سحر الجعارة
لم يكن مشهد تفقد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لعناصر المنطقة الغربية العسكرية، مشهداً عادياً، ولا كان خطابه مألوفاً.. إنها كلمات حاسمة حطمت جدار الصمت الذى يحجب العالم عن الأطماع الاستعمارية لقرصان تركيا « أردوغان'>رجب طيب أردوغان» فى المنطقة العربية، كلمات تضع النقاط فوق الحروف فى بيانات الشجب والإدانة والمعاهدات التى لم تعد تساوى حبر الطباعة.. سمه تلويحاً بالحرب أو «إعلان حرب».. إنه فى كل الأحوال «حق مشروع»: (إن أى تدخل مباشر من الدولة المصرية فى الأزمة الليبية باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء فى إطار ميثاق الأمم المتحدة، حق الدفاع عن النفس، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبى مجلس النواب، وستكون له أهداف).

لقد التزم العالم بالحياد السلبى، حين دفع «أردوغان» بآلاف المرتزقة من اللاجئين السوريين فى بلاده ليكونوا وقوداً لاحتلال ليبيا.. وبعد توقيع «أردوغان» لاتفاقيتين مع رئيس حكومة الوفاق، «فايز السراج»، فأصبحنا فى مواجهة شكل جديد من «الاستعمار» الطامع فى ثروات الدول العربية، خاصة أن تركيا تعانى من أزمة اقتصادية طاحنة تعول على حلها من خلال مشاركة أنقرة فى مشاريع إعادة الإعمار واستثمارات مستقبلية فى البلاد، والحفاظ على استثمارات الشركات التركية فى ليبيا. هذا بالإضافة إلى استفادة تركيا من إمداد ليبيا بالسلاح، رغم قرار مجلس الأمن رقم 1970 الصادر فى مارس 2011، الذى طالب جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بمنع بيع أو توريد الأسلحة ومتعلقاتها إلى ليبيا!.

إنها عملية استعمارية تتوفر لها «الأيديولوجية السياسية» التى ترتبط بأوهام الخلافة، والتى تحولت إلى حرب عسكرية معلنة ومفتوحة ومن منصة عربية هى «ليبيا».. فالاتفاق العسكرى يسمح لأردوغان بإرسال غواصات وطائرات حربية بالقرب من الحدود البحرية لمصر.. وبالتالى لا يمكن أن تقف مصر موقف المتفرج وهى ترى حدودها الغربية تتحول إلى «ثكنة عسكرية تركية».. أو ما يسمى بـ«أستنة ليبيا».

لقد التف العالم حول «رسائل الردع» التى أرسلها الرئيس «السيسى»، خلال تفقده المنطقة العربية العسكرية فى سيدى برانى، وحظيت بدعم عربى ودولى واسع، كونها تمثل خطوة هامة فى طريق حل الأزمة الليبية المتفاقمة، بسبب التدخل التركى السافر، الذى بات يهدد ليبيا وشمال أفريقيا، ويمتد حتى شمال المتوسط والجنوب الأوروبى.

ودعا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية فى الاتحاد الأوروبى جوزيف بوريل، للتوصل إلى وقف للنار بين الأطراف الليبية، واستئناف محادثات 5+5، كما اعتبر أن الاتحاد يواجه مسار أستانة جديداً بين روسيا وتركيا فى ليبيا هذه المرة حيث تشتركان فى المصالح، وفق تعبيره.

كما شدد الاتحاد على ضرورة تعزيز الوجود العسكرى الأوروبى فى الساحل الأفريقى لحماية أمن أوروبا.. لقد انتفض العالم كله واستوعب الخطر الذى يتهدد العالم بأسره سواء بزرع وتكريس وجود التنظيمات الإرهابية فى ليبيا، أو بالتخطيط لمواجهات عسكرية محتملة على سواحل البحر المتوسط.. وهى ما أسماها الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» بـ«اللعبة الخطرة» التى تشكل تهديداً مباشراً للمنطقة وأوروبا.

الآن أصبح العالم كله ينظر إلى الحدود المصرية الغربية التى يبلغ طولها 1200 كم، فالمنطقة الغربية لمصر ستكون فى واجهة الأحداث خلال الفترة القادمة، بعد أن أعلن «السيسى» أيضاً عن «خط أحمر» وهو محور سرت - الجفرة فى الجارة الغربية «ليبيا»، متوعداً بتدخل مصرى إذا تم تجاوزه، لكونه يعتبر بمثابة تهديد للأمن القومى.

حتى الآن مصر تقود بثقلها الإقليمى والدولى عملية دبلوماسية شديدة الحساسية، محصنة بدرع عسكرى على أهبة الاستعداد إذا استدعى الأمر.. (إنًّ الجيش المصرى قوى، ومن أقوى جيوش المنطقة، ولكنه جيش رشيد يحمى ولا يُهدد، جيش يُؤمن ولا يعتدى.. دى استراتيجيتنا ودى عقيدتنا ودى ثوابتنا اللى مش هتتغير).

لقد وجه «السيسى» رسالته إلى شيوخ ووجهاء القبائل الليبية قائلاً: (إذا قلنا القوات تتقدم ستتقدم القوات وشيوخ القبائل الليبية على رأسها وعندما تنتهى المسألة ستخرج القوات بسلام لأننا لا نرغب فى شىء إلا أمن واستقرار وسلام ليبيا.. وإذا تحرك الشعب الليبى من خلالكم وطالبنا بالتدخل ستكون إشارة للعالم بأن مصر وليبيا بلد واحد ومصالح واحدة وأمن واحد واستقرار واحد).

وخلال المرحلة الدبلوماسية لا يستطيع أحد أن يتكهن بالخطوة القادمة.. لقد استطاعت مصر حتى الآن أن تعزز موقفها بالاصطفاف العربى حولها، والدعم الأوروبى لمساعيها، وأن تكسب ثقة القبائل الليبية «أصحاب الأرض» وكذلك تأييد وترحيب الجيش الليبى.. وبعد رسائل «السيسى» أصبحت مصر تحظى بالشرعية والدعم الدولى، وفق ما يكفله ميثاق الأمم المتحدة المادة «52» التى تعطى لمصر ودول الجوار الليبى «تونس والجزائر»، حق التدخل لحماية أمنها القومى، من خطر يراه العالم كله.
نقلا عن الوطن