داني برماوي
كان بيل كلينتون يحاول إستمالة الليبراليين لدعم زوجته في الإنتخابات المؤهلة للإنتخابات الرئاسية الأمريكية أمام باراك اوباما في العام ٢٠٠٨ عندما قال للسيناتور تيد كينيدي "منذ أعوام كان هذا الرجل ليحمل لنا الحقائب" مشيراً لباراك اوباما في تصريح عنصري. لم يكن كلينتون جمهوريّاً مُحافظاً، ولكنه كره إحتلال الرجل الأسود للبيت الأبيض. فذلك التصريح لم يكن يتيماً لكلينتون بخصوص أوباما، فقد ذكر جون هيلمان أن كلينتون قال له " لو أننا في وقت مختلف لكان هذا الرجل يجلب لنا القهوة".
قال كلينتون هذه الكلمات ستة أيام فقط قبل أن يقف في دنفر أمام الحزب الديمقراطي ليدعم ترشيح أوباما لإنتخابات الرئاسة الأميركية.
إكتسح أوباما الإنتخابات، ليس مرة واحدة بل مرتين، وسكن حفيد خدم أقبية السفن القصر لثماني سنوات أنتهت يوم غادر من الباحة الخلفية للبيت الأبيض بعد إستحقاق إنتخابي عادل.
حكم باراك حسين اوباما من مكتبه البيضاوي أمام أعين الجميع، اولئك الذين كرهوا وجوده ورفضوه علناً، واولئك الذين كرهوا وجوده سرّاً وأيدوه إنتماءاً لعقيدتهم السياسية.
لم يستطع كلينتون ان يقول حقيقة قلبه بخصوص أوباما علناً نظراً لمعطيات تاريخية وسياسية عميقة، ولكن ما ان وصل القادم الغير متوقع "البلدوزر البرتقالي" حتّى قام كلينتون وكُل من يعزف على وتره بتشريح الرجل. لم يتوقف ترامب لحظة ليلتقط أنفاسه منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض. فمن إضحوكة التدخل الروسي وتقرير مولر، مروراً بما تم إعتباره تهديدا للرئيس الأوكراني ووصولاً للمطالبة بالإنتخابات عن بعد، مع كل ما صاحب هذه الألحان من تشويه وهجوم مستمر من وسائل الإعلام لم يسبق أن حصل لأي رئيس سابق، وقف دونالد فريدريك كرايست ترامب أمس في فلوريدا ليُشاهد أول مركبة فضاء أمريكية مأهولة منذ عشر سنوات وهي تغادر مجالنا الجوي، وقف صامداً تاركاً الكلاب تنبح وقافلته تسير.
أحببت ترامب أم كرهته، أعجبتك مواقفه ام لم تعجبك، هذا الرجُل يُحب أميركا، ولا عيب في أن يُحب الرجل وطنه أكثر من محبته لباقي العالم. هويّة أميركا التي يخشى اليسار أن يُغيّرها ترامب هي تلك التي جعلت العالم كُله يستنزف أميركا. ويكفي فقط أن يقطع ترامب المساعدات الأمريكية للأونروا او لمنظمة الصحة العالمية حتى يظهر بالفعل حجم الدعم الأمريكي لكل المنظمات والمؤسسات الإنسانية في العالم مقابل حجم دعم باقي دول العالم.
ما بين اوباما وترامب نستطيع ان نُدرك أن العنصرية في أميركا هي ليست عنصرية ضد السود، هذا هُراء. فمع وجود عنصرية ضد السود لدى بعض البيض في أميركا، لكن دولة القانون تحمي المواطن الأسود وتمنحه ذات الحقوق وتوصله ليكون سيد البيت الأبيض ولو كره الكارهون. هذه العنصرية لم تمنع كلينتون رغم عنصريته من تأييد اوباما على سبيل المثال، ولم تمنع سكان مينيسوتا ذاتها من إنتخاب كارهة أميركا الأولى إلهان عمر لتكون عضو في الكونغرس. لكن العنصرية الحقيقة في أميركا هي عنصرية ضد أميركا ذاتها. أميركا دولة المهاجرين الذين يُحب بعضهم وطنهم الأم أكثر من أميركا.
إن هذا الغضب المُبرّر الذي تبع مقتل جورج فلويد ليس وحيدا في الساحات وهو ليس ناتج عن العنصرية ضد السود، بل هنالك غضب آخر سببه العنصرية ضد أميركا. من يريد ان تعود أميركا لتكون شرطة العالم، من يريد ان ينتصر التنين الصيني، من يريد قتل الأطفال في الرحم، من يريد أن تنتصر إيران، من يريد ان يعيش عالة على دافعي الضرائب، من يريد ان تُستباح الحدود، ومن يتنفس هواء الإخوان المُلوّث، هؤلاء هم الغاضبون في الشوارع وليس اولئك الذين حزنوا لمقتل فلويد.
لذلك أقول أيها الأخوة العرب يا من تتهمون أميركا بالعنصرية، إفهموا أي عنصرية أحدثت هذه الهزّة الإجتماعية في أميركا اولاً، وبعدين بسألكم (كيف الكو عين بالله عليكم؟)