فاطمة ناعوت
مشكلة ظاهرة «عبدالله رشدى»، ليست في أفكاره الهادمة للقيم الإسلامية الرفيعة، فالدينُ متيٌن، لا يُهدَم بمعاول الهادمين. مشكلته أنه يضع كلماتِه اللئيمةَ على ألسن ملايين الشباب فقيرى المعرفة، فيردِّدونها كالببغاوات دون دراية ولا وعى. ذاك أنهم في طور الحداثة العمرية والافتقار إلى البحث والقراءة وبنيان العقل، فيشبهون الإسفنج الذي يتشرّب السُّمَّ في خلاياه، ثم يبخّه في وجه المجتمع، دونما يمرُّ على عقل. بمكرٍ، يُذَّيلُ «جميع» تغرداته المنافية لقيم الإسلام، بهاشتاج (#الأزهرـقادم)، فيوحى لمتابعيه الأغرار بأن تلك الأفكار الركيكة هي «رأى الأزهر الشريف» أيضًا، رغم أن مؤسسة الأزهر قد سبق وتبرأت من أفكاره جملةً وتفصيلا، ونشرت الصحفُ ذلك، مثلما تبرأت منه الأوقاف ونشرت على الموقع الرسمى لوزارة الأوقاف بيانًا رسميًّا جاء فيه: «بناء على مذكرة بشأن ما يثيره الشيخ عبدالله رشدى على صفحاته من آراء لا تليق بأدب الدعاة ولا بالشخصية الوطنية المنضبطة بالسلوك القويم... قرر السيد وزير الأوقاف منع الشيخ عبدالله رشدى من صعود المنبر، أو أداء الدروس الدينية بالمساجد، أو إمامة الناس بها، لحين الانتهاء من التحقيق معه في المذكرة المرفوعة».
لكن آلاف الشباب من ضحال الثقافة لم يقرأوا هذا البيان الرسمى، ويظلّون يمتصون سمومَه من صفحته الحاشدة بملايين المتابعين، بسبب «تحرّشه» بالأزهر الشريف بذلك الهاشتاج المراوغ، الذي يُربك الصغارَ فيظنون أن آراءه وآراء الأزهر الشريف صنوان على خُطى واحدة.
أدواتُ هذا الرجل، عدا التمسّح بالأزهر الشريف: اللعبُ باللغة، والسفسطة الفكرية التي تُربِك فقيرى الثقافة، فيظنون أن لَغوَه عن فكرٍ سليم وهدى قويم. والسبب في ذلك هو فقر متابعيه لصحيح اللغة والبيان والعجز عن البحث والتحليل.
من المغالطات اللغوية الكبرى التي هدم بها عبدالله رشدى ثوابتَ الوحدة الوطنية في مصر، قوله: «المسيحيون كفّار»، فيُشرّع للإرهابيين حرقَ الكنائس وذبح المسيحيين نهارًا جهارًا. ولما هاجمه المجتمعُ والأزهرُ الشريف، عاد يُسفسط قائلا: «أقصد أنهم كافرون بعقيدتى، مثلما أنا كافرٌ بعقيدتهم». وكالعادة صدّقه فقراءُ العقل من المتابعين، وراحوا يرددون كلمته كالإسطوانة المشروخة، غافلين عن أنه أبدًا لم يُكمل الجملة، بل يبتسرُها دومًا. فلم يقل يومًا: «المسيحىُ كافرٌ بالإسلام»، بل يقول: (المسيحىُ كافر) ونقطة في نهاية السطر. وشتّان بين الجملتين! ويؤكدُ نواياه الخبيثة تجاه أشقائنا في الوطن، قولُه صراحةً: (المسيحيةُ عقيدةٌ فاسدة)، بينما نحن، كمسلمين، مأمورون بالإيمان بكل ما سبق الرسالةَ المحمدية من رسالات سماوية.
اليوم، وفى ظاهرة «التحرش الجنسى والاغتصاب» المنتشرة في مصر بكل أسف، وبعد تكرار جرائم اغتصاب الأطفال الغريبة على المجتمع المصرى، أدلى «عبدالله رشدى» بدلوه الفاسد، فزعم أن ملابس النساء من أسباب التحرش والاغتصاب! وكأنه يُعطى رخصةً شرعية للمتحرش بجرائمه. ولما هاجمه المجتمعُ هرع كالعادة إلى السفسطة اللغوية زاعمًا أن ملابس المرأة لا تبرر اغتصابَها، لكنها أحدُ الأسباب، وضرب مثلا ركيكًا بأن المرأةَ كالسيارة، إن تركتها مفتوحة سوف يركبُها غيرك! ورغم ركاكة المثال الذي يُشبّه المرأة بجماد غير عاقل من الممتلكات الذكورية، إلا أن أتباعه هللوا وصفقوا! والمدهش والمثير للغثيان حقًّا أنَّ من بين المهللين فتياتٍ ونساءً رضَين بكونهن سياراتٍ بقفل! وبرر اغتصابَ الأطفال والتحرش بالمحجبات والمنتقبات بالاستثارة الجنسية التي تصيبُ الذكور بسبب ملابس النساء غير المحجبات! قائلا بالحرف إن ملابس النساء «تستفز» ذكورته! معترفًا أنه، وأى متحرّش، محضُ ذَكر تحركه غرائزُه، وليس رجلا نبيلا تحكمُه القيمُ والأخلاق والمُثل والمبادئ الدينية القويمة التي تحثّه على غضّ البصر واحترام المرأة وحمايتها من نفسه ومن ذكور الذئاب.
ومن خلال ملاحظاتنا لنوعية متابعيه الذين يتحرشون بصفحاتنا، نحن جماعة التنويريين، فيكيلون لنا من البذاءات والشتائم ما يخدش لوحة الأخلاق، وما يُخجل مصرَ (بصفتهم مصريين)، وما يُهين الإسلامَ (بوصفهم مسلمين)، لاحظنا أن متابعيه يتميزون ببعض الصفات الثابتة: ١- حديثو العمر، فئة ما قبل العشرين عامًا وما حولها. ٢- يجيدون السُّباب والشتائم الجنسية المخيفة، فتندهشُ كيف للمرء أن يزعم دفاعه عن ثوابت الدين، بينما لم ينجح في تنظيف لسانه من الدنس. ٣- ضعافٌ للغاية في مبادئ اللغة العربية، فيقعون في أخطاء إملائية أولية، وهذا يبررُ تصديقهم لسفسطاته اللغوية التي لا يكشفُها إلا مثقفٌ. ٤- فقرهم المعرفى الهائل وتسطيحهم الثقافى، وهذا يبرر تصديقهم لكل ما يقول باعتباره من رجال الدين الذي ينطق بصحيح الإسلام. ٥- أبناء ثقافة سمعية، يرددون ما يسمعون دون إعمال عقل. وللحديث بقية. (الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترم الوطن).
نقلا عن المصرى اليوم