هل يرضى د.الطيب أن يقف الأزهر مع السلفيين لطعن الأقباط؟
بعد صعود التيارات الأصولية المتشددة، تشبث المصريون جميعا بالأزهر الشريف كمرجعية دينية وسطية، قادرة على إنقاذهم من سلاطين التحريم والتكفير والتنفير، تواكب ذلك فى مصادفة قدرية رائعة تتمثل فى وجود رجل مستنير يجلس على مقعد الإمام الأكبر وهو الدكتور الشيخ أحمد الطيب، وعلى هذا الأساس اعتبر الأقباط أن الأزهر هو السند القوى لهم، فى ظل ارتفاع أصوات صاخبة تكفرهم ليل نهار، فى تهديد صريح لأمنهم، واستباحة مجرمة لعقائدهم..
الأمر الذى كان واضحا فى تصريحات الشيخ ياسر البرهامى الذى وصفهم بالكفر الصريح فى العديد من القنوات الفضائية، وفى تأكيدات الدكتور عبد المنعم الشحات التى قال إن المسيحية منحولة من الوثنية، كل هذه الطعنات من السلفيين فى عز الظهر وعلى الملأ، دون اعتبار كلماتهم ازدراء لدين سماوى، الأمر الذى يتطلب محاكمتهم، على الفور لإيقاف بحر التنابذ الطائفى القادر على إغراق مصر فى ظلمات سوف تأكل الأخضر واليابس، وعلى الرغم من تجاهل هذه الإهانات التى لم تنقطع، بل تتكاثر بسرعة البرق، لم يصب الأقباط القلق أو الخوف، بل اعتاد الكثيرون منهم على الأمر ولم يأخذوه بمأخذ الجد، فقلعة الأزهر الوسطية معهم، وشيخه المستنير تحرك بسرعة بعد حادث كنيسة القديسين وأسس فكرة بيت العائلة المصرية، صحيح أن البيت بلا تأثير فعال حتى الآن بل ولم يسمع له أحد صوتاً أثناء قضية العامرية وفضيحة تهجير الأقباط لكن فكرته جميلة ولعل وعسى يأتى يوم ويصبح له سلطة تنفيذية تتيح له الفعل جنب البيان وطيب الكلام .
ولكن يبدو أن الارتكان إلى النوايا الطيبة والتعلق بالأزهر الشريف كان واحدا من الأحلام المخملية التى عاش فيها الأقباط حتى أتتهم اليقظة الكابوسية والتى بدأت بوسوسة وسوس بها الشيطان الخناس عندما تم تعيين الدكتور محمد عمارة رئيسا لتحرير مجلة الأزهر وهى المجلة الشهرية التى يصدرها مجمع البحوث الإسلامية، فالدكتور محمد عمارة معروف بتاريخه الطويل فى معاداة الأقباط وكتابه فتنة التكفير الذى اقتبس فيه تصريحا بقتلهم وحل أموالهم سوف يظل خيطا أسود عالقا فى أذهانهم، وإن كان الرجل فى العدد الأخير من مجلة الأزهر «جمادى الآخر 1433 هـ مايو 2012 م الجزء 6 السنة 85» قد جعل المانشيت الرئيسى للعدد عنوان يقول «البابا شنودة يشهد لتاريخ الإسلام» وأفرد نحو 9 صفحات ليدلل فيها على عمق تسامح البابا شنودة الثالث وثقافته التاريخية الواسعة مستشهدا بخطاب للبابا ألقاه أمام الرئيس السادات فى 11 أكتوبر 1977 وجاء كما يقول الدكتور عمارة شهادة من هذا الحبر الكبير للتاريخ الإسلامى فى الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين بل وشهادة للقرآن الكريم فى السماحة والإنصاف للنصارى، يضيف الدكتور محمد عمارة قائلا «ولأن الكثير من وسائل الإعلام تركز الضوء على عوامل الشقاق، وتتجاهل عوامل الوفاق ومنها هذه الشهادة الهامة للبابا شنودة لزم التنبيه على عناصر هذه الشهادة ليقرأها المسلمون والمسيحيون جميعا وليتعلموا الاحتفاء بأقوال العقلاء، بدلا من أقوال الدهماء» ولكن ياللعجب العجاب فيبدو أن الدكتور الذى يلوم وسائل الإعلام التى تركز على عوامل الشقاق على حد قوله والتى لاتتعلم وتحتفى بأقوال الدهماء، هى وسائل الإعلام التى يعظها لا التى يرأس تحريرها فعلى بعد صفحات قليلة وبعد أن يؤكد على سماحة البابا شنودة ينشر الدكتور عمارة مقالا قديما يثير الشقاق ويطعن فى العقيدة المسيحية، ويدلل على أن الدكتور عمارة لن يتخلى أبدا عن منهجه حتى لو نصح الآخرين وطلب منهم الاحتفاء بأقوال العقلاء.
والمقال الذى يعيد الدكتور عمارة نشره بلا مناسبة ولا يذكر مصدره عنوانه «الله» بقلم الأستاذ الدكتور نظمى لوقا، والذى كان معروفا بكتاباته الدفاعية عن الإسلام والتى أشهرها «محمد فى حياته الخاصة» و «محمد الرسول والرسالة» و«أبوبكر» وغيرها وقد كتب قبل رحيله كتابا بعنوان «حول مائدة المسيح» وكان يؤكد فى كل كتاباته الإسلامية على كونه مسيحيا، على الرغم من أن الكنيسة رفضت الصلاة عليه صلاة الموتى، والقارئ لمقاله «الله» الذى نشره الدكتور عمارة يجد فيه إنكارا للعقيدة المسيحية ورفضا لها فيقول «لايدع القرآن شائبة من ريب فى مسألة وحدانية الله فجاء فى سورة الإخلاص «قل هو الله أحد، الله الصمد» ولا فى تنزيهه عن الشرك والعدد «لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد» فى ذلك نقض لعقائد الشرك وتصحيح لعقائد أهل الكتاب أيضا فقد صار أتباع المسيح إلى القول بألوهيته وأنه ابن الله وأن الإله الواحد جوهر واحد له ثلاثة أقانيم هى الله الأب والله الابن وهو المسيح والروح القدس.. ولم يرد على لسان المسيح فى أقواله الواردة فى بشارات حوارييه الأناجيل إشارة إلى ذلك بل كان يدعو نفسه على الدوام بن الإنسان، وأما البنوة لله عز وجل فما ورد لها ذكر إلا على سبيل المجاز المطلق وبمعنى يشمل البشر كافة.. ويضيف ناهيك بعقول السواد ممن غبرت لهم فى الوثنية جذور عقلية وحسية منذ ألوف السنين كيف لا تنزلق إلى الشرك من باب هذا السر الذى يجعل من الواحد الفرد ثلاثة أقانيم» فهل لايجد الدكتور عمارة فى هذا المقال دعوة للشقاق وهى تؤكد على شرك المسيحيين وتطعن فى عقيدتهم بوضوح ومباشرة وبتجاهل لحقائق تغاضى عنها الكاتب الذى يجزم أنه النبوة لله لم يرد بها ذكر فى الوقت الذى يقول فيه إنجيل لوقا الإصحاح الأول الآية 35 «فأجاب الملاك وقال للعذراء الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله» أما بالنسبة لورود التثليث والتوحيد على لسان المسيح فجاء فى إنجيل متى الإصحاح 28 الآية 19 و20 «دفع الى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس» ألم يقل المسيح «أنا فى الأب والأب فى من رآنى فقد رأى الأب» هى آيات على سبيل المثال لا الحصر والأقانيم هى صفات جوهرية لله الذى يؤمن المسيحيون أنه واحد أحد كائن بذاته ناطق بكلمته المسيح كلمة الله حى بروحه القدس. وإن كان الرد على نظمى لوقا أو الدخول فى جدل معه أمرا بعيدا عن هدف هذا المقال الذى يطرح بالأساس أسئلة إلى الشيخ المستنير الدكتور أحمد الطيب الذى عهدنا فيه أن يجمع ولا يفرق، فهل تخدم هذه المقالة أهداف بيت العائلة المصرية، وما معنى اختيار مقال - لشخص ادعى أنه قبطى -يطعن فى العقيدة المسيحية ونشره فى مجلة مجمع البحوث الإسلامية الذى ترأسه والتى تحمل اسم الأزهر الشريف، فى نفس الوقت الذى يتشطر فيه السلفيون من كل صوب وحدب على المسيحية، ويكررون للأقباط صفات الكفر والوثنية فهل هو اتفاق على الطعن فى وقت واحد؟ لا أظن يا شيخنا الجليل أنكم تقبلون بذلك، فالأقباط الذين يعشمون فيكم خيرا، ويعتبرونك من الآباء الروحيين، الغيورين على وحدة مصر والرافضين للشقاق، فالفرق يجب أن يكون كبيرا.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :