منى مكرم عبيد
يبدو أن جائحة كورونا لن تغادر قبل أن نرى تداعياتها على العلاقات الدولية، بالتزامن مع ظهور عدد من المتغيرات تشير إلى بزوغ عدد من التشابكات سوف تطول الجميع، ولن تبقى دولة بمعزل عن هذه التغيرات، بل ربما اعتبر البعض أن شبح الحرب العالمية الثانية أو الباردة يلوح فى الأفق فى ظل التطورات التى مر العالم بها خلال الأسابيع الأخيرة.
المشكلة لها أكثر من بُعد: سياسى، صحى، عسكرى، اقتصادى، وهو ما يعنى ضرورة الاشتباك مع هذه التغيرات للوصول إلى سيناريوهات واضحة تسمح لنا ولدول الجنوب بالنظر للمستقبل بصورة أشمل وأوضح عما تنظر إليه دول الشمال، واضعين أمامنا ما لمس من العلاقات بين الدول الكبرى واحلام الزعامة من جانب، وكسر الثقة بين الدول الأوروبية وبعضها البعض من جانب آخر، حتى أصبحت الشعوب لا تثق فى قياداتها، وهو ما لاحظناه خلال أزمة كورونا، واضطرار عدد من الدول للسطو على كميات كبيرة من المستلزمات الصحية لسد عجز مجتمعاتها المحلية، وهى أمور نادرا ما تحدث إلا فى حالة حرب!.
نعم، نحن فى مرحلة حرب، ليست على فيروس كورونا فقط، بل حرب اقتصادية، عسكرية، تكنولوجية، وسياسية، بل هناك تغيرات جمة فى العالم من حولنا، ونحن للأسف انشغلنا بدراما رمضان، وأعداد المصابين بكورونا وتصاعد الأعداد بشكل كبير، دون النظر لتفاصيل الموضوع بكل تشابكاته.
نعود ونوضح أن العالم يشهد بالفعل حربا اقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يظهر من التصريحات العدائية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب للصين، واتهامها بالوقوف وراء انتشار كورونا، وإخفاء معلومات مهمة عن دول العالم قد يسمح تداولها بوضع علاج للفيروس،د.. وتأتى هذه الانتقادات متوافقة مع استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «بيو» PUW للأبحاث الأمريكية يبيّن أن لدى ثلثى الأمريكيين نظرة سلبية تجاه الصين، جاء ذلك بالتزامن مع تقرير داخلى قدمته وزارة أمن الدولة الصينية إلى كبار قادة البلاد للتحذير من أن العداء العالمى المتزايد تجاه بكين فى أسوأ مستوياته منذ ثمانينيات القرن الماضى، وهو بلا شك يعود للخطاب الأمريكى المعادى.
إدارة ترامب مُصرة على تحميل بكين مسؤولية انتشار الوباء، وتلويحه بأن واشنطن قد تقطع العلاقة بأكملها مع الصين، فى إشارة إلى المناقشات حول الخلافات التجارية المستمرة بين البلدين.. كما أثبتت الخسائر الاقتصادية للوباء، وهى تقدم دليلاً آخر على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى القيام بالمزيد لفصل نفسها عن سلاسل التوريد العالمية التى تمر عبر الصين.
يربط البعض بين هذه الانتقادات وبين عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل، لكن يبدو أن الأمر ليست له أبعاد سياسة أو اقتصادية فقط، بل هناك صدام عسكرى يجرى فى العالم الافتراضى، والإشارة إلى وجود مخاوف عسكرية حقيقية من الصين بحلول عام 2030، وأن أى معركة تخوضها واشنطن فى هذا الوقت مع بكين ستكون معركة خاسرة، خاصة مع تقارير عسكرية أمريكية تشير إلى أن الصين تريد إبعاد النفوذ الأمريكى عن بحر الصين الجنوبى، لذا يدرس الكونجرس تخصيص 20 مليار دولار إضافية لتعزيز القدرات العسكرية الأمريكية هناك رغم الأزمة الاقتصادية الراهنة.
فى خضم هذه التحولات، أين نحن مما يحدث على الساحة الخارجية، فى الوقت الذى تتواجد فيه قوات تركية فى ليبيا تعمل على تحقيق مصالح لتيارات إرهابية برعاية تركية، وهو ما ستكون له تداعياته على الأمن القومى المصرى، فى ضوء المخاطر التى تشكلها الجماعات الإرهابية فى سيناء، وما سطره الجيش المصرى من بطولات كبيرة هناك، مع تصاعد أزمة المياه فى ضوء إعلان إثيوبيا البدء فى ملء خزان سد النهضة فى يوليو المقبل، فى تحد جديد لمصر والمجتمع الدولى؟!.
لذلك نحن بحاجة إلى تحالف عربى حقيقى وجاد لخدمة المصالح المصرية والعربية فى مواجهة الشطحات التركية التى استفادت من حقبة داعش لبسط نفوذها فى سوريا والتحرك على الأرض، والمتاجرة بملف اللاجئين السوريين مع أوروبا، كذلك أصبحت الدولة المستفيدة من أزمة كورونا وبسط نفوذها فى ليبيا واستغلال الجماعات الارهابية هناك لتحقيق مصالحها، من أجل الاستيلاء على الغاز والنفط الليبى، ووضع يد لها فى ثروات البحر المتوسط، ولم تكتفِ بالتعدى على الأراضى السورية، بل الأراضى الليبية أيضا.
الوحدة العربية لابد أن تكون قائمة على المصالح المتبادلة وليس مجرد شعارات، وآن الآوان لتفعيل مقترح القوة العربية المشتركة، أو البحث عن آلية تضمن الحفاظ على المصلحة العربية فى ضوء تهديدات الأمن القومى المصرى والعربى، فى ضوء انشغال العالم بما خلفته «كورونا».. فهل نستيقظ من النوم للنظر إلى المستقبل الذى ينتظرنا، أم نستسلم للماضى وتتراكم الملفات بما تخلفه من مخاطر للدول والشعوب العربية؟.
* برلمانية سابقة وأستاذة العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم