ماهر حسن
اشتركت (زينب محمد مراد) - والتى نعرفها باسم «سيزا نبرواى» - فى تنظيم وقيادة أول مظاهرة نسائية عام 1919 ضد الاحتلال الإنجليزى، كما عرفتها الحركة الوطنية عام 1951 مطالبة بتكوين «لجنة المقاومة»، وقد عرفت بـ«حركة السلام» التى نشطت فى تلك الفترة برئاسة الصحفى المحامى المعروف يوسف حلمى ومعه سعد كامل، الذى أشرف على مجلة «الكاتب» لسان حال حركة السلام. لقد كانت «سيزا نبراوى» موضع تقدير مناضلى تلك السنوات وهم يرونها ويستمعون إليها، غالبية كلماتها بالفرنسية ممزوجة بكلمات عربية فى لكنة فرنسية. هذه السيدة عادت إليها الأضواء، وهى تعيد تكوين لجنة المقاومة، داعية للوقوف فى وجه العدوان الإنجليزى الفرنسى الإسرائيلى على مصر عام 1956.. وجَدُّ زينب مراد أو سيزا نبراوى لأبيها هو مراد بك، وزوجته هى جدتها لأبيها أيضاً.
تبدأ القصة قبل الحملة الفرنسية، وفى عام 1766 بعد وفاة محمد بك أبوالدهب انفرد مراد بك وإبراهيم بك بالنفوذ.. يختلفان مرات ويتحالفان مرات قليلة، وأصبح مراد بك «شيخ البلد» وسيطر على القاهرة وبنى قصراً فاخراً، ثم كانت الحملة الفرنسية حين زحف نابليون فى عام 1798 إلى الرحمانية تجاه إمبابة، وحمل المصريون السلاح دفاعا عن وطنهم بقيادة محمد كريم، وانتصر الفرنسيون وأعدموا محمد كريم وألحقوا الهزيمة بالمماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك، وسقطت القاهرة، ووقعت زوجات الأمراء المماليك فى أسر الفرنسيين، وفَدين أنفسهن بمبالغ كبيرة.. ويقال إن زوجة مراد بك دفعت مبلغاً كبيراً جدا من المال.. والذى يهمنا هنا أن مراد بك هو جد زينب مراد أو سيزا نبراوى لأبيها، وزوجة مراد بك هى جدتها لأبيها أيضاً.
وإذلالا لمراد بك، احتل نابليون قصره واضطر هو لمهادنة الفرنسيين، وفى 24 مايو 1897م، أى بعد نهاية أمجاد جدها مراد بك على أيدى نابليون بحوالى مائة عام، ولدت الطفلة زينب محمد مراد فى إحدى قرى السنطة مديرية الغربية، وفى الشهر العاشر من عمرها انفصل والدها عن والدتها. كفلتها بنت خالة أمها عديلة هانم نبراوى وسمتها «سيزا» وأعطتها لقب أسرتها، فتحولت الطفلة زينب محمد مراد إلى سيزا نبراوى، تلقت تعليمها فى مدرسة فرنسية بالإسكندرية، ثم سافرت أسرتها الجديدة، أسرة بنت خالة أمها عديلة هانم نبراوى إلى باريس عام 1905م، وكان عُمر سيزا ثمانى سنوات، تعلمت فى مدرسة دى فرساى فأجادت الفرنسية منذ صغرها.
وفى عام 1913 كانت سيزا فتاة فى السادسة عشرة من عمرها دخل الخلل إلى أسرتها الجديدة، فانفصلت بنت خالة أمها عديلة هانم نبراوى عن زوجها، فوجدت الفتاة سيزا نفسها فى مفترق الطريق ولم تذهب إلى والدتها أو والدها أو قريبة أمها، وإنما عاشت مع جدها أمين باشا عبدالله وعزفت عن الزواج إلى أن تزوجت من النحات مصطفى نجيب عام 1937م وانفصلا عام 1941م، ووافاها الأجل المحتوم فى 24 فبراير عام 1985 عن عمر يناهز الثمانية والثمانين، وقد نسى الناس اسمها الأصلى زينب محمد مراد ولم يبق سوى اسمها الجديد سيزا نبراوى وسيرتها الطيبة.
اتصلت سيزا نبراوى برائدة العمل النسائى فى مصر هدى شعراوى وشاركتها فى جهودها من أجل الحركة النسائية، وفى عام 1919، دعت هدى شعراوى بتوجيهات من صفية زغلول يوم 16 مارس بعد أسبوع واحد من الثورة الشعبية الكبرى عام 1919م إلى المظاهرة النسائية المعروفة والتى استقبلتها نساء وبنات مصر من الشرفات والنوافذ بالهتافات والزغاريد والترحم على شهيدات وشهداء الثورة وتحية سعد باشا والمطالبة بالإفراج عنه وعودته من المنفى. ولم ترهب النساء قوات الاحتلال التى اصطفت لمحاصرة المظاهرة التاريخية. وفى عام 1923م اشتركت سيزا نبراوى مع هدى شعراوى فى تأسيس «الاتحاد النسائى»، وقد ترأست سيزا نبراوى تحرير مجلة «المصرية» باللغة الفرنسية، ثم أصدرتها باللغة العربية وأسهمت فى تأسيس «الاتحاد النسائى العربى» عام 1944. وأصبحت لها سمعة تشرّف المرأة المصرية على المستوى العالمى، فشاركت فى عديد من المؤتمرات النسائية خارج مصر، واختيرت نائبة لرئيسة الاتحاد النسائى العالمى.
وفى العودة إلى مواقفها الوطنية نراها فى عام 1951م وبعد أن ألغى مصطفى النحاس باشا معاهدة 1936م كانت تدعو إلى الكفاح المسلح فى منطقة القناة، واشتركت على رأس مظاهرة طالبت بمصادرة أموال الإنجليز، ومقاطعة البضائع الإنجليزية، وذكرنا آنفاً أنها أثناء العدوان الثلاثى على مصر أعادت تكوين «لجنة المقاومة» التى كانت قد دعت إليها عام 1951.
وكانت سيزا نبراوى فى عام 1913 وفى صالون هدى شعراوى قد تعرفت على المثّال والنحات مصطفى نجيب الذى ولد عام 1913م، وتوفى عام 1990م وكان أصغر منها بـ 16 عاماً، ومما يذكر أنها ولدت فى عام 1897 وتوفيت عام 1985 وكانت قد ظلت عازفة عن الزواج وآثرت أن تظل راهبة لقضايا المرأة المصرية إلى أن كان عام 1937م وهى فى الأربعين من عمرها وهو فى الرابعة والعشرين من عمره، فكانت «القسمة والنصيب» حيث تزوجا، ولكن لم يدم الزواج سوى أربع سنوات فقط، وفى عام 1941 انفصلا.
نقلا عن المصرى اليوم