بقلم: محمد منير مجاهد 
يشيع معارضو الطاقة النووية أن دول العالم تتراجع عن استخدامها، وأن مصر باختيارها الطاقة النووية كمصدر لتوليد الكهرباء تسير عكس التيار، ولكن بمراجعة الإحصاءات الدولية نجد أنه بنهاية عام 2011 بلغ عدد المفاعلات الشغالة في العالم 433 مفاعل في 31 دولة، وعدد المفاعلات تحت الإنشاء 55 مفاعل في 14 دولة، منها 37 مفاعل في الصين، 11 مفاعل في روسيا، و6 في الهند، و5 في كوريا الجنوبية، ومفاعلين في كل من أوكرانيا (حيث وقعت حادثة تشيرنوبيل) واليابان (حيث وقعت حادثة فوكوشيما).
 
تشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) والجمعية النووية العالمية (WNA) إلى أن أغلب الدول اتفقت على أن الطاقة النووية ضرورية، وأنه يجب استخلاص الدروس المستفادة من الحادثة، وضرورة مراجعة أمان المحطات القائمة، ويمكن إدراج المواقف التفصيلية في المجموعات التالية:
§  دول قررت الاستمرار في خططها الحالية والمستقبلية لإنشاء المحطات النووية، مع خضوع جميع المحطات القائمة للمراجعة والتقييم، ومراجعة معايير الأمان النووية, واستمرار العمل فى المحطات تحت الإنشاء (الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا الاتحادية، وكوريا الجنوبية، والأرجنتين، والسويد، وأسبانيا، وجمهورية التشيك، وسلوفكيا، وروسيا البيضاء، وليتوانيا، وكازاخستان، وباكستان، وهولندا).
§ دول قررت الاستمرار في خططها الحالية والمستقبلية لإنشاء أولى محطاتها النووية، مع تضمين تصميم هذه المحطات التعديلات الناتجة عن الدروس المستفادة من حادثة فوكوشيما (الأردن، والإمارات المتحدة، وبولندا، وتركيا، وفيتنام).
§ دول قررت الاستمرار في برنامجها النووي للمحطات العاملة وتحت الإنشاء مع تعليق الموافقة على محطات جديدة لحين مراجعة إجراءات السلامة والأمان (أوكرانيا، والبرازيل، والصين، وفنلندا، وماليزيا، والمملكة المتحدة، والهند، واليابان).
§ دول قررت إيقاف أو إرجاء برامجها انتظارا لما تسفر عنه الدروس المستفادة من الحادثة (إندونيسيا، وايطاليا، وتايلاند، وسويسرا).
§ أما بالنسبة لألمانيا وبلجيكا فكانتا قد اتخذتا منذ سنوات قرارات بعدم بناء محطات جديدة بسبب طبيعة الائتلافات السياسية فيها وتأثير الأحزاب الصغيرة ومنها أحزاب الخضر المعادية للطاقة النووية. وبعد حادثة فوكوشيما قررت ألمانيا إغلاق ثمانية مفاعلات قديمة – كان قد صدر لها قرار بتمديد عمرها التشغيلي وتم التراجع عنه - مع ملاحظة أنه لم يتم إخلائها من الوقود النووي أو اتخاذ قرار بتكهينها، أما بالنسبة للتسعة مفاعلات المتبقية فقد وضعت خطة لإغلاقها تباعا حتى عام 2022.
 
