مدحت بشاي
نعيش الآن- للأسف- أجواء وظروفا بالغة الصعوبة والتعقيد، حيث التحديات التي تواجه الوطن والمواطن، تتعدد وتتنوع وتكثر مصادرها وتتعالى آثار تبعاتها السلبية.. جرذان وخفافيش الشر تتقافز من كل اتجاه على الحدود، وباء عالمى يحط بقسوة على جسد الوطن والمواطن.. وتبعات اقتصادية سلبية تتعالى وتيرتها على أرض الوطن وأخرى مرضية قاتلة تتصاعد أرقامها مهددة لصحة وسلام الناس في بلادى.. كما أننا مازلنا نواجه متطلبات حرب شرسة مع عصابات مرتزقة في شمال سيناء، ونواجه فكرهم الظلامى البغيض بتعليمات من اشتروهم وزرعوهم في كل شبر على أرض الوطن منذ عشرات السنين..
وعليه، فضرورة أن نعى أن قيمة التوحد والتآخى تكمن في تعلمنا عندما نختلف أن نمنح ذلك الاختلاف نفحات من ألق وروعة سمات الإنسانية، ونسمات مطهرة من الروحانيات المطيبة المطمئنة، وشحنات فاعلة ومؤثرة ومرتبة من العقلانية والتفكير العلمى.. حينها تكتسب أمارات الاختلاف البينى السلبى في الأساس تركيبة إيجابية فاعلة تشكل نعمة وخبرا مفرحا لا نقمة تودى بنا إلى عراك غبى ومحبط ومؤلم متخلف.
وفى هذا السياق الواقعى، لابد من التهيئة النفسية لتقبل حالة الاختلاف وآداب التعامل معه عند طرح القضايا للتفاكر حولها لتجاوز المطبات المباغتة التي كان من الممكن أن تحيد بمسارات نقاط الخلاف الرئيسية بعيدًا عن حقائق الواقع التي تفرض نفسها، ولابد من جلاء ووضوح الرؤية في كل مرحلة من مراحل الاختلاف للنجاة من تبعات التعصب ومتتاليات مخاطره النفسية..
ولعل حالة التشرذم الحادثة، وشكل التمزق يعود لتفشى سلوكيات الأنانية، فالتعصب للرأى لا يؤمن صاحبه إلا بوجهٍ واحدٍ، لا يبالى بالخلاف، مؤيدًا لحقيقة واحدة هي التي يزعم أنها فقط ولا شىء غيرها، بل إن ما يخالفها بدعة، وخروج عن الجمع، وقد يحكم عليه بالكفر، ويهدرون دم صاحبه، فأسوأ العقول عقل من تحول من كل اختلاف خِلافاً وعِداءً.
لقد مرت الإنسانية عبر العالم بمحن وخطوب كثيرة ومريرة انتهت إلى الاعتراف بحق الاختلاف كحق أساسى من حقوق الإنسان، أي من حق الناس أن يختلفوا في آرائهم وفى الدفاع عن هذه الرؤى والاتجاهات، وعندما تتجسد هذه الموضوعية لدينا في الممارسة العملية، يمكن أن نقول إننا أصبحنا جزءاً فاعلاً محاضرًا في حضارة بنى الإنسان.
في الزمن الصعب، كن معارضا مختلفًا إن أردت عزيزى المثقف، تنصف من تعارضه، فلا تشطب على كل إيجابياته.. ولك أن تختار أن تكون منتميا إلى أي تيار فكرى تقتنع به، إضافة إلى القناعة بنفس فكرة الانتماء، ولكن ابق مستقلا بعقلك، فلا تخضع عقلك كليا للانتماء، بل اعط لعقلك فرصة أن يحلق في فسحة من حرية التأمل المتجرد في الأشياء والأفكار والمواقف...
في النهاية، المثقف الحقيقى هو صاحب الرصيد المعرفى المتجدد، وهو المنفتح على ثقافات متعددة، والمعاصرة منها بشكل خاص، وهو الجاهز لمواجهة الموروث بنظرة المتأمل الدارس الفاحص، فالثقافة تكون حيث يكون الإبداع، والإبداع لا يكون إلا حيث تكون الحرية والمسؤولية الإنسانية.
نقلا عن المصرى اليوم