وائل لطفى
ثار الجدل مؤخراً حول بعض آراء الداعية عبدالله رشدى، الذى يبدو تطوراً سلبياً فى مسار الدعاة المصريين، فهو من حيث الشكل فقط، ينتمى للجيل الثالث من الدعاة الجدد، لكنه فى الحقيقة يتبنى خطاباً أكثر رجعية بكثير من الآراء التى تبناها هؤلاء الدعاة تجاه قضية المرأة مثلاً.. بحيث يبدو عبدالله رشدى طفرة جينية أكثر تخلفاً بكثير تجاه الوراء، فى حين كان المنطق يقول إن الجيل الثالث من هؤلاء الدعاة الجدد يجب أن يكون أكثر استنارة وانفتاحاً على المستقبل من الأجيال السابقة له.
فمن ناحية الموقف الاجتماعى والسياسى يبدو عبدالله رشدى أقرب إلى (السلفية المدخلية) منه إلى أى شىء آخر، ورغم أنه خريج الجامعة الأزهرية، ورغم أنه يرفع شعار الأزهر قادم، فإنه فى موقفه من المرأة ومن الأقباط، وأصحاب الأفكار والمعتقدات الأخرى بشكل عام يبدو أقرب للسلفية.. حيث لا يعلن عبدالله رشدى موقفاً مخالفاً للسلطة السياسية، ولكنه فى نفس الوقت يسعى لتغيير عقائد المجتمع تجاه الأفكار التى يؤمن بها، وفق فكرة (التصفية والتربية)، أو وفق فكرة أخرى هى (الأسلمة من أسفل). إذ يبدو من الغريب جداً أن يدعى هذا الداعية أنه مؤيد لثورة ٣٠ يونيو فى حين أنه يسعى لهدم أكبر إنجازاتها الاجتماعية وهو تمكين المرأة المصرية. ففى الوقت الذى أتى فيه نظام ٣٠ يونيو بـ٦ نساء لمقعد الوزارة، بالإضافة إلى مناصب أخرى لا تقل أهمية نجد داعية مثل عبدالله رشدى يحث الفتاة المصرية على أن تتزوج وتتفرغ لخدمة زوجها وألا تسعى إلى العمل، ثم يبدو من الغريب جداً أن يدافع عن نفسه بأن حديثه هذا كان جزءاً من حديث أشمل عن انتشار العادة السرية بين الشباب، وأنه كان ينصح الفتيات بالإقبال على الزواج وعدم العمل بحثاً عن حل لهذه المشكلة العويصة.
ولو عدنا لأصل ظاهرة الدعاة الجدد سنجد أنها نشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنها فى الغالب تبنت خطاباً أكثر تقدمية تجاه قضية المرأة المسلمة تأثراً بفكرة الإصلاح الدينى، وهو ما لا تجده لدى داعية مثل عبدالله رشدى، ليس له علاقة بالجماعة لكنه يتبنى موقفاً أكثر رجعية ومحافظة من المرأة، تأثراً بالتيار السلفى بشكل عام وببعض الآراء المحافظة داخل المؤسسة الأزهرية.
على مستوى السن فإن عبدالله رشدى يصغر بعض الدعاة الجدد بعقدين كاملين، فهو من مواليد العام ١٩٨٥، ولذلك فإنه يخاطب جمهوراً أصغر سناً من الجمهور التقليدى للدعاة الجدد، كما أنه يخاطب فئات اجتماعية أقل من تلك الفئات التى خاطبها الدعاة الجدد وعرفوها لأول مرة فى النوادى الاجتماعية والجامعات الخاصة وتجمعات الأثرياء، وبحكم التطور التكنولوجى فإن عبدالله رشدى لا يحتاج إلى قناة فضائية تتبناه وتفرضه على الجمهور كما فعلت قناة اقرأ مع بعض الدعاة الجدد، إذ يخاطب جمهوره مباشرة عبر صفحته على «فيس بوك» وعبر موقع «يوتيوب»، ويبدو جمهوره شبيهاً بعض الشىء بجمهور الفنان الجماهيرى محمد رمضان، من حيث حماسهم له، وارتباطهم به، وعدائهم لمن يناقشه فى أفكاره.
وفى طريقه لبناء شعبيته لا يبدو عبدالله رشدى فقط باحثاً عن الإثارة من خلال مناقشة الموضوعات الجنسية والاجتماعية المثيرة للجدل، التى يدور محورها حول المرأة وتحميلها مسئولية التحرش مثلاً، أو مطالبتها بالبقاء فى المنزل، ولكنه فى سعيه نحو الإثارة يقدم نفسه فى ثوب (أحمد ديدات جديد)، وديدات هو ذلك الداعية الهندى الذى دخل فى مناظرات عدة ضد قساوسة مسيحيين فى أوائل الثمانينات، وشاعت شرائط الفيديو التى تصحب مناظراته بين المصريين، إذ يعيد عبدالله رشدى إنتاج سيرته ويدخل فى مناظرات من على البعد مع المنتصر الشهير رشيد، وهى مناظرات لا هدف لها سوى حصد الشهرة والشعبية واللعب بالنار الطائفية، ويتسق موقف عبدالله رشدى من أصحاب الأديان الأخرى ومن المرأة مع الخطاب السلفى الذى يبدو متأثراً به أكثر من أى شىء آخر، وإن أعاد التأكيد على أزهريته وتبنيه للمذهب الأشعرى، وبشكل عام يبدو عبدالله رشدى شخصاً غير مسئول وداعية مراهقاً، ولاعباً بنار الطائفية والتمييز ضد النساء، وهو بكل تأكيد ما لا يحتاجه المجتمع فى هذه الأيام، لذلك يبدو غياب صوت عبدالله رشدى أفضل من حضوره بكثير.
نقلا عن الوطن