يزعم أعداء الطاقة النووية باستحالة التشغيل الآمن المحطات النووية، والواقع أن هذا الزعم أبعد ما يكون عن الحقيقة، فأمان تشغيل المحطات النووية يستند إلى عدة مبادئ أساسية ومتكاملة تتمثل في: خضوع اختيار مواقع المحطات النووية لأدق الدراسات التي تضمن أعلى معدلات الأمان للإنسان والبيئة، ووجود حواجز متعددة لاحتواء المواد المشعة ومنع تسربها للبيئة، وتوفير أعلى معدلات توكيد الجودة أثناء التصميم والإنشاء والتشغيل والتكهين، وإعداد العاملين والقائمين على التشغيل والصيانة وفقا لأعلى وأدق المقاييس الفنية والصحية والنفسية، والكشف المستمر على أجهزة المحطة واختبارها بواسطة جهاز الرقابة والأمان النووي المستقل تماما عن الجهة المالكة للمحطة أو المشغلة لها، وتصميم المحطة النووية بحيث توفر أقصى درجات الأمان في التشغيل حتى مع افتراض حدوث خطأ من القائمين على التشغيل أو خلل فني بأحد أجهزة التشغيل وذلك من خلال مستويات متعددة للأمان.
وتاريخ تشغيل المحطات النووية الذي يزيد على نصف قرن يؤكد أنها قد تتعرض كأي صناعة لأعطال أو حوادث إلا أنها تظل أكثر التكنولوجيات أمانا بما لا يقارن مع أي صناعة أخرى أو مصدر للطاقة، فمثلا كان ضحايا الحوادث في محطات توليد الكهرباء بدول منظمة التعاون الاقتصادي خلال الخمسين عاما الماضية 2259 في محطات الفحم، و1043 في محطات الغاز الطبيعي، و14 في المحطات المائية، وصفر في المحطات النووية، أما في بقية بلدان العالم فقد كان ضحايا الحوادث 18 ألف في محطات الفحم، و1000 في محطات الغاز الطبيعي، و30 ألف في المحطات المائية، و31 في المحطات النووية (تشيرنوبل)
 
يركز أعداء الطاقة النووية على "المخاطر" الإشعاعية للمحطات النووية رغم أن الناس يتعاملون مع الإشعاع في حياتهم العادية وبالذات في مجال الصحة سواء في الكشف باستخدام الأشعة السينية أو النظائر المشعة، أو العلاج من الأورام السرطانية، والحقيقة أنه قد تمت دراسة التأثيرات البيولوجية للإشعاع بشكل مكثف في: التجارب على الحيوان، وضحايا الحوادث الإشعاعية، والناجين من القصف بالقنابل الذرية في هيروشيما وناجازاكي، والمرضى الذين يعالجون بالإشعاع، والأشخاص الذين يتعرضون للإشعاع في إطار أعمالهم العادية، ومن خلال هذه الدراسات أصبحنا نعرف أن تأثير الإشعاع تراكمي، وأنه توجد حدود قصوى لكمية الإشعاع الذي يمكن أن يتعرض لها الإنسان بشكل آمن، فإجراء كشف بالأشعة السينية على الصدر مرتين في العام مثلا لا يضر مطلقا، ولكن إجراء هذا الكشف 50 مرة يمكن أن يكون قاتلا.
 
من ناحية أخرى، فإننا نتعرض يوميا للإشعاع من مصادر طبيعية مثل الأشعة الكونية والتربة والطعام والشراب والهواء، كما نتعرض للإشعاع من مصادر اصطناعية مثل: الكشف والعلاج بالأشعة، والسفر بالطائرات، ومشاهدة التليفزيون، ولمبات النيون، وأخيرا المحطات النووية، ورغم هذه الحقائق يروج أشباه العلماء إلى أن الإشعاع ضار على أي مستوى، وأن التعرض للإشعاع المنخفض يؤثر على صحة الإنسان ويصيبه بالسرطان أو تشوه المواليد، فإذا علمنا أن الجرعة الإشعاعية السنوية التي يمتصها الفرد الذي يقطن بجوار حدود محطة نووية شغالة لا تتعدى نصف الجرعة الإشعاعية التي يمتصها بسبب الكشف مرة واحدة بالأشعة السينية على أسنانه، وأن أقصى جرعة إشعاعية يتلقاها الفرد من التشغيل العادي للمحطات النووية 5 مللي ريم (وحدة قياس التأثير الإشعاعي) في السنة وهذه تقل عن 2% من إجمالي الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها الفرد سنويا من جميع المصادر الطبيعية والصناعية للإشعاع، لتأكدنا أن مزاعم أشباه العلماء (التي لا يدعمها أي بحث طبي منشور في مجلة علمية تخضع لتحكيم علمي دقيق، أو تتبناه منظمة الصحة العالمية أو البورد الأمريكي أو الكلية الملكية البريطانية) تهدف فقط إلى إثارة الفزع بين الناس باختلاق سيناريوهات ووقائع لا أصل لها.
 
من القضايا التي يثيرها أيضا أعداء الطاقة النووية قضية التخلص النهائي من المخلفات النووية عالية الإشعاع الناجمة عن نواتج الانشطار النووي داخل أعمدة الوقود بقلب المفاعل النووي، والزعم بعدم وجود حلول عملية للتخلص من هذه النفايات، وهي مشكلة حقيقية تواجه الصناعة النووية على مستوى العالم وإن كانت غير عصية على الحل، فمن ناحية فإن حجم هذه المخلفات صغير جدا مقارنة بالمخلفات الناتجة من مصادر الطاقة الأخرى فعلى سبيل المثال يستخرج من قلب مفاعل قدرته 1000 ميجاوات (مثل المزمع بناءه في الضبعة) نحو 27 طن في العام من الوقود المستهلك، والذي يمكن اعتباره كله كمخلفات نووية، أو يمكن إعادة معالجته بهدف استخلاص المواد النافعة منه مثل اليورانيوم الذي لم يستهلك والبلوتونيوم الذي تولد لإعادة استخدامهما كوقود بالمفاعلات النووية، وفي هذه الحالة تنخفض كمية المخلفات النووية إلى 700 كجم في السنة.
 
وسواء كان الوقود المستهلك سيخضع لإعادة المعالجة أم لا فإنه يتم تخزينه أولا لعدة سنوات في أحواض تبريد مملوءة بالمياه بموقع المفاعل وهو ما يوفر الحماية من الإشعاع ويزيل الحرارة المتولدة في حزم الوقود المستهلك أثناء عملية التحلل الإشعاعي، ويتأخر التخلص النهائي من المخلفات عالية الإشعاع لنحو 40-50 سنة للسماح لإشعاعيتها بأن تضمحل لتصل إلى نحو واحد من ألف من قيمتها الأصلية، ومن ثم يكون التعامل معها أسهل، ولهذا تحفظ النفايات - سواء في حالة إعادة المعالجة والحفظ في صورة مزججة (محفوظة في مركبات لا تذوب في الماء كالزجاج)، أو في حالة بقائها كحزم وقود مستهلك - لفترة لا تقل عن 50 سنة تحت الماء في أحواض خاصة، أو في منشآت خرسانية جافة، حتى يتم التخلص الآمن منها نهائيا.
 
يتطلب التخلص النهائي من النفايات النووية عزلها عن البيئة لفترة طويلة، والطريقة التي يفضلها العلماء المتخصصون هي تحويل النفايات إلي صورة عديمة الذوبان في الماء، ثم حفظها داخل أوعية شديدة المقاومة للتآكل، ودفنها في تكوينات جيولوجية مستقرة على عمق يزيد عن 500 متر، ورغم أن الحلول الفنية والتصميمات لهذه المدافن النووية موجودة منذ فترة طويلة إلا أنه لم يتم تنفيذ إلا واحدة في نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية للتخزين طويل الأمد في التكوينات الملحية للنفايات النووية الناتجة عن التطبيقات العسكرية، وبدأت كل من السويد وفنلندا إجراءات إنشاء مدافن نووية في تكوينات جرانيتية يزيد عمرها على 1.9 مليار سنة، ومن المتوقع أن يتم إنشاء أول مخزن دائم للتخلص النهائي من النفايات النووية في حدود عام 2020.
الخلاصة: هناك مشكلة بالنسبة للتخلص النهائي من النفايات النووية ولكنها ليست بالمشكلة عصية الحل، وتتحرك دول العالم لحلها، وسوف نطبق في مصر ما تفعله بقية الدول وفي كل الأحوال لن نحتاج إلى تطبيق هذه الحلول قبل 100 سنة من الآن.