* القمص "إبراهيم عبده" في حوار لـ"الأقباط متحدون":
* البابا "كيرلس السادس" ظهر لنا في السجن أثناء اعتقالنا في أيام "السادات".
- كل من يظلم الأقباط ربنا بينتقم منه.
- كان البابا المرشد الروحي لي إلى أن وصل إلى البطريركية.
- من هاجم البابا بعد نياحته يفتقد إلى أدنى قدر من الأدب.
- لا يمكن أن يتخلى الله عن كنيسته وأولاده.
- انتهى عهد أن تأخذ الكنيسة حقوق الأقباط.
- لم يحدث أبدًا في تاريخ الكنيسة أن يطلب بطريرك حماية دولية.
حوار- أماني سليمان تصوير- مايكل سليمان
عاصر ذكريات فترة تحديد إقامة قداسة البابا "شنودة الثالث" أثناء حكم الرئيس "السادات"، وتم اعتقاله ضمن عدد من الآباء الكهنة والأساقفة والأراخنة.. إنه القمص "إبراهيم عبده"- كاهن كنيسة الشهيد "أبي سيفين والقديسة دميانة" بـ"شبرا".. "الأقباط متحدون" أجرت معه هذا الحوار ليحكي لنا عن علاقته بالبابا "شنودة" وآرائه في أهم القضايا التي تشغل الأقباط في هذه الفترة..
* في البداية، ما هي حكاية أبونا "إبراهيم عبده" مع الرئيس الراحل "أنور السادات"؟
أصدر "السادات" أمرًا باعتقالي مع عدد من الآباء الكهنة والأساقفة والإخوة الأراخنة في 3 سبتمبر 81، وحدد إقامة قداسة البابا "شنودة الثالث" في الدير، وبناءًَا عليه قمنا برفع الصلاة للرب يسوع وعملنا 400 ميطانية، ولم نحدد هذه المدة إلى حين مجئ الجمعة العظيمة، وفي يوم 5 أكتوبر 81 كنا نصلي صلاة الساعة التاسعة، وحدثت المفاجئة العظيمة التي لم يعرفها أحد ويجب أن يسجلها التاريخ، وهي ظهور القديس العظيم البابا "كيرلس" لنا في السجن مبتسمًا وممسكًا بالصليب ويقول لنا: "القضية انتهت". وبعدها ذهبت لفتحة الزنزانة وتحدثت من خلالها مع أبونا "تادرس يعقوب" الموجود بزنزانة 17 عن ظهور البابا كيرلس، وأيضًا أبونا "لوقا تادروس" الموجود بزنزانة 15، وهو كاهن كنيسة "سبورتنج"، وبعدها سمعنا صوت عظيم يقول: خرج الأمر، وكنا واثقين إننا سوف نخرج بالفعل.
وقال لنا الأستاذ "محمود الجميل"- مأمور سجن المرج- المعتقلين فيه: يا جماعة غدًا العرض العسكري وسوف يقوم بزيارتكم الأنبا "صموئيل" ومعه شخصية كبيرة من وزارة الداخلية. وبعدها قلنا: غدًا سوف نكرم في حفل تكريم. وبعدما تم العرض العسكري فوجئنا بالضابط يقول لنا: إن الأنبا صموئيل اعتذر عن زيارتكم، وكان يوجد معنا صحفي شيوعي من "أخبار اليوم" اسمه "سمير تادرس"، وكان يفتخر بأنه شيوعي، وكان يقول: "أنا شيوعي متطرف". وبعدما أغلق مأمور السجن الباب تحدث الصحفي مع المأمور قائلاً: "السادات توفى في العرض العسكري"، فقال المأمور: "هذا الكلام خطير عليك، من أين أتيت به؟"، رد الصحفي: "أقطع ذراعي إذا ما كان السادات مات". وبعدها تحدّث مع المأمور بأن الجماعة الكهنة ظهر لهم البابا "كيرلس" وقال لهم: "القضية انتهت"، وبعد الحديث بساعة، قال لنا المأمور إن "السادات" مات في العرض العسكري، فكل الكهنة ابتسموا ولم يحزنوا عليه وإلا سنكون منافقين، حيث كانت الكلمة الشهيرة لـ"السادات" هي "أنا حاكم مسلم لدولة إسلامية" في البرلمان المصري.. كل واحد يظلم الأقباط ربنا بينتقم منه. وبعد ذلك وصل الرئيس "مبارك" إلى الحكم وبدأنا نخرج على دفعات.
* كيف تبدأ يومك؟
أنا أنام من 5 إلى 6 ساعات في اليوم، وبعد ذلك يكون اليوم كله إنتاج في الخدمة والقراءات الروحية، إلى جانب الأعمال اليدوية التي تخص بيتي، وهذا ليس على حساب خدمتي.
* ما هي حدود علاقتك بقداسة البابا "شنودة"؟
كنت طالبًا في الكلية الإكليريكية بالصف الأول، وصارت محبة بيني وبين البابا، بدليل أنه رشّحني كمسؤول عن الإشراف على تسكين الطلبة بكل المراحل في المبنيين، وهما المبنى القديم ويسكن فيه الأنبا "غريغريوس" والمبنى الجديد وكان يسكن فيه البابا، وكنت مسؤولاً عن إعطاء النقود للطلبة في الخدمة العملية في الأحياء، وكان البابا المرشد الروحي لي إلى أن وصل إلى البطريركية، وعندها تحدثت معه بحب قائلاً: "يا سيدنا أنا أثقل عليك وأقحم نفسي في وقتك اعطني حِلاً".
كان البابا شاعرًا بدرجة أولى، وأنا أحب الشعر، فتحدثت للبابا بدالة حب: يا سيدنا أتمنى أن أتعلم الشعر على أصوله، مثل بحور الشعر وتفعيلاته، فقال لي: "أنا مستعد"، وكان معي طالب من الكلية، وعلمنا البابا الشعر، وكذلك قدّمني إلى لجنة البر، وتحدثت معه عن الذكريات القديمة وقت أن كان مديرًا للكلية الإكليريكية ويعلمني الشعر، فقال لي: "أنت لسه فاكر يا أبونا؟ هو أنا علمتك الشعر في بحر أد إيه؟"، وحدثت المفاجئة التي لم تخطر على بالي أن سيدنا البابا طلب مني أن أقول شعرًا في نفس الوقت، وبالفعل قلت: "غالي عليا يا أغلى من روحي وعنيا *** بهذا اليوم بشهدلك يا أروع ما شافت عنيا"، وصفق الكل، وقدم سيدنا لي تفاحة من طبق كان بجواره، حيث كان يتمتع بكاريزما تجذب الناس إليه.
* كيف ترى علاقة البابا بالرموز الدينية؟
كانت علاقة ممتازة جدًا، وكانت لشيخ الأزهر الراحل الشيخ "طنطاوي" علاقة حميمة بالبابا، إلى جانب علاقاته مع المفكرين الإسلاميين، وبعد نياحته ظهرت هذه العلاقات الطيبة بكل الفئات وباختلاف أطيافه.
* ما رأيك في الداعية الإسلامي الذي هاجم البابا بعد نياحته؟
هذا الإنسان يفتقد الحد الأدنى من الأدب، حيث يقول الإسلام اذكروا محاسن موتاكم.. هو كسر هذه القاعدة لكي يهاجم رمزًا وطنيًا دينيًا حافظ على أمان مصر أكثر من 40 عامًا.
* وما رأيك في جنازة البابا؟
الدكتور "يحيي الجمل" نائب رئيس الوزراء الأسبق قال في مقال له إن"مصر" لم تشهد جنازة لأحد أبنائها مثلما شهدت في جنازة البابا و"جمال عبد الناصر".
* ماذا لو وصل الإخوان إلى الرئاسة؟
للرب الأرض وملئها، والله هو ضابط الكل، وأنا لا أخاف من أي إنسان يمسك الحكم لأني أثق في الله الذي خلصني بدمه، ولا يمكن أن يتخلى عن كنيسته وأولاده.. كان غيرهم أشطر.. لا يوجد من يملك أن يعمل في الكنيسة شيئًا، والذي يفكر سوف تطبل على دماغه مثل ما حدث مع "السادات"، وأيضًا يذكر أيام "حسني مبارك" و"حبيب العادلي"، وحدثت مهازل للكنيسة والمسيحيين آخرها حادثة القديسين، وقبل أربعين الشهداء كان الرئيس والحكومة في السجون في مهانة ومذلة.
