كتبت – أماني موسى
وجه الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، كلمة إلى الأطباء والعاملين بالقطاع الطبي، قائلاً: منذ طفولتنا ونحن نقرن بين الله والطبيب، فنذهب إلى الطبيب من جهة، ونطلب من الله الشفاء من جهة أخرى.
ويؤمّن الطبيب على كلامنا، فيدعو للمريض بعد التشخيص وتقرير الدواء والجرعات، بالشفاء من الله.
مضيفًا في مقال له، والطبيب هو أكثر الأشخاص اتضاعًا أمام الله، لأنه يقف متحيِّرًا بل مذهولًا أمام عظمة الله في جسم الإنسان والذي هو بالغ التعقيد. وحتى الملحدين منهم في بعض البلاد، مهما تفاخروا بعلمهم، فإنهم يقفون عاجزين أمام الموت، حين يجد الطبيب المريض وهو يحتضر قدامه ومع ذلك لا يستطيع عمل المزيد.
وتابع، إننا نقدّر جدًا تعبكم، ونثمّن الجهد الكبير الذي تبذلونه، ولا سيما هذه الأيام. نتابع تضحياتكم ومخاطرتكم بأنفسكم لأجل المرضى، حيث تقدّرون هذا الواجب المقدس حقّ قدره.. إن الله لن ينسى لكم هذه الأوقات العصيبة، وتوقُّعكم الإصابة بين لحظة وأخرى، لقد قرأنا على مدار التاريخ عن أطباء عظماء أبلوْا بلاءً حسنًا في مثل هذه الظروف، وها نحن اليوم نرى أبناءهم وأحفادهم يسيرون في نفس الاتجاه بالتضحية، لقد شاء الله أن تتصدّروا المشهد هذه الأيام، وأن يعرف الناس الآن أكثر من أي وقت مضى، قدركم وأهمية رسالتكم.
مشددًا، إن الطب ليس مهنة إنسانية فقط كما يتردّد، وإنما هو مهنة إلهية، فقد وُصِف السيد المسيح بأنه الطبيب الحقيقي لأنفسنا وأجسادنا، وقال يشوع بن سيراخ في حديثه عن الطب والأطباء: «أَعْطِ الطَّبِيبَ كَرَامَتَهُ، لأَجْلِ فَوَائِدِهِ فَإِنَّ الرَّبَّ خَلَقَهُ، لأَنَّ الطِّبَّ آتٍ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيِّ، وَقَدْ أُفْرِغَتْ عَلَيْهِ جَوَائِزُ الْمُلُوكِ... ثُمَّ اجْعَلْ مَوْضِعاً لِلطَّبِيبِ؛ فَإِنَّ الرَّبَّ خَلَقَهُ، وَلاَ يُفَارِقْكَ؛ فَإِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ. إِنَّ لِلأَطِبَّاءِ وَقْتاً، فِيهِ الْنُّجْحُ عَلَى أيْدِيهِمْ، لأَنَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى الرَّبِّ، أَنْ يُنْجِحَ عِنَايَتَهُمْ بِالرَّاحَةِ وَالشِّفَاءِ، لاِسْتِرْجَاعِ الْعَافِيَةِ» (سيراخ 38: 1-15).
لقد تأثرنا كثيرًا بتضحية العديد من الأطباء والممرضين والممرضات والعاملين بالمستشفيات بحياتهم، نتيجة العمل المتواصل مع حاملي الفيروس، وكان لهم في أنفسهم حكم الموت، أي أنهم كانوا يعلمون مُسبقًا بأن خطورة الوباء قد تصل بهم إلى فقد الحياة.. إنه أمر أقرب إلى الاستشهاد، أن يضحّي إنسان بنفسه لأجل الآخرين.. إنهم الأشخاص الذين أضاعوا حياتهم لأجل المسيح فوجدوها، «ليس لأحَدٍ حُبٌّ أعظَمُ مِنْ هذا: أنْ يَضَعَ أحَدٌ نَفسَهُ لأجلِ أحِبّائهِ» (يوحَنا 15: 13).
ومع ذلك فإننا لا ننكر على الطبيب ضعفه البشري.. فقد تتقاذفه الأفكار باحتمال أن يُصاب، ولكن تظهر عظمته حين تصبح نفسه غير ثمينة عنده.. ولكنه في الوقت ذاته يخشى على من حوله، على أسرته وكل من يتعامل معه، ومع ذلك، لا يمنعه هذا عن الاستمرار في العمل بأقصى درجات الاحتياط. ومن ثَمّ فلا يليق بنا أن نزايد على حبهم للوطن والمهنة، أو عفة أنفسهم أو نُبلهم، فالكثير منهم يعملون تحت ظروف غاية في القسوة.
إن بعض الفئات أمكن الاستغناء عن عملهم، والبعض أمكنهم القيام بعملهم من منازلهم، والبعض اُعفُوا مع صرف رواتبهم، والبعض تمّ استبدالهم بتطوير تكنولوجي، إلّا الأطباء لا يمكن الاستغناء عنهم.
إن الأطباء والعاملين بالقطاع الطبي من ممرضين وإداريين وعمّال -وهم يَصِلون الليل بالنهار في خدمة المرضى، متجاهلين أبسط احتياجاتهم من الطعام أو الراحة- يستحقون منّا كل التقدير والامتنان. إنهم يصبحون بمثابة أسرة المريض، وذلك بعد عزله عن أسرته والمجتمع.
لقد قرّرت الدولة هذه الأيام اعتبار الأطباء الذين يقدّمون حياتهم شهداء، لهم نفس حقوق شهداء الشرطة والجيش، ونحن نؤكد أنهم بالفعل يسيرون في نفس الاتجاه، لأن هؤلاء وأولئك يقدمون حياتهم عن الآخرين في الوطن، وحسنًا أطلق عليهم البعض لقب "الجيش الأبيض".
ولا أنسى تلك الممرضة العجوز التي أصرّت على النزول إلى المستشفى للاهتمام بالمرضى، رغم خطورة ذلك عليها بسبب ضعفها الجسدي.
وأختتم، تحية إلى كل مدير مستشفى أو مركز طبي، وإلى كل طبيب وطبيبة، وإلى كل صيدلي وصيدلانية، وكل ممرّض وممرّضة، وكل موظف وموظفة، وكل مسعف، وكل سائق، وإلى جميع العاملين في هذا القطاع، مسلمين ومسيحيين على السواء، وأنتم محط أنظارنا وموضع تقديرنا.. لكم منّا كل التقدير، ونحني هاماتنا أمامكم بكثير من الاحترام والتبجيل. ولكم من الله المكافأة الحسنة «لأنَّ اللهَ ليس بظالِمٍ حتَّى يَنسَى عَمَلكُمْ وتَعَبَ المَحَبَّةِ الّتي أظهَرتُموها...» (عِبرانيّينَ 6: 10).