شمس الشموسة أطال الله عمرها!

تحديات علمية في مواجهة علوم التطور (6)

قارئي العزيز

مع اشراقة كل صباح تطل الشمس علينا بوجهها الدافئ المنير في عهد لم تخلفه مرة واحدة منذ الدهر، كيف أعدها الله القدير لتوفر لنا كل ذلك الدفء لكل تلك السنين؟ كم من عمر الزمان مضى عليها في هذه المهمة المقدسة؟ وكم من زمان المستقبل ستبقى على عهدها هذا؟ في هذا المقال هنا سنحاول ان ننير المظلم مما لا نعرفه عن ذلك النجم العظيم وسنقوم كالعادة باستطلاع آراء علماء التطور ونقارنها بما يقوله لنا المؤمنون بالخلق.

 

عرض سريع للمشكلة

الشمس هي كيان ديناميكي جدا، فهناك طاقة متجددة وأخرى مفقودة ونوبات من الهدوء وكذلك من الانفجارات والثورات الشمسية. اختلف العلماء على تاريخ ومصير الشمس، وهل ستؤول الى التمدد والسخونة ام هي تنكمش وتبرد؟ سواء هذا السيناريو ام ذلك، فحساب الزمن بالمليارات هو المشكلة التي تؤرقهم وتفسد دور البطل الأول في نظرية التطور وهو الوقت الطويل. والآن الي التفاصيل.

بعض المعلومات عن الشمس 

تبعد الشمس عن الأرض بحوالي 150 مليون كيلومترا 

حجم الشمس يبلغ 1,392,000 كيلومترا في القطر أي حوالي 109 مرة أكبر من قطر الأرض، وتزن حوالي 330,000 ضعف الأرض.

 

بينما نجد نجوما ذات حجم أصغر من الشمس عشر مرات فإن بعض النجوم يصل حجمها الى مليون مرة ضعف الشمس.

متوسط حرارة سطح الشمس هو 5,700 درجة مئوية، مقابل 20 درجة مئوية هي متوسط الحرارة على الأرض. 

 

تنتمي الشمس الى فئة الشموس الصفراء، وهي فئة قليلة العدد.

الدارس لصفات الشمس يتعجب جدا من مدى ملاءمتها لدورها كعامل أساسي في نشأة الحياة، ولذلك سوف نخصص المقالة القادمة لنذكر بعض هذا الصفات المدهشة للشمس.

رحلة الشمس من الماضي إلى المستقبل بحسب علوم التطور

الشمس بحسب نظرية التطور هي نجم من نجوم الجيل الثالث، حيث كون الانفجار العظيم منذ 13,7 مليار سنة نجوم الجيل الأول من الهيدروجين والهليوم فقط وبعض تلك النجوم انفجر مكونا نجوم الجيلين الثاني والثالث التي تحتوي على العناصر الأخرى، وتكونت الشمس ومعها المجموعة الشمسية منذ 4,7 مليار سنة بواسطة تجمع العديد من الاجسام الفضائية والغبار الفضائي الذي كان في السحابة السديمية التي تكونت منها الشمس وبقية كواكب المجموعة الشمسية

كيف تنتج الشمس طاقتها؟ وما هو مصيرها؟

هناك نظريتان لتفسير مصدر الطاقة الشمسية:

معظم العلماء يرون ان طاقة الشمس هي بالاندماج النووي، وفي حين ان الطاقة النووية التي يستخدمها البشر لتوليد الطاقة هي بالانشطار النووي وتلك يمكن التحكم فيها، فإن الشمس تنتج طاقتها بالاندماج النووي مثلما يحدث في القنبلة الهيدروجينية حيث تندمج كل أربع ذرات من الهيدروجين معا لتنتج ذرة واحدة من الهليوم ومعها طاقة هائلة جدا لكن من العسير جدا التحكم فيها.

 

الطاقة المتولدة من "الانهيار الشمسي" بفعل الجاذبية الطاغية للشمس وبحسب قانون الجذب العام لنيوتن.

 

في ثلاثينات القرن العشرين اكتشف الألمانيان بيته وفايتزناكر Hans Bethe and Carl von Weizsacker  ان تفاعلات الاندماج النووي هي بطبيعتها متضاعفة أي تتزايد بشكل مطرد في قوتها وحرارتها مما يؤدي الى ازدياد مستمر وبطيء في حرارة وحجم الشمس، لذلك يتوقع العلماء المتمسكون بنظرية الاندماج النووي انها ستتضخم ببطء حتى تصير "عملاقا أحمر" شديد الحرارة بعد 5,5 مليار سنة، وهذا العملاق الأحمر سينفجر بدوره ليصبح قزما ابيض بعدها بثلاثة مليار سنة. ويتمسك علماء التطور بهذا السيناريو لأنه هو الوحيد الذي يضعونه ليتيح افتراض العمر الطويل للشمس ونال في البداية قبول الهيئات العلمية حتى بدأ العلماء في طرح الأسئلة وفحص نتائج قياسات حجم الشمس التي تشير الى عكس ذلك.

 

معضلة العمر الطويل للشمس

بالرغم من وجود دلائل على نشاط نووي في داخل الشمس فهناك الكثير من الاعتراضات الدائرة حول استخدام ذلك كدليل على طول عمر الشمس ليلائم مليارات سنين التطور. أهم الاعتراضات هي:

القياسات طويلة الأمد تؤكد الانكماش الشمسي ومشكلة هذا ان شمس الماضي كانت كبيرة الحجم

معضلة الشمس صغيرة العمر الباهتة

 

حرارة سطح الشمس أقل بكثير من المتوقع في حالة أن الاندماج النووي هو المصدر الرئيسي لطاقة الشمس.

نسبة الهيدروجين العالية في الشمس تشير الى صغر عمرها.

 

مشكلة النيوترينو المفقود وقد خفتت كثيرا حدة الحوار حول تلك النقطة لذلك نذكرها فقط بدون تفاصيل

وهنا سنتناول كل من هذه المعضلات شاملة ردود علماء التطور عليها.

 

هل نستطيع قياس حجم الشمس؟

استطاع العلماء إيجاد بعض الطرق لقياس قطر الشمس، أشهر الطرق لقياس قطر الشمس هي:

قياس سرعة مرور القمر في أثناء الكسوف الشمسي بناء على حساب عمر الكسوف وسرعة مرور القمر حتى يعبر الشمس، ويستخدم العلماء تحليلات للسجلات التاريخية عن الكسوف الشمسي في الماضي. 

 

قدم العالم الأمريكي Erwin Shapiro مقياسا آخر في الثمانينات اسماه "مرور عطارد" او "Mercury Transit" يستخدم قياس زمن مرور كوكب عطارد امام الشمس والذي يحدث كل عدة سنوات، وفي حسابات معقدة يحسب سرعة الكوكب ومقدار بعده عن الشمس بالإضافة الى زاوية مروره ليحسب قطر الشمس مستخدما أيضا قياسات تاريخية عن هذا الأمر.

 

كذلك هناك بعض الطرق البسيطة التي تتيح حتى للهواة غير المتخصصين إمكانية تطبيقها لقياس قطر الشمس بدرجة لا بأس بها من الدقة، وهذه الطرق استخدمها علماء الفلك بنجاح ودقة منذ مئات السنين.

مشكلة سيناريو الانكماش الشمسي؟

في سنة 1979 قدم العالمان الامريكيان Eddy and Boornazian بحثا عن حجم الشمس المتغير بناء على القياسات المسجلة منذ عام 1736 أثبتا فيه ان الشمس تنكمش بمعدل يبلغ 1,5 الى 1,8 مترا/ساعة! وهذا يتناقض بالطبع مع ما يتوقعه التطوريون المنادون بالتضخم البطيء للشمس. فهذا المعدل يعني فقدان الشمس ل 1% من حجمها كل ألف سنة، وهذه الاستنتاجات تنفي تماما العمر الطويل للشمس:

 

بهذا الحساب تكون الشمس في ضعف حجمها منذ مئة ألف سنة فقط مؤدية الى حرارة شديدة تقتل كل حياة على الأرض، وهذا العمر هو مجرد لحظة في الاعمار العملاقة التي تحتاجها نظرية التطور

 

أيضا بالرجوع أكثر الى الماضي سنجد ان الشمس كانت منذ أقل من 20 مليون سنة في حجم يجعلها ملاصقة للأرض، فلماذا لم تبتلع الشمس الأرض؟ ومن أين بالوقت الذي يحتاجه التطور ويصل الى 3,5 مليار سنة على أقل تقدير وقبلهم مليار آخر لتبرد الأرض الملتهبة بحسب نفس النظرية؟

 

بحسب تلك القياسات تكون الشمس في زمن الخلق الكتابي أي أقل من سبعة آلاف سنة أكبر من حجمها الحالي ب 6-7% مسببة دفئا ملائما تماما للحياة على الأرض وليس فناءا لها.

