د. مينا ملاك عازر
كان الشغل الشاغل لدى الخبراء السياسيون والعسكريون المصريون إبان نكسة يونيو -الله لا يعيدها أيام- هو، هل سنستطيع استيعاب وامتصاص الضربة الأولى ثم ردها بأحسن منها للعدو الإسرائيلي آنذاك؟ بغض النظر عن الإجابات والوعود التي خرجت من قيادة الجيش رداً على وعود القيادة السياسية، بأننا لن نكون البادئين أبداً في الضرب، وعلينا أن نعترف أن الإجابة التي قراء ناها من أرض الواقع أننا لم نستطع استيعاب ولا امتصاص الضربة الأولى للعدو، وبالتالي لم نستطع ردها بأحسن منها، وكانت هنا النكسة.
وإن كان البون شاسع بين الحالتين الأولى في الشرق حيث سيناء، والثانية في الغرب حيث ليبيا، كما أن البون كبير بين أن يتلقى جيشك بنفسه الضربة وأن يتلقاها جيش آخر حليف لك تعاونه وتعينه وتجعله يعدل من أوضاعه، لكن المسألة هنا حساسة، واسمحوا لي أن أكون دقيق في عرضي الجيش الليبي، مهما كان ليس مدرب بالشكل الكافي، بدليل الهزائم التي تلقاها في الغرب الليبي، خسرته الكثير من المواقع التي كانت بحوزته غرب ليبيا، والمرتزقة القادمون من شمال سوريا خبروا الحرب واختبروها، وواجهوا قوات عاتية، وهي القوات السورية المدربة والروسية الأشد تدريباً، كما يساندهم جيش تركي قوي مدرب متمرس في القتال، لا يمكننا أبداً الاستهانة بقدراته القتالية، وهو ما يعني أن الضربة الأولى التي ستوجه للجيش الليبي في محور سرت الجفرة ستكون قوية، ما لم يكن مستعد بشدة لتقليص خسائره فيها، وإن سلمنا أن جيشنا سيكون في منأى عن الضربة هذه، وسيدخل قادراً على الضرب، فالمأساة هنا تكمن في أمرين، أولهما إذا خسر الجيش الليبي خسائر من الأفراد والعتاد كبيرة كتلك التي خسرها في قواعده بالغرب الليبي فالأخبار تقول أنه ترك وراءه أسلحة روسية وفرنسية عالية الكفاءة وبكميات كبيرة جداً ما يعني أن مقاتليه ربما لا يملكون الدوافع القوية على القتال كنظرائهم الذين يدافعون عن الله بحسب تعليمهم ومفاهيمهم، المهم أننا بصدد الأمر الأول وهو الخسارة الكبيرة في العتاد والأفراد، السؤال هنا، هل نحن بجيشنا وبمدد من الخارج قادرين على تعويض الجيش الليبي الوطني خسائره؟ وهل نحن أو آخرون عوضناهم عما خسروه في الغرب الليبي؟
الأمر الثاني، اخترت أن يكون له موقف منفرد بفقرة منفصلة لأنه أشد خطورة، وهو إن خسر الجيش الليبي مواقعه بخلاف الخسائر في الأفراد والعتد، هل يمكننا استعادتها خاصة وإن تحصنة القوات المرتزقة وقوات حكومة الوفاق والجيش التركي في تلك المواقع، واختبائها وراء المدنيين، وانتبهوا هنا لنقطة غاية في الخطورة، وهي أن المسافة بين مصر وحدودها الغربية وسرت طويلة، بحيث تطول المدة لنقل الجنود والعتاد التي يمكن بها شغل الفراغ المتروك في المواقع التي سيخسرها -لا قدر الله- في مواقعه بالشرق، ما يتيح الوقت المناسب لتحصن الأتراك وزبانيتهم، أفهم تماماً أن الطائرات المصرية سيكون لها دور لكن الصراع الأرضي له وقعه وأهميته، فمهما فعلت الطائرات وكبدت من خسائر لكن الموقف في الحرب يحكمه السيطرة على المدن والأماكن الحساسة والهلال النفطي، في حالتنا والتحصن قل الخندقة بحيث تكون غير قادرة على زحزحته من مكانه.
الأسئلة هذه علينا أن نضعها نصب أعيننا، لا لنقلق، لكن لنفهم أن الحرب المقبلين عليها إن اشتعلت بغطرسة أردوغان المتوقعة، ورغباته التوسعية والإمبريالية، لن تكون سهلة، وإن كنت أتمناها قصيرة وحاسمة، أتمنى أن نكون البادئين في توجيه الضربات الحاسمة للحشود التي تقترب وتحيط سرت، على أساس أن موقفهم هذا، يعد في حد ذاته موقف عدائي غير مقبول، لكن أتفهم ظروف السياسة الدولية والتفاهمات والمواءمات، لكن لا أخفيكم أبداً القلق من أننا وللمرة الثانية نكون المنتظرين للضربة الأولى بكل ما يحمله هذا من معاني مقلقة لواحد خبر كارثة النكسة، ولا يتمناها تتكرر، بل ولا أتوقعها، ولكن ماذا أعمل في عشقي لهذا الجيش الذي أخشى أن يمس شعرة من شعر رجاله بسوء.
المختصر المفيد التاريخ مقلق بشكل عام.