* ما هو وضع الأقباط قبل 25 يناير وبعدها؟
قبل 25 يناير كان الأقباط تحت حضن الكنيسة، وعندما يحدث شئ كانوا يلجأون إلى الكاتدرائية ويتظاهرون داخلها، ولكن بعد الثورة الأقباط لم يلجأوا إلى الكنيسة نظرًا لقيام الثورة، ويقولون من حقنا أن نعبّر عن أنفسنا بطرق سلمية، وبالتالي انتهى عهد أن الكنيسة تأخذ حقوق الأقباط، فنحن مصريون من الدرجة الأولى حتى النخاع ولسنا أهل ذمة، لسنا مواطنين من الدرجة الثانية، بدليل أن البطريرك كان يعلم كل المفكرين في "مصر" دون استثناء، وكلهم أكدوا هذا بقوله الشهير: "مصر ليست وطنًا نعيش فيها بل وطن يعيش فينا".
* ما رأيك في فكرة وجود حزب قبطي؟
من حق الأقباط أن يكونوا حزبًا دينيًا لأن الدولة سمحت لأحزاب دينية أخرى مثل حزب "الحرية والعدالة" و"النور" السلفي و"الأصالة"، فإذن: ما المانع؟
* بماذا تطالب في وضع الدستور؟
البابا كان يقول يجب أن يحتكم الأقباط إلى شرائعهم الدينية، حيث لنا شريعة في الأحوال الشخصية نحاكم بها وليس شريعة أخرى، لأننا مواطنون مصريون.
* من ترى الأفضل للبابوية بعد البابا "شنودة"؟
المسيح راعي الكنيسة، والله عيناه تخترقان أستار الظلام، وهو الذي يعرف من هو الشخص المناسب لكل وقت.
* ما رأيك في مواقف البابا تجاه حل مشاكل الأقباط؟
البابا أخذ مواقف صارمة جلبت له مشاكل عديدة، ففي حادثة حرق كنيسة "الخانكة" أرسلني البابا أنا والآباء الكهنة والأساقفة مع أربعة أتوبيسات لكي يطمئن على الكنيسة ونصلي فيها، وبعد انتقالنا جاء الأمن ومنعنا من زيارة الكنيسة، ولكن رغم أنف الحكومة لم نلتفت إليهم وسيرنا على الأقدام إلى الكنيسة بمظاهرة عظيمة، وكانت حوالي 200 كاهن بالجلباب الأسود، وبعد ذلك توالت الأحداث، وجاءت أحداث "الزواية الحمراء"، و"السادات" اغتاظ من البابا، وبعدها أصدر "السادات" أمرًا بالتحفظ على البابا.
وأذكر أن البابا أصدر أمرًا بالصوم ثلاثة أيام بخصوص حد الردة الذي كان يُقال أنه سوف ينفّذ، فقال البابا: هذه الحدود تنفذ عليكم وليس علينا لأن ديننا ليس به حدود.
* وكيف ترى الموقف من طلب الحماية الدولية الذي كان محل جدل في الفترة الماضية؟
هذا لم يحدث أبدًا في تاريخ الكنيسة أن يطلب بطريرك حماية دولية. وأنا قلت على المنبر: إياكوا تفتكروا أن أمريكا وأوربا سوف تحميكم في يوم من الأيام لو دخلوا مصر، فهذا سيكون لمصالحهم الشخصية وليست مصالحنا كأقباط، بالإضافة إلى أن من تقدم الضوء الأخضر للإخوان المسلمين في الحكم هي "أمريكا"، وهذا معلن من خلال اللقاءات التي نسمع بها، فإن حمايتنا هي بالرب يسوع المسيح.
* هل كنت تعرض مشاكل خدمتك على قداسة البابا؟
أنا لم أعرض مشاكل على البابا نهائيًا، لأن الله دعا رجلاً لخدمة الكهنوت وليس طفلاً، فإن المشاكل الصعبة تُحل بالصوم والصلاة.
* وماذا عن مشاكل الافتقاد؟
هذه مشكلة يمكن حلها بتشكيل لجان للافتقاد، وأي كلام خارج عن هذا فهو ليس عملي، نظرًا لأن الآباء الكهنة لديهم مشاكل الشعب الأسرية التي لا تنتهي غير الوعظات والمناسبات، بالإضافة إلى أن الكاهن له حياتة الأسرية التي أوصى بها الإنجيل بأن الذي لا يهتم ولا سيما بأهل بيته فقد أنكر الإيمان.
الكاهن يجب أن يتحدث مع أسرته بصفة مستمرة، وإلا يكون لا يخدم بطريقة صحيحة، فمعظم الحالات التي تذهب إلى ديانة اخرى بسبب الحب والعواطف وليست لأن الدين فيه شئ غير صحيح، وأتحدى أي شاب أو فتاة تقول عكس هذا الكلام.
* هل ترى أن الأقباط يأخذون حقوقهم في "مصر"؟
بالطبع لا.. في كل شئ. على سبيل المثال، أنا تحدثت مع 2 ضباط من أمن الدولة في الجهاز السابق حينما كانوا معي بكنيسة "أبي سيفين" بـ"شبرا"، تحدثنا في حوار استمر ساعة ونصف بخصوص هذا الشأن، وسألوني عن رأيي في قرار الكونجرس الأمريكي الخاص بالأقليات، وقلت لهم: ليس شأني، هو أنا أمريكاني؟ فقال الضابط بصراحة: هل هناك اضطهاد للأقباط والأقليات في "مصر"؟ وتحدثت معهم في شقين: الأول وهو أننا لم نكن أقليات؛ لأن تعدادنا في هذا الوقت حوالي 14 مليون نسمة، وهذا يفوق 3 دول عربية مجتمعة مثل "ليبيا" و"الأردن" و"تونس" تقريبًا، والشق الثاني أن فرص دخولنا في المناصب الحكومية ضعيفة، بالرغم من أننا ذو كفاءات ومهارات عالية.
* ما هي الكتب التي كان يحبها البابا وكانت من أعمالك؟
أنا قمت بتأليف كتب عديدة، وآخرها كتاب "أمثال السيد المسيح" وكان جزئين، كانا يتواجدان بمكتبة المحبة وكنيسة "أبي سيفين" فقط لا غير، وكذلك كتاب اسمه "الزيارات الأسرية"، وهذا الكتاب تحديدًا أُعجب به قداسة البابا "شنودة" لأنه كان يتحدث عن كيف تكون الزيارات الأسرية بناءة وليست هدامة، وماذا يكون موقفه من الزائرين غير المرغوب فيهم.
وأيام الاعتقال قمت بتأليف كتاب عن "مدرسة الضيقات"، وكنت أتحدث عن أسبابها ومصادرها وكيف يتصرَّف الإنسان إذا وقع في ضيقة.
* كم عدد الفقراء في كنيسة "أبي سيفين" التي تخدم فيها تقريبًا؟
في ظل الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها "مصر" فالفقراء في زيادة مستمرة، والكنيسة بها (200) أسرة تحتاج باستمرار، وبالتالي تخصص الكنيسة لهم مبالغ شهرية، إلى جانب المستلزمات الغذائية وغيرها.
* ماذا يوجع ويحزن أبونا "إبراهيم"؟
أنا أخشى جرح الناس، وخاصة الفقير المسكين، وهذا الفكر أخذته من الرب يسوع. على سبيل المثال، المرأة السامرية الزانية الله لم يجرحها، بل قال لها: يا امرأة، أما دانك أحد؟ وأنا لا أدينك. إذن كان ممكن أن يوبخها، ولكن بحبه المغمور خشى أن يجرحها. وكذلك أخش أن يعنف الكاهن أولاده، وإذا لزم الأمر يجب أن يكون لطيفًا معهم لكي لا يصطدم بالكهنوت ولا يخسر الكنيسة.
* في النهاية، بماذا تنصح الأقباط الآن؟
1 – التمسك بالرب يسوع والثقة فيه، لأنه هو صمام الأمان.
2- من الناحية السياسية نحن مواطنون من الدرجة الأولى وليست الثانية، وهموم الوطن في داخلنا. ومن منطلق هذا تقوم كنيسة "أبي سيفين" بإقامة صلاة كل يوم سبت الساعة السابعة والنصف من أجل "مصر" والكنيسة لكي تعبر بسلام.