بقلم : محمود عزت
 
أحبته حبًا عميقًا يفوق الخيال، فكان فارس أحلام يقظتها وحلمها، وكانت كلما تصورته مسَّتها قشعريرة تستعذبها وتتمنى استمرارها.
 
كان عشقها له عشق بكل الحواس، فإذا أغمضت عينيها رأته بقلبها، وإذا أستيقظت في الصباح لا ترى شيئًا قبله، حيث تلقي عليه التحية وتقبل صورته برومانسية، وهي الصورة التي تمكنت من الحصول عليها خلسة من ألبوم ضم صور عقد قران صديقة مشتركة لهما حضراه معًا دون ترتيب! وتمنت أن يجمعهما حفلاً مماثلاً عروسًا وعريس.
 
كانت الثقة تملأها بحبه، وأن هذا الحب متبادل بينهما دون كلمة من أيًا منهما للآخر، فالحب يموت حين يقال كما جاء في شعر نزار قباني، وهي واثقة أنه يحبها كما هي تحبه. ويحمل من مشاعر الحب الدافئة ما تحمله في قلبها له!
 
كانا يتقابلان في مناسبات عديدة، كانت هي التي تسعى إليها بكل قلبها، وهي التي تختلق الأسباب والمناسبات لتلقاه، فإذا جلسا معًا... أسّرت إليه بكل ما تود إلا حبها له... وتمر الساعات وكأنها ثواني بلا شعور بالوقت مهما طال... يتبادلان أطراف الحديث في سعادة بالغة، حتى إذا جاء وقت الرحيل هاجمها الحزن لهذا الفراق، آملة في لقاء جديد تصطنع مبرراته وظروفه!
 
وجاء موعد تحقيق الحلم الذي طالما كانت تراه كل ليلة، أن يتقدم إليها رسميًا بطلب يدها لتكتمل سعادتها. سعت للقائه كعادتها. هاتفته طالبة رؤيته في أقرب فرصة، فقد تم ما كانت تنتظره، فقد عُيّن وكيلاً للنائب العام... إذًا كل شيء قد حضر !
 
سارع بتلبية دعوتها للقاء في المكان والموعد المتفق عليه.
 
بادرته: خلاص تم المراد وأصبحت الآن جاهزًا للتقدم لي رسميًا؟! طبعًا هذا أمر يشرفني ويتمناه أي شاب أن يرتبط بإنسانة جميلة ورقيقة مثلك. ولكن هذا لم يكن في حساباتي أيتها الصديقة العزيزة.
 
أستمعت إليه وكاد أن يغشىَ عليها من هول ما يقول، وخرجت كلماتها وكأنها تبكي: ماذا تقول؟ ألم ننتظر هذه اللحظة منذ تعارفنا؟ 
 
رد مستنكرًا وكأنه يلقي عليها قرار محكمة: لا يا صديقتي العزيزة... قالها وكأنه يؤكد حقيقة مشاعره تجاهها، فهي بالنسبة له صديقة عزيزة!!
 
وأردف قائلاً: ربما أنتظرتِ أنتِ هذا، ولكنني لم أفهم طوال فترة صداقتنا أنه من الممكن أن يجمع بيننا عش الزوجية!
 
ظلت تستمع إليه شاخصة بعدها، صابرة على لآم طعنها من الحبيب بدم بارد، وصرخت صرخة محدودة تستنجد بذاكرته وذكائه الذي تصورته بلا حدود.، أنسيت لقاءاتنا المتعددة وأحاديثنا المطولة، وجلساتنا التي كانت الجنة بالنسبة لي.!
 
هل تتجاهل كل ما كنت أبذله حبًا وعشقًا لك من رعاية، وتخفيفًا لما كنت تعانيه من مشاكل أحيانًا في محيط أصدقائك أو أسرتك؟!
صحيح إنني لم أقل كلمة أحبك احترامًا لتقاليد مجتمعنا واعتمادًا على فطنتك وذكائك، ولكن كل مَ رآنا يعرف أنني لك وأنك لي.
 
حملق فيها قائلاً: أسف يا صديقتي... أعتذر عن عدم بصيرتي.. أتركي لي بعض الوقت حتى أستعيد توازني بعد إعلانك المفاجئ، لعلي أتخذ قرارًا في هذا الأمر!
 
أفترقا... صُدمت من هذا الحبيب الذي لم يفهمها، ولم يشعر بمشاعرها وقررت ألا تراه أبدًا ولن تعود إليه مرة أخرى، فهو لا يستحق مقابل جحوده منها سوى الإهمال والجحود وأن تحفظ كرامتها وألا تنتظر قراره في هذا الأمر، حسب كلامه البارد الخالي من دفء الإحساس بالحب.
 
وحدّثت نفسها في طريق عودتها إلى منزلها: فلتذهب إلى الجحيم يا حبيبي وليذهب معك قلبي الذي أحبك إلى نهر الحب، فهو ليس قلبي بل خطيئتي التي ألتمس لها الغفران.
 
مرت أيام وراء أيام وسنوات وراء سنوات تقدم لها خلالها عريس، قبلت الزواج منه فورًا ودون تفكير، كأنها ترغب في دفن حبها الأول نهائيًا، ولم يعد لديها لهