مفيد فوزي
«تربيت فى مدارس الأحد وأنا بعد صبى. ومدارس الأحد تدعو للفضيلة وتنبذ الرذيلة، وعندما كبرت وأبحر زورقى فى الحياة، اكتشفت المتناقضات تحوم حولى كالغربان، فالرذائل ترتدى ثوب الفضيلة، والنجاح بالفهلوة يفوق المكسب بالعلم، والحق بطعم الباطل وذكاء الشر يغلب الخير. وبدأت أتسلح لمعارك الحياة وأصرخ: يا رب. صرختى كانت من القلب وشقت الصمت وكانت صادقة. وفى أوقات كثيرة كنت أهزم الباطل بالتسامح الذى غرسته فى سلوكى مدارس الأحد، خصوصاً عند ناس تصفهم مزامير الإنجيل «الشاربين الآثام كالماء». أخطأنا كثيراً يا رب الكون. مرة نغتاب الآخرين ومرة نغتال سيرتهم، ومرة ثالثة أنكرنا وجودك، ومرة رابعة عبرنا مشيئتك. كنا نحيا فى مباريات الخطأ والخطيئة. لم نتوقف لحظة لنتذكر اسمك يا إلهى. ولم نشكرك ونحمدك فى صلواتنا لتصون النعمة، وقعنا فى خطأ كبير، تصورنا أن نجاحنا من صنعنا وتصورنا أن أموالنا من جهدنا. نسينا يا رب أن كل شىء يجرى بمشيئتك وقلت فى كتبك السماوية «لا تضلوا». نعم الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً. وفى حمى الرزق وجلب المال- أصل الشرور- نسيناك. وهبت دول من مرقدها تغتصب دولاً ثرية مثلما جرى. واحتل الأشرار بلد الطيبين- باسم الدين- وأقاموا متربعين على الكراسى والأرائك وكرهنا طعم الحكم فى شرعهم ودستورهم حتى تخلصنا بسيناريو إلهى من صنعك.
وقلما خاطبناك وأنت القائل فى مزاميرك: «ارجعوا إلىَّ، فأرجع إليكم».
أخطأنا يا رب الكون لأننا كما قلت «حدتم عن فرائضى ولم تحفظوها». كل منا خرّج «الفرعون» الذى يسكنه وراح يتفاخر بقوته وسلطته وكيانه. ونسى أن حشرة قاتلة قد تميته وتسكت صوته إلى الأبد. بيد أنه- هذا الفرعون- لو اتجه من مثله للسماء «وصلوا وطلبوا وجهى ورجعوا عن طرقهم الردية فإننى أسمع من السماء وأغفر خطيئتهم وأبرئ أرضهم».
وهكذا نظرنا فى المرايا لنرى أنفسنا نأمر فتجاب أوامرنا، نزعق فتهتز فرائصنا. من أين واتتنا هذه القوة؟ إنها قوة افترضناها ولم نحسب قوتك يا رب. إن الشيطان يصور لنا بطولات زائفة، وضحك علينا لأننا نصدق الأراجيف والهمس المقنّع، ولو أعطينا الكتب المقدسة بعضاً من الوقت لارتدعنا ووعينا.
تقول الكتب المقدسة: «ستأتى أزمنة حرجة، فإن الناس يكونون محبين لأنفسهم. محبين للمال، مغرورين، متكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، غير أوفياء، غير مستعدين لقبول أى اتفاق، مفترين، بلا ضبط نفس، شرسين، غير محبين للصلاح، خائنين، جامحين، منتفخين بالكبرياء، محبين للذات، دون محبة لله، لهم شكل التعبد لله ولكنهم منكرون قوته»، أنت القادر يا رب على اكتشاف ضعفنا وبطولاتنا الزائفة، أنت يا إلهى الساكن فى ستر العلى. توصى ملائكتك لكى يحفظونا من كل شر فى كل الطرق ولا تدنو ضربة من خيمتك.
يا رب الكون، إنك تقيس البشر بالإيمان الحقيقى الصادق لا الإيمان الاضطرارى. أنت جل جلالك تقيس التعبد بالخشوع المطلق لإرادتك. وحين أدعوك فى الضيق تستجيب وتنقذنى.
علمتنى مدارس الأحد أن العلاقة بالله لها من الخصوصية والقداسة الكثير، فهى علاقة بين العبد وربه، لا مجال فيها للمزايدة أو الإعلان، والصلاة تحت المطر وأثناء العاصفة والسيول تصل إلى رب السماوات والأرض. نحن- يا ربى- تصورنا أن الحلول بأيدينا وبعقولنا القاصرة، وتصورنا أن العلم يحل كل مشاكلنا وأن عضلاتنا تواجه الزمن، إنه الصوت المدوى للشيطان الذى يأخذ أشكالاً عدة ولديه قوة إغراء ثلاثية! وصار التعبد شكلاً صورياً والآلة تسيرنا والمال يستعبدنا والحروب الصغيرة تستهلكنا. نفعل كل شىء بلا محبة أو سرور. نلهث خلف سراب لذة أو ثراء والدول الكبرى فى صراع. فى العالم الآن ظلم وفساد وإباحية وإجهاض واستهانة بالخطيئة وتجاهل لكلمة الله.
*يا رب، يا إلهى، غضبك على الكون «تجلّى فى الكورونا» التى علمتنا درساً أليماً، وصار الموت على مسافة قريبة منا. فارفع غضبك عنا، أنت الحق والخير والجمال.
نقلا عن المصري اليوم