بقلم: محمد منير مجاهد
أحد الأساليب الخبيثة المستخدمة للقضاء على البرنامج النووي المصري هو التشكيك في صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية رغم الدراسات المستفيضة التي أجريت عليه من أواخر السبعينيات، وليس بعيدا عن هذا المخطط الهجوم الإجرامي الذي تعرض له الموقع في 13 يناير 2012 والذي نتج عنه تدمير البنية الأساسية للموقع والتي تم إنشائها في ظروف صعبة عبر ثلاثين سنة، وقبل توضيح الكيفية التي تم بها اختيار موقع الضبعة قد يكون من المناسب الكشف عن الأسباب التي من أجلها يكثف أعداء البرنامج النووي المصري هجومهم على الموقع.
 
الاستيلاء على موقع الضبعة وتحويل استخدامه إلى أغراض أخرى غير إنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء، لن يؤدي فقط إلى تعطيل البرنامج النووي، ولا يمثل فقط إهدارا للمال العام يقدر بمئات الملايين من الجنيهات قيمة ما أنفق على تأهيل الموقع لإنشاء محطات نووية والتأكد من صلاحيته لهذا الغرض، وعلى إقامة البنية الأساسية اللازمة لإنشاء المشروع، ولكنه يمثل ضربة للمستقبل ولإمكانات التنمية المستدامة في مصر والتي لا يمكن تحقيقها إلا بتوفير مصادر يعتمد عليها من الطاقة، فبفرض إننا وجدنا موقع بديل للضبعة، وإذا افترضنا أن الشعب المصري المثقل كاهله قادر على تحمل التكلفة الإضافية الباهظة الناتجة عن استخدام وقود أحفوري (بترول وغاز طبيعي وفحم) طوال الفترة التي ستستغرقها الدراسات اللازمة لتأهيل الموقع الجديد، فمن المؤكد أن أي موقع على الساحل الشمالي أو البحر الأحمر سيكون مجاورا لقرى أو مشروعات سياحية، ومن ثم فإن السؤال الذي سيثيره سكان أي موقع جديد هو: إذا كانت المحطة النووية آمنة فلماذا لم تنشأ في الضبعة؟ وإذا لم تكن آمنة فلماذا تحرص الدولة على حياة سكان الضبعة ولا تحرص على حياتنا؟ وهو ما سيعزز المقاومة لإنشاء المحطة النووية في أي موقع جديد وكلما انتقلت المحطة من موقع لموقع آخر ستزيد المقاومة أكثر وأكثر لأنه سيكون ورائها قائمة طويلة من الأماكن التي رفضت إقامة المشروع بها، إذن بدون استكمال مشروع المحطة النووية على موقع الضبعة، يكاد يكون من المستحيل الحصول على موقع آخر، ولكن مع استكمال البرنامج النووي على موقع الضبعة نستطيع الحصول على مواقع أخرى لتوسعات البرنامج، ولكن كيف تم اختيار موقع الضبعة؟
 
أحد المراحل الهامة في تطور مشروع المحطة النووية هي اختيار موقع مناسب، ودراسة هذا الموقع لتحديد مدخلات تصميم المحطة النووية المتعلقة بالموقع، ولما كان الهدف من إنشاء محطة نووية هو توليد الكهرباء بشكل اقتصادي فيجب بشكل عام أن تتوافر في الموقع العوامل التالية: القرب من مراكز استهلاك الطاقة الكهربية، ووجود مصدر للتبريد يسمح بالتخلص من الحرارة الناتجة عن المحطة، ويمكن تلخيص الأنشطة المتعلقة باختيار موقع مشروع المحطة النووية في مرحلتين هما: مرحلة مسح المواقع، ومرحلة تقييم أو تأهيل الموقع.
 