رد علماء التطور على مشكلة الانكماش الشمسي

ثار الكثير من الشد والجذب بين علماء التطور ذاتهم وبينهم وبين علماء الخلق منذ الثمانينات لكي يثبتوا أن الشمس لا تنكمش بل تزداد في الحجم ولكنهم اضطروا أخيرا للإقرار بانكماش الشمس وان كان بمعدل أقل ب 25 مرة من المعدل المفترض سابقا . ولكن هذا المعدل لن تنقذ الأرض من الاحتراق بسبب الحجم الكبير للشمس منذ مليونين فقط من السنين.

 

قدم التطوريون أيضا تفسيرا يستخدم دورات النشاط الشمسي كل 11 سنة وأخرى كل 80 سنة للقول بأن الانكماش مؤقت، لكن القياسات بمحصلة أكثر من400 سنة أي عبر العديد من الدورات المختلفة اثبتت الانكماش بالرغم من تلك الدورات. وهنا يبقى السؤال؛ من أين بالوقت الذي يحتاجه التطور؟

سيناريو توهج الشمس ومفارقة الشمس صغيرة العمر الباهتة

هذه المعضلة هي واحدة من أكثر المشكلات تحديا للعمر الطويل للشمس، والمشكلة ببساطة هي في حالة تبني نظرية التمدد البطيء للشمس مع تنامي حرارتها فمعنى هذا ان الشمس كانت منذ 3,6 مليار سنة، أي في زمن بدء الحياة والتطور على الأرض باهتة وضئيلة الحرارة مسببة برودة على الأرض تصل الى عدة درجات تحت الصفر في المتوسط. مثل هذه الحرارة لا تسمح بتكون الحياة او بتطورها من جهة، ومن جهة أخري تناقض ما يقوله الكثير من التطوريين في العلوم الأخرى بأن الأرض كانت في الماضي بالتأكيد أدفأ حرارة من الآن، وهذا التناقض معروف في الأوساط العلمية ب "مفارقة الشمس صغيرة العمر الباهتة، Faint Young Sun Paradox"  

 

رد علماء التطور على مفارقة الشمس صغيرة العمر الباهتة

طرحت الحلول التي قدمها علماء التطور للخروج من مأزق الشمس الباهتة الكثير من التساؤلات حول جديتهم العلمية، فأكثر الردود المنتشرة لهم هو الرأي بأن نسبة ثاني أكسيد الكربون كانت اعلى بما يقرب من 1,000 مرة من الآن مسببة احتباسا حراريا شديد الضخامة، لكن هذا الرأي يتجاهل الكثير من القياسات الحفرية وأيضا كون هذه الظروف معادية جدا للحياة، فمثلا يرى العلماء ان مجرد ازدياد ثاني أكسيد الكربون في الهواء الى 10-15 ضعف المعدل الحالي قاتل للحياة ، فكيف تستقيم تلك المعادلة؟

 

مشكلة الفارق الكبير بين الحرارة المتوقعة لباطن الشمس وحرارة سطحها

نحن وإن كنا نستطيع قياس حرارة سطح الشمس وهو حوالي 5,700 درجة مئوية، فإن يصعب بالطبع قياس حرارة باطن الشمس مباشرة، لكن هناك بعض التخمينات بناء على تحديد مصدر طاقة الشمس، فعلماء التطور يقولون ان حرارة باطن الشمس في ظروف مثل الاندماج النووي ستصل الى 15 مليون درجة مئوية . وهنا تكمن المشكلة لأن سطح الشمس كان ينبغي ان يكون اشد حرارة بكثير من المقاس.

 

بعض علماء الخلق يرون ان مصدر حرارة الشمس ليس فقط الاندماج النووي، بل أيضا تأثير قوة الجاذبية الطاغية للشمس في تطبيق لقانون الجذب العام لنيوتن، مما يؤدي الى الانكماش المقاس في قطر الشمس.

