بقلم: يوسف سيدهم
أعلنت وزارة الصحة الأسبوع الماضي عن استلام مصر دفعة ثالثة قوامها ثلاثون طنا من المستلزمات الطبية والوقائية هدية من جمهورية الصين الشعبية لمؤازرة مصر في معركتها لمكافحة فيروس كورونا… وفي الوقت الذي أعلن فيه السفير الصيني في القاهرة أن تلك الدفعة ترمز إلي عمق وترابط العلاقات بين البلدين وتعزيز سبل التعاون بينهما, وجهت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان الشكر للصين حكومة وشعبا وأعلن وكيل الوزارة أنه سيتم توزيع مكونات الشحنة علي مستشفيات العزل والصدر والحميات بمحافظة الجمهورية.
دخلت بشكل عفوي علي رابط الخبر الذي وصلني لأطلع علي تفاصيله وأنا أشعر بارتياح لهذه الوتيرة المتكررة لتبادل المساعدات وشحنات الإغاثة بين مصر ومجموعة لا يستهان بها من دول العالم, الأمر الذي يمثل إعلاء لمعاني المشاركة والتضامن والتكافل والتآخي الإنساني علاوة علي تأكيد المأثور المصري الشعبي الدنيا سلف ودين, فما تقدمه مصر حتي وإن كان استقطاعا من أرصدتها الاستراتيجية المخصصة لمكافحة كورونا هو حتما استثمار بعيد النظر ينطوي علي حكمة سياسية بالغة لترسيخ أواصر الترابط في علاقاتها الدولية, وها هو يعود عليها برد الجميل والدعم والمؤازرة… وأرجو أن تدلوني علي دولة في عالمنا هذا مهما بلغت من التقدم والاكتفاء الذاتي أغلقت أبوابها علي نفسها وأعلنت أنها لا حاجة بها للآخرين وتقاعست عن مد يد العون للدول التي تعاني من الأزمة الطاحة التي نحن بصددها… فإذا كانت الدول المكتفية لم تدر ظهرها للآخرين فما بالنا بمصر التي لا غني لها عن التعاون الدولي واستثمار علاقات الصداقة والتضامن في مواجهة التحدي الحاضر وفي غرس بذور عميقة تنبت ثمار التعاون مستقبلا.
وفي هذا الصدد يحق لي أن أذكر أن مصر منذ تفجر وباء كورونا في العالم ومنذ تفشيه في الصين ومن بعدها مجموعة دول جنوب شرق آسيا تم اجتياحه دول أوروبا قبل أن تغزو الولايات المتحدة- وكان وقتها لا يزال في مهده في بلادنا- بادرت بإيفاد وزيرة الصحة علي رأس وفد مصري إلي الصين ومعها شحنة مساعدات طبية ووقائية للشعب الصيني, وتلي ذلك تكرار نفس الزيارة والمساعدة لإيطاليا وسط عنفوان اجتياح الفيروس لها, وتكررت بعد ذلك شحنات المساعدات التي حملتها طائرات عسكرية إلي أمريكا… ولا يخفي علي عاقل أن كل تلك المساعدات كان مغزي الإغاثة الطبية فيها يتضاءل أمام مغزي التآخي الإنساني والمؤازرة المعنوية والتضامن بشكل أكرر أنه يعكس حكمة سياسية بالغة وها هو يثمر مختلف أوجه التقدير ورد الجميل والامتنان الذي تكنه تلك الدول لمصر.
أتعرفون ما الذي دعاني للخوض في كل ذلك؟… لأني كما ذكرت في مستهل هذا المقال دخلت علي رابط الخبر الخاص بوصول الدفعة الثالثة للمساعدات الصينية, فإذا بي أصدم وأصعق وأصاب بالغثيان والقرف من هول ما قرأت من التعليقات السخيفة السلبية الناقدة الرافضة لهذه المساعدات, وما تلقيه في جعبتنا من حشد التشويه والتلويث لمضمونها من عناصر ومعدات الوقاية والعلاج, ناهيك عما تطلقه من اتهامات جاهلة وصور المؤامرة المقيتة التي تنسبها إلي الصين التي أرسلت المساعدة ومن بعدها وزارة الصحة المصرية التي تتهمها بالغفلة لقبولها مثل تلك المساعدات… لقد وقفت إزاء هذا السفه مذهولا متسائلا: إذا كان من ينشرون ذلك الانفلات المدمر لا يتبعون التيارات المتطرفة التي تعمل علي زعزعة سلام واستقرار هذا البلد, فكيف يأتون بهذه الأفعال غير المسئولة؟… وكيف يستبيحون إطلاق ادعاءاتهم هكذا جزافا بلا أدني دليل؟… يؤسفني أن أقول إن ما تتيحه فوضي وسائط التواصل الاجتماعي من عبث لهو فيروس مهلك أشد هلاكا من كورونا!!