موائدنا وجوعهم....
زهير دعيم
كلّما أتواجد في مطعم أو مُتنزّه ، وأرى أطباق السّلَطات والمأكولات الشّهيّة تملأ طاولتي، وتزدحم فوق بعضها البعض ، وفي غالبيتها ستذهب الى سلّ القمامة كما هي ، يطرق بالي الأطفال الجياع ، فأروح اتصوّر أطفال المخيّمات وأطفال الدول العربية الفقيرة من حولنا ،والأطفال السّود في إفريقيا وأطفال العالَم الثالث ، الذين يعيشون على قارعة الطريق ، وعلى هامش الحياة، والذين ينامون على الطّوى ، فتبرز منهم العِظام ، وتغور العيون وتدمع ، وتتأوه النفوس ، وتنشطر قلوب الأهل حُزنًا وكَمَدًا...
إنّ منظر الطفل الجائع ، الناتئ العظام ، يُبكيني ، يحزُّ في نفسي ، يسلبني اللذة ويسرق منّي السّعادة ، فأروح اتخيّل أبنائي وحفدتي يعيشون ضنك العيش ، فارتجف وأرتعد ، وأغرق في حُلم مُفزع او كابوسٍ مؤرق.
يا إلهي ....ماذا جنى هؤلاء الملائكة ؟!
لماذا تسمن قطط وكلاب بعض البلدان وتعيش الدّلال والغَنَج ، بينما يذوق أطفال هناك وهنالك تحت سماء الدّنيا ، يذوقون شظف العيش ومرارة الحِرمان ؟!.
ظلم وأيّ ظلم !!
جريمة وأيّة جريمة!!
والأمرّ والأدهى أنّنا نقف مكتوفي الأيدي - وأنا منهم - نرى فنحزن ثم نصمت ونمرّ على الموقف مرّ الكرام ، وكأنّ شيئًا لم يكن.
" دعوا الأطفال يأتون اليَّ ولا تمنعوهم " صرخ ربّ المجد ...إنهم ملائكة تُطلّ البراءة من عيونهم ، والمحبة من أرواحهم ، فلماذا استُبدلت البراءة بالحِرمان والمحبة بالجوع والعوز ؟!!
لماذا نرضى الحرمان لهؤلاء الملائكة ؟
ولماذا نرمي ملايين الملايين من أطباق الطعام في سلال القمامة يوميًا ، في حين يتضوّر عشرات الملايين ومئات الملايين من الأطفال جوعًا.
أين الرحمة في القلوب؟ .....قلوب العِظام والأكابر والزعماء ورجال الدّين ؟ ...ألمْ يُوزّع الربّ الإله الخيرات بالتّساوي ؟ ألمْ يُجرِ العدل في الأرض؟ ..ألمْ يحبّ الأطفال من كلّ لون ومعتقد ومشرب؟ فلماذا نحن اليوم أمام جائع وشَبِعٍ ومُتخَم ؟ .
أطفالنا يقلقون ليلاً من التخمة ، وأطفالهم يموتون جوعًا تحت مرأى وسمع الأهل المساكين الباكين .
حان الوقت أن يقول الخيّرون كفى.
حان الوقت أن نعيد الآية الذهبية الى فضاء الدنيا " دعوا الأطفال يأتون اليّ ولا تمنعوهم ، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السماوات"
حان الوقت أن يصرخ الأطفال الجياع في العالم صرخة واحدة فيثقبون الكرة الأرضية والآذان الصّمّاء، ويزلزلون الغارقين في النعيم الأرضيّ.
ماذا أصاب الإنسان؟
ماذا أصابه حتّى تخلّى عن نفسه ، فأعطى مجالا للشرّ أن ينتشر وللجوع ان يستحوذ.، والخيرات – خيرات الله – تكفي الجميع وتزيد.
أذكر برنارد شو ولحيته الكثّة وصلعته القاحلة ، وفكاهته الشهيرة : أنّ هناك وفرة في الإنتاج وسوءًا في التوزيع.
أذكره وأضحك ألمًا .
أذكره وأشمئز من نفسي ومن غيري.
أذكره وأقول : ما أظلمكَ ايّها الإنسان ، أنت الذي تقول : .." بعدي الطّوفان" و " دعني وشأني وأمسك أخي " .
متى سنقول اتركنا يا جوع وارحل ، واترك إخوتنا ، اتركنا والا أجبرناك بالمحبّة ، وألزمناك بالعدل.
أتراني أحلم ؟ أم انّ هذا الحُلم سيتحقّق فقط عندما يأتي ابن الإنسان الى الأرض فيسود السلام والعدل ، ويجلس كلّ إنسان هانئًا تحت كرمته !!
حتى ذلك الحين – وأظنّه قريبا-أتمنّى ان نجد حلاًّ او بعض حلٍّ ، فالأطفال الجياع أرَقٌ يعتصر القلوب والنفوس ، وهَمٌّ يقتعد ويجثم على صدر البشرية.