 

هل يكفي الهيدرجين المتوفر لإضاءة الشمس مليارات السنين؟

تحتاج الشمس الى 600 مليون طن هيدروجين في الثانية لتوليد طاقتها  ومع ذلك مازالت نسبة الهيدروجين بها تصل الى 90%  من كتلتها التي تبلغ 2x 1027 طن، وباعتبار ان الشمس تفقد 0.2% من استهلاك الهيدروجين في صورة طاقة ومع حساب التغير في حرارة وحجم الشمس عبر الوقت سنجد ان المتبقي من الهيدروجين على الشمس يشير بوضوح الى عمر لا يزيد عن عشرة آلاف سنة فقط، وهذا ينفي بالطبع وجود الزمن الكافي للتطور.

 

حاول علماء التطور الأخذ بأقصى كتلة للشمس وأقل استهلاك للهيدروجين وغيرها من العوامل لكي يطيلوا عمر الشمس لكن تبقى حساباتهم غير كافية بالمرة لإطالة عمر الشمس بما يتوافق مع ازمنة التطور.

 

مشكلة قديمة عن النيوترينو المفقود 

لعدة سنوات دار حوار ساخن في الأوساط العلمية حول ناتج جانبي للاندماج النووي اسمه "النيوترينو" حيث يخرج نيوترينو واحد مقابل كل ذرة هليوم جديدة ناتجة عن اتحاد أربع ذرات هيدروجين، والنيوترينو هو جسيم شديد الضآلة جدا لدرجة انه تقريبا بلا كتلة، ولكن يمكن قياسه فقط بمجسات المواد المشعة. رأى بعض علماء الخلق في فقدان النيوترينو دليلا على ان طاقة الشمس ليست نووية بحتة، لكن العلماء استطاعوا أخيرا اثبات وجوده في أربعة اشكال (Flavors or Types) وبذلك هدأ الحوار حول هذه النقطة.

 

بعض براهين علماء التطور الأخرى

قدم بعض علماء التطور ما رأوه براهينا على طول عمر الشمس مثل "Helioseismology" و"سرعة انتقال البروتون" لكنها مبنية كلها على افتراضات تحتمل الخطأ، لذلك لا يعتد بها.

 

الخلاصة

بصرف النظر عن طبيعة ومصدر طاقة الشمس، فالتطوريون امام مشكلة كبيرة في حساب عمر الشمس بناء على حجمها وطاقتها، كما ان العمر الطويل للشمس يمثل معضلة عويصة لأن الشمس لا يمكن ان تكون مستقرة الحرارة عبر كل تلك المليارات من السنوات التي تفترضها نظرية التطور لنشوء وتطور الحياة، وتلك الحسابات تشير الى ان عمر الشمس بحسب الكتاب المقدس أي أقل من سبعة آلاف سنة هو الصحيح. نحن نرى ان الشمس وبقية الكون قد تكونت بفعل خالق حكيم ومصمم رائع محب لخليقته التي تشهد له.

 

عزيزي القارئ

تحدثنا اليوم عن عمر الشمس وتقديراته المختلفة، اسمح لي قبل ان نغادر ذلك النجم الرائع ان نتوقف في المرة القادمة لنتساءل، هل الشمس هي نجم عادي ككل النجوم ووجوده هنا مجرد محض صدفة؟، أم انها مصممة كخادم رائع أعده الله بمنتهى الحكمة لخدمة خليقته؟ أرجو ألا يفوتك التمتع بما ستريه لنا الشمس في المرة القادمة.

حتى ذلك الحين، ابقي سالما.

 

   موقع ناسا https://spaceplace.nasa.gov/sun-compare/en/

   موقع نيتشر https://www.nature.com/articles/nphys640

   https://creation.com/is-the-sun-shrinking

   موقع بريتانيكا https://www.britannica.com/science/climate-change/Faint-young-Sun-paradox

   https://www.engineeringtoolbox.com/co2-comfort-level-d_1024.html#:~:text=ASHRAE%20and%20OSHA%20standards%3A%201000,working%20period%3A%205000%20%2D%2010000%20ppm

   موقع ساينس https://www.space.com/17137-how-hot-is-the-sun.html

  موقع ناسا https://cosmicopia.gsfc.nasa.gov/qa_sun.html#:~:text=The%20Sun%20consumes%20about%20600,Earth%20in%20about%2070%2C000%20years.

   موقع ناسا https://history.nasa.gov/EP-177/ch3-2.html#:~:text=It%20is%20a%20ball%20of,oxygen%2C%20silicon%2C%20and%20iron.