وتهدف المرحلة الأولى الخاصة بمسح المواقع إلى تحديد موقع أو أكثر يرجح أن تكون مناسبة لإنشاء محطة نووية وتتضمن هذه المرحلة دراسات عامة لمناطق أو أقاليم واسعة لاستبعاد المناطق الغير مقبولة، ويعقب هذا تحليل منهجي مقارن للمناطق المتبقية لتحديد المواقع المحتملة وأخيرا اختيار المواقع المفضلة، وفي مصر بدأت هذه المرحلة بإعداد دراسات مكتبية ومسح شامل لكافة سواحل الجمهورية حيث تمت أعمال المسح الحقلي والتقييم لإحدى عشر موقعا موزعة علي هذه السواحل لضمان توافر مياه التبريد الكافية لتشغيل المحطة، وهي: ساحل البحر الأحمر: ويشمل منطقتين هما رأس أبو سومة، وجنوب ميناء سفاجا، وساحل خليج السويس: ويشمل ثلاث مناطق هي العين السخنة، ورأس أبو الدرج، والزعفرانة، وساحل الدلتا: ويشمل ثلاث مناطق هي رشيد، وبلطيم، وجمصة/ رأس البر، والساحل الشمالي الغربي: ويشمل ثلاث مناطق هي رأس الحكمة، والضبعة، وسيدي عبد الرحمن، انتهت المرحلة الأولى إلى استبعاد العديد من المواقع من المناطق السابق ذكرها لعدم مناسبتها لإقامة منشآت نووية، وتم تحديد ثلاثة مناطق لدراستها بشكل أكثر تفصيلا للمفاضلة بينها وهي: منطقة الضبعة علي الساحل الشمالي الغربي، ومنطقة الزعفرانة علي خليج السويس، ومنطقة سفاجا علي البحر الأحمر .
 
أعقب تحديد المواقع المحتملة غربلة هذه المواقع عن طريق إجراء دراسات وقياسات حقلية لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة لتقييم المناطق الثلاث التي تم تحديدها، وقد تضمنت عناصر الدراسة للتقييم والمفاضلة بين المواقع العناصر التالية: النشاط الزلزالي، والأرصاد الجوي، ومناسبة التربة للبناء، والخصائص والظواهر البحرية، والجيولوجيا، والمياه الجوفية، والجغرافيا، والطبوغرافيا، وتوزيع وخصائص السكان، والمحتوي الحيوي والتنوع البيولوجي الطبيعي، وقد انتهت هذه الدراسات إلى أن أنسب المواقع طبقا لمتطلبات الأمان، هي موقع الضبعة أفضل المواقع الثلاث، وأن موقع الزعفرانة صالح من كافة الجوانب فيما عدا ارتفاع مستوي النشاط الزلزالي وما يترتب عليه من ارتفاع التكلفة، وتم استبعاد موقع سفاجا لوجود فوالق نشطة وعدم ملائمة التربة للأساسات.
 
أما المرحلة الثانية الخاصة بتقييم أو تأهيل الموقع فيقصد بها يقصد بها التقييم من وجهة نظر الأمان النووي وتتضمن أساسا إثبات أن الموقع لا يتضمن خصائص تحول دون التصميم الآمن للمحطة النووية، وتحديد أسس التصميم اللازمة لحماية المحطة من الأحداث الخارجية القصوى، وتحديد تلك الأحداث التي يمكن أن تتحملها المحطة وتستمر في التشغيل المعتاد، وأخيرا تقييم خصائص الموقع المتعلقة بالآثار المحتملة للمحطة على البيئة في ظروف التشغيل العادية وفي ظروف الحوادث النووية.
 
وقد تم إجراء الدراسات التفصيلية لموقع الضبعة لتحديد موقع المفاعل النووي وتعيين خصائص الموقع لوضع أسس التصميم واستيفاء متطلبات تقرير الأمان الأولي، وتضمنت عدة عناصر أهمها: خواص التربة السطحية وتحت السطحية، والجيولوجيا الإقليمية والتحركات الأرضية والزلازل، والخصائص البحرية، والتأثيرات البحرية المتبادلة، واستخدامات الأراضي والمخاطر الخارجية، والأرصاد الجوية، والمحتوي الإشعاعي الطبيعي بمكونات البيئة، والجغرافيا والطبوغرافيا، وقد أكدت كل هذه الدراسات صلاحية الموقع لإنشاء وتشغيل وحدات نووية بقدرة إجمالية 4000 ميجاوات كهربي مع توافر كافة عناصر الأمان للإنشاء والتشغيل العادي وأثناء الحوادث مع الحفاظ علي سلامة البيئة ومكوناتها، إضافة إلى هذا فقد تم إعداد الجزء الخاص بالموقع من تقرير الأمان الأولي لإنشاء المحطة النووية بموقع الضبعة، وهو تقرير مطلوب لاستيفاء متطلبات الحصول على إذن إنشاء المحطة النووية من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، وتمت مراجعة كل هذه الدراسات والتأكد من صحتها واعتمادها من قبل المتخصصين بهيئة المحطات النووية بالاشتراك مع خبراء المعاهد العلمية والفنية المصرية المتخصصة،   وبيت الخبرة الهندسي السويسري موتور كولومبس استشاري الهيئة في ذلك الوقت، بالإضافة لخبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
 
بعد توقف المشروع عام 1986 واصلت هيئة المحطات النووية أعمال الرصد والقياسات الحقلية وتحديث الدراسات في ظل المستجدات بالمعايير والنظم الدولية وذلك بهدف تعميق وتحديث الدراسات السابقة وذلك بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والجهات القومية المتخصصة
 
بناء على توصيات خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم التعاقد مع المعهد القومي للبحوث الفلكية والزلزالية لتحديث وإجراء بعض الدراسات التكميلية والتي تطلبت أولا: إنشاء وتشغيل وصيانة شبكة لرصد الزلازل الصغيرة للموقع ومحيطه لمدة 5 سنوات متصلة، وإجراء الدراسات التفصيلية اللازمة لمراجعة وتقييم معامل الخطورة الزلزالي للموقع، وقد أوضحت التسجيلات التي رصدتها الشبكة عدم رصد أي زلازل في محيط الموقع، وثانيا: تحديث دراسات موقع الضبعة ومحيطه من النواحي الجيولوجية والجيوفيزيقية والزلازل القديمة، وقد أظهرت النتائج عدم وجود أي ظواهر ذات تأثير سلبي على إنشاء المحطة النووية بالضبعة.
 
بعد إحياء البرنامج النووي تم التعاقد مع استشاري عالمي في يونيو 2009 لتقديم الخدمات الاستشارية اللازمة لمراحل تنفيذ المحطة النووية المصرية الأولى والتي تتضمن استكمال دراسات موقع الضبعة، وفي هذا الإطار قامت الشركة بمراجعة كل الدراسات السابقة والجارية، واستكمال الدراسات التي أوصى بها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي تحديث الدراسات البحرية السابقة وتقييم المخاطر البحرية على الموقع شاملة الفيضانات والمد الزلزالي البحري (تسونامي)، وتحديث الدراسات الخاصة بالتوزيع السكاني واستخدامات الأراضي الحالية والمستقبلية بالموقع ومحيطة، وتحديث الدراسات الخاصة بتقييم مخاطر الأنشطة البشرية القائمة بمحيط الموقع، وقد خلص التقرير المقدم بنتائج هذه الدراسات إلى أنه "تأسيسا على نتائج التحليل المتخصص الذي تم إجراءه لموقع الضبعة، فإن الموقع صالح تماما لإنشاء أول محطة نووية مصرية لتوليد الكهرباء، وأنه لا توجد أي موانع تحول دون البدء الفوري لأنشطة ما قبل الإنشاء لبناء محطة قوى نووية على موقع الضبعة”، وقد راجعت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية الدراسات والتقارير الخاصة بموقع الضبعة وأصدرت تقريرا في 27/9/2010 جاء فيه أنه "بدراسة معايير الرفض الواردة بالمتطلبات التنظيمية لإذن قبول الموقع فقد وجد أن معايير الرفض هذه لا تنطبق على موقع المفاعل الأول للمحطة النووية الأولى بالضبعة وبدون هذا التقرير ما كان يمكن أن تبدأ هيئة المحطات النووية في وضع المواصفات والتأهب لطرحها في مناقصة عالمية في فبراير 2011
الخلاصة أن موقع الضبعة يفي بمتطلبات أمان إنشاء المحطات النووية، وهو الموقع الذي ثبتت صلاحيته لإنشاء محطات نووية، وأن السماح بالاستيلاء عليه يعني القضاء على البرنامج النووي المصري إلى الأبد.


[1] نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا