الأقباط متحدون | عُرْي الأجساد وعُرْي العقول
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٤٠ | الخميس ٢٦ ابريل ٢٠١٢ | ١٨ برموده ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٤٢ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

عُرْي الأجساد وعُرْي العقول

الخميس ٢٦ ابريل ٢٠١٢ - ٥٥: ١٠ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم:  إدوارد فيلبس جرجس

ما هو تعريف العُرْي ؟ إختلف جهابذة الفلاسفة في وضع تعريف للعُرْي ، وقال البعض أنه يعني " سالبوتا " أي نزع الثياب وارتداء لا شيء !! ، والبعض قال أنه " ملط زلط " أي ملط ثيابه وأصبح كما زلطته أمه . وقُسِمَ من حيث درجات التعري إلى سالبوتا كاملة ، أي نزع الثياب بالكامل من مبدأ أراح واستراح ، وربع سالبوتا ، وعلى حد تفكيري أنه يُقصد به المايوه البكيني المختصر جداً ، ونصف سالبوتا ويقصد به الثياب وقد انحسرت من أعلى ومن أسفل ، يعني اللي واقف فوق هيتفرج واللي ماشي تحت هيتفرج ، وأهو كله بثوابه . أما عن نقائص وخطايا العُرْي ، فهي محددة بالتعريف " الكشف عن أشياء لا يجب الكشف عنها " أو " الكشف عن المستور "  أو ما يقال عنه " الكشف عن العورات " .
 
لا أريد أن أعود إلى الماضي وأحاسب آدم على خطيئته ونتائجها من الإحساس بالعري هو وحواء ، والتي لم ينبنا منها غير وجع الراس ، وكان يمكن أن نكون جميعاً الآن في راحة تامة أي " مسلبتين تماماً " لا نحتاج لثياب تسترنا ، ولا تحكمنا قيود الملابس ، ولا نسمع عن دجل بيوت الأزياء التي تلعب بالبيضة والحجر لكي تستنزف ما في جيوب العقول الفارغة ، وتستخدم كلمة " الموضة " وهي لا موضه  ولا حاجه وليست أكثر من ..... ، وسأترككم تخمنون ما أريد أن أقوله ، والحقيقة أنها عملية استبدال الموضة القديمة بالجديدة والعكس ، تُغير وتُبدل فيهما بما يحلل لها مكاسب رهيبة ورزق الهبل على المجانين ، وأيضاً ما كنا سمعنا عن كلمة عُرْي ، ولا كلمة عورة ، ولا غطي راسك ، ولا اتحشمي ، ولا اتحجبي أو اتنقبي ، آدم وحواء خلقهما الله عريانين ، وكانا معاً ، ولم تتعجب حواء من عُري آدم ولم تغطي عينيها قائلة " عيب كدا يا أدومه ، وأيضاً لم يحتاج آدم لأن  يضع يده فوق عينيه مفسحاً بين أصابعه ليشاهد مفاتن حواء ثم يستغفر ربه ، لم تظهر لهما هذه العورات إلا بعد خطيئتهما ، أي أن الخطيئة هي اللي كشفت عن العورات ، وليس العُرْي هو الذي تسبب في الخطيئة . معذرة ، أنا أعلم أن الكثيرين ينتظرون أن أخوض في عُرْي الإجساد بأسلوب القصصي والروائي ، وما يتبعهما من وصف ، لكن كما يقولون لكل مقام مقاله ، والمقام هنا ليس عن عري الأجساد ، لكنه عن عري العقول ، والموضوع ليس قصة أو رواية ، لكنه مقال جاد أو بمعنى عامي " ناشف " أو متخشب ، أو بالمعنى الصريح ميت ، فالحياة تعني البهجة ، والموت تشمله الأحزان.
 
ومقالي الجاد الناشف المتخشب الفاقد لبهجة الحياة المشمول بأحزان الموت ، عن عورات لم ترد لا في باب الخطيئة في  الكتب الدينية ، ولا في باب الوصف المبتذل في الكتب الجنسية ، ولا في باب الحض على الفجور في الكتب الشيطانية ، عورات العقول العارية وخطيئتها التي ستدفع ثمنها مصرنا البريئة الطاهرة التي لا ذنب لها ولا جريرة في هذا العري ، ولا في هذه العورات التي لم تحاول  البحث حتى عن أوراق الأشجار لتستتر بها كما فعل آدم وحواء . كان نوعاً من الخيال بالنسبة لي مجرد التفكير في أن هذا العري العقلي وعوراته سيتكشف بهذا الأسلوب العلني الفاضح  ،
 
لم أكن أظن أو أتوقع ، أنه سيأتي اليوم الذي تغص فيه مصر بعقول ألقت بكامل ثيابها لتكشف عن عوراتها وسوآتها ، واللي عاجبه يتفرج واللي مش عاجبه يروح بلد تانيه لا تزال بها العقول لم تتعرى ولم تظهر عوراتها ، وكما قلت في عري الأجساد أن الخطيئة هي التي كشفت عن عورة آدم وحواء ، أيضاً خطيئة الفكر الذي هبط علينا بالبراشوت من سماء الغيوم السوداء المكفهرة ، هي التي عرت العقول وكشفت عن عوراتها ، وتحول الفكر إلى شيء كالبغاء أو فردة الحذاء ،  ووعاء يفيض بكل الموبقات من كذب ورياء ومغالطات وتمويه وخداع وحروف أبجدية لا تكون سوى كلمات تدعو إلى السخرية  ، ومظاهر خداعة تَدَّعيِ الإقتراب من الله وهي بعيدة عنه بعد القطب الشمالي عن القطب الجنوبي هذا إن لم يكن تعدى إلى كوكب آخر !! .
 
العقول العارية المتباهية بعوراتها ، لعبت لعبة الإغراء ، ولم تلق بثيابها دفعة واحدة ، وانزلقت أول قطعة في استفتاء 19 مارس ، وأمام تصفيقات الإستحسان من جمهور مسكين لا يعرف الفرق بين الرغبة الحلال والرغبة الحرام ، بدأت القِطْع في الإنزلاق واحدة تلو الأخرى ، إلى أن وصلت إلى تقديم عروضها العارية فوق مسرح الرئاسة ،  دعوني أبدأ من العرض الأخير  وهو ما يسمى برقصة الإستربتيز الرئاسية ،  أي سنبدأ من نقطة النهاية ثم العودة للخلف أي بلغة السيارات " مرشدير "  ولن استخدم جهاز الإنذار الذي يوجد في بعض السيارات ويطلق  تحذيره " إنتبه السيارة عائدة للخلف " ، سأترك من لا ينتبه من ذاته ويوقظ كل حواسه لكلماتي أن يدهمه الواقع المرير وأعذر من أنذر ،  حلبة السباق إلى مقعد رئاسة مصر ، وأقول مصر بالفم المليان ، للتأكيد على أنني أقول مصر ،  وأنها حتى الآن لا تزال مصر ، وإلحقوها قبل أن تتحول إلى شيء لايشبه مصر لا شكلاً ولا موضوعاً ، لقد تسابقت العقول العارية تماماً ، وعوراتها المكشوفة للقاصي والداني دون حياء أو خجل ، وتخلت عن أبسط مبادئ العقل الزينة كما يسمونه ، ولم تحاول أن تغطي رأسها الممتلئ حتى الحافة بأفكاره وسلوكياته العوراتيه ولو بشورت شرعي !! ،  أسماء وضعت في قائمة المترشحين للرئاسة ، لا بد أن يفرض النقاب على عقولها ، وليس النقاب العادي ، بل النقاب الذي يغطي حتى العينين ، فهو الوحيد الذي يمكن أن يحجب عورات هذه العقول ، عورات تبدو أمامها عورات الأجساد شيئاً عادياً بل تكسوها الفضيلة  فتغمض عينيها قائلة بصوت مشمئز : غطي عقلك يا مترشح عيب كدا ، أَمَاَ للخجل من حكم عليك !!!
 
 ماذا لو فازعقل من هذه العقول التي تطاحنت على المنصب دون وجه حق وجلس فوق مقعد الرئاسة ، والعورات بادية ولا أشجار العالم ولا أوراقها تكفي لتغطيتها ، كيف سنواجه أنفسنا وكيف سنواجه العالم ، ماذا سنقول لأولادنا وأحفادنا ، وما الذي سيسجله التاريخ عن ابناء النيل ، الذين تركوا ماءهُ العذب وعبوا من ماء البحار حتى انتفخت كروشهم وتقيأوا ألافاً من سنين الحضارة . انتبهوا أيها السادة الدبابة عائدة للخلف  ، ستدهم الجميع ، ستُسقط الأهرامات ، ستذبح أبا الهول وتأكل لحمه نيئاً ، ستردم نهر النيل ويجف ماؤه ،  إن لم تعرفوا وتفهموا الفرق بين العقول العارية المفضوحة بعوراتها والعقول المستورة المبجلة بفكرها ، لا تدعوا صوتكم الإنتخابي تذروه رياح الوهم والكلمات المعسولة شكلاً المرة مذاقاً ،
 
لا يغريكم كلام الليل المدهون بالزبد وبمجرد أن تخرج شمس الصباح يسيح ولا يبقى منه حرفاً واحداً ، لا تفتحوا  أذانكم لحوار الطرشان ، لا تدفعوا بعراة العقول إلى كراسي ملوكنا خوفو وخفرع ومنقرع ، لا يستوى بناة الأهرام مع بناة الأوهام ، اتعظوا من شعوب سواء عن معرفة أو جهل ارتضت أن تضع أصواف الخراف فوق ظهورها ، ولا تدري أن سكين الجزار في انتظارها . السيارة ذات الجنازير عائدة للخلف لتقف أمام تعرية أخرى للعقول وعوراتها ، الوقفة الآن أمام اللجنة المزعومة أو جماعة أو مهزلة اللجنة التأسيسية للدستور ، التي تم اختيارها بطريقة المجلس مجلسنا ، والبلد بلدنا ، يبقى الدستور أيضاً لا بد أن تضعه العقول العارية.
 
حقيقة عندما قرأت عن كيفية تكوينها ، تذكرت حفلات الزار ، الله حي ، الله حي ، دستورنا جاي ، دستورنا جاي ، واللي عليه عفريت اسمه المدنيه ، هنلبسه طرحة الست زكيه !! ، وقد يكون لحكم المحكمة بإلغاء هذه اللجنة أو الجماعة ، التي تكونت بطريقة تنظيم مسابقة لاختيار كومبارس لفيلم ساقط  ، بمثابة عودة الروح إلى جسدي المسكين الخائف المرتجف مع كل طلعة صباح وأنا أسمع وأرى وأشاهد إلى أي ماخور سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وفكري يحاولون الزج بمصر إلى براثنه ، أمال انتو فاكرين إيه ، انها لعبة العقول العارية وعوراتها الخادشة للحياء ، التي تكشف عنها في كل مناسبة ، دون الخوف من القانون ، مع أنها فعل فاضح علني ، لعلمها أن القانون الآن ما هو إلا كلمات تذهب بها الرياح وتشتتها ، الحكام بأمر الله والمتوجون على كراسي الإحتماء بالحصانة ، والذين فرضوا السطوة بأغلبية لا تسمن ولا تغني عن جوع في ظروف كالتي ترزح تحتها مصر الآن ، ركبتهم العنجهية ولقد رأيت إحدى المناقشات داخل البرلمان وكيف يتحدث الرئيس مع أحد الأعضاء ، وكأنه مدرس يوبخ تلميذ لأنه يرفض أن يأخذ درس خصوصي ، وما أدراك ما هو الدرس الخصوصي الذي يفكر فيه الرئيس بالنسبة للتلاميذ الذين لا يسيرون على نهجه ونهج الأغلبية من تلاميذه !!!
 
لقد انكشفت كل الأوراق ، ورأينا كل المحطات التي توقف عليها قطار العقول العارية والعورات التي تطل من نوافذه ، والتي بدأت بمحطة استفتاء 19 مارس الخاص بالتعديلات الدستوريه  وانتهت بمحطة النوعيات التي  قاتلت لخوض معركة الرئاسة ، وما بينهما من وقفات استعراضية  .
 مجرد فكر أو تصور خيالي ، أو أمنية تبحث عن طاقة ليلة القدر ، أن أغفو وأستيقظ ، لأجد كل ماحدث منذ 25 يناير وحتى الآن ، ما هو إلا كابوس شرير كاد أن يزهق أنفاسي ، وأن كل العقول لابسة لباس الحشمة ، وأن العقول العارية وعوراتها المخجلة التي رأيتها في الكابوس بشكل يؤسف له ويؤسف عليه  هي مجرد خيال نتيجة التفكير في كتابة رواية إباحية تحت مسمى " شاطئ العقول العارية " . اللهم ابعد عني وعن كل شعب مصر المسكين هذه الكوابيس ، اللهم اخرجنا من هذه الغمة وأعد لنا ثورتنا المختطفة ، اللهم انقذ مصر من جحيم يفوق الجحيم الذي ينتظر الخطاة في الآخرة ، اللهم افضح كل من يمسك بكتبك العزيزة وهو غير طاهر وأنت أعلم العالمين بأن طهارة الفكر أهم من طهارة الجسد ، اللهم نقب العقول العارية بنقاب من النوع الثقيل والأفضل أن يكون حائط اسمنتي ، اللهم لا تجعل من أمهاتنا أمريكيات الجنسية  حتى لا نكون من الكاذبين والمدلسين ،  اللهم اجعل من كرسي الرئاسة خازوقاً لمن يجلس عليه ولا يملك من الفكر سوى سوء النية  ، اللهم اكسي العقول العارية واستر عوراتها ، فإذا كان آدم أكل من شجرة واحدة فهؤلاء أكلوا مصر كلها . 
           
إنفراجة أمل
قد يكون لقرار استبعاد بعض المترشحين لانتخابات الرئاسة لعدم انطباق الشروط ، انفراجة أمل بأن نبدأ في الخروج من  الضياع الذي تعيش فيه مصر منذ استفتاء 19 مارس ، ولا تتحول انتخابات الرئاسة إلى غزوة الكرسي ، وأعتقد أن ما قام به أحد المترشحين وأنصاره من سلوكيات معيوبة على كل الأوجه ، وتهديدات بالإستشهاد وهجمات انتحارية على وزارة الداخلية ،  تطبيق عملي للعقول العارية وعوراتها وما أكثرها !! . إن كنا نكتب ، إن كنا نهاجم الأخطاء ، إن كنا نصرخ بأعلى أصواتنا انقذوا مصر ، فلأننا نحبها ، مصر هي الوطن الواحد ، وشعبها هو الشعب الواحد ، وعندما هتف المطرب سيد درويش " قوم يامصري مصر دايماً بتناديك " لم يقل قوم يا مسلم ولا يا مسيحي ولا يا إخواني ولا يا سلفي ، المواطن الشريف هو الذي يعيش تحت سماء مصر كمصري ومصري فقط!!! 

edwardgirges@yahoo.com

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :