بقلم: منير بشاى
خلال الثلاثة شهور الماضية كان يبدو ان كل ما يبث على الشاشة الصغيرة يتعلق بوباء الكورونا (كوفيد 19). على مدار الساعة كانت تعلن اعداد الاصابات واعداد الوفيات. وكانت وجوه المسئولين لا تفارق المشهد بدءا بحاكم المدينة ومرورا بالمسئولين عن المحافظات ثم حاكم الولاية وفوق الجميع كان رئيس الجمهورية. الكل يقدم تقريره اليومى ويجيب على اسئلة الاعلام.
ولكن من بضعة ايام انقلبت الصورة تماما. اصبح الموضوع هو واقعة موت جورج فلويد (فلويد 20) كما اسميتها. مات جورج فلويد اثناء وجوده فى حيازة الشرطة واتهم شرطى بأنه تسبب فى موته. انطلقت الشرارة وتحولت الى اعمال عنف وتخريب وحرق لكل ما يمت بصلة للشرطة. واستغل البعض الفرصة لاقتحام المتاجر ونهب محتوياتها ثم اشعال النيران فيها.
قبل ايام كان الجدل حول الفتح التدريجى للمجتمع بعد شهور من الغلق داخل البيوت وتطبيق اجراءات صارمة من العزل بما فى ذلك التباعد الاجتماعى بمسافة لا تقل عن 6 قدم مع لبس الكمامة وتطبيق العديد من الاجراءات الاخرى. فجأة خرج الآلاف من المتظاهرين للشوارع وهم يضربون عرض الحائط بكل تلك الاحتياطات غير مبالين بأخطار فيروس كورونا.
من هو جورج فلوبد وكيف اصبح اسمه على كل لسان؟
جورج فلويد مواطن أمريكى من اصول افريقية (سوداء) يعيش فى مدينة منيابوليس ولاية ميناسوتا. توفى جورج فى 25 مايو 2020 اثناء محاولة ضابط شرطة ابيض اسمه ديريك تشوفين اخضاعه للاعتقال بالضغط على رقبته بركبته لمدة قيل انها تبلغ حوالى سبعة دقائق بينما كان يردد " لا استطيع التنفس". صور البعض فيديو لمشهد الواقعة ونشروه فى عدة مواقع للتواصل الاجتماعى. قيل ان سبب اعتقال فلويد هو استعماله لورقة مزورة من فئة العشرين دولارا. تم طرد الضابط المتهم مع ثلاثة ضباط آخرين من الخدمة وتقديم الضابط المتهم الرئيسى للمحاكمة بتهمة القتل من الدرجة الثالثة. وبعد ابام تقرر تقديم الثلاثة ضباط للمحاكمة.
فور وفاة فلويد انطلقت المظاهرات فى مدينة مينابوليس التى كانت سلمية فى البداية وتطورت بعد ذلك الى اعمال شغب من تحطيم واجهة قسم الشرطة التى ردت باطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى. اظهر التشريح الاولى ان الخنق لم يكن سبب الوفاة مما دعا الاسرة الى طلب التشريح بواسطة جهة مستقلة. على اى حال وفاة فلويد اثناء القبض عليه وبعد تعرضه لكتم تنفسه لعدة دقائق لا يمكن تبريره.
كما هو متوقع لم يضيع حزب الديمقراط فرصة ذهبية كهذه ليحولو ها لصالحهم فى المعركة الانتخابية. فنجد مرشح الديمقراط بايدن يقوم باتصال تليفونى امتد الى ما يقرب من ساعة باسرة جورج فلويد وعاد بعدها لينقل تفاصيلها. من ضمن ما قاله ان عائلة جورج فلويد طلبت ان يعدهم بشىء واحد وهو العدالة. ويصف بايدن انطباعاته فيقول انه خرج منها بالاحساس أن فلويد كان رجلا رائعا وان كل العائلة كانت تنظر له بالتقدير. ويضيف يايدن ان شقيقى فلويد طلبا التوقف عن اعمال العنف خلال مظاهرات الاحتجاج. ولم يفوت بايدن الفرصة دون ادانة الطريقة التى تعاملت بها الشرطة مع الموقف. وينهى بايدن كلامه بالتعهد انه كرئيس سينهى كل انواع التحيز فى الولايات المتحدة.
فى المقابل يتم تصوير الرئيس ترمب على انه متطرف يدعو للتصدى بالقوة ضد المتظاهرين بينما هو يعترض على كسر القانون بارتكاب اعمال الشغب والعنف والنهب. هذه تختلف عن حق الاحتجاج المشروع ضد الظلم وهو حق اصيل يكفله الدستور الأمريكى.
قصة جورج فلويد لم يتم حسمها واحتوائها فالعنف الذى بدأ فى منيابوليس امتد الى اجزاء اخرى فى ميناسوتا ومنها الى ولايات مجاورة. بل رأينا الشرارة تقفز الى كاليفورنيا وينتشر التخريب والنهب فى عدة مدن مثل لوس انجلوس وسانتا مونيكا ولونج بيتش وفان نايز وما زالت الاضطرابات تمتد فى كل اتجاه بل قد سمعنا ان الاضطرابات وصلت الى دول اخرى مثل انجلترا والمانيا وكندا. وبذلك اصبحت تماثل كرونا فى بعدها العالمية كلاهما اصبح وبأ عالمى واحد فى مجال المرض الجسدى ( كوفيد 19) والآخر فى مجال المرض الاجتماعى العنصرى (فلويد 20)
وسواء فى حالة كوفيد 19 او فلويد 20 فهناك من هو جاهز لادانة أمريكا. فى حالة كوفيد 19 ظهرت فى الادعاءات بان امريكا هى التى صنعت الفيروس القاتل, وتثبت الايام ان امريكا فى الواقع كانت احدى ضحاياها بل ان أمريكا هى التى تقود العالم نحو اكتشاف علاج يخلص الانسانية منها. وفى حالة فلويد 20 يتهمون امريكا بأنها وراء العبودية التى افرزت المشكلة التى نحن بصددها ونسى هؤلاء او تناسوا ان امريكا هى التى حررت العبيد على ارضها وفرضت هذا الامر على دول العالم كله.
الحق لابد ان يظهر والضلال لا يمكن ان يخفى نفسه.