبهوا للآثار السلبية عند إذاعة الإعلانات وراقبوها حتى لا تتضمن قيمة سلبية مثل إعلان «بابا كان بيطلع الأول»!.
* فى الشأن العام:
١- التعايش مع كورونا يتطلب «الحرص الشخصى واستمرار الذعر الاجتماعى.. والمناعة الصحية».
٢- التعايش مع كورونا يتطلب اعتبار من أقابله يحمل الفيروس ومن هنا أهمية «الحذر» الشديد.
٣- التعايش مع كورونا، كالحياة مع «ثعبان» لابد أن تنام وأنت مفتوح العينين!.
نقلا عن المصرى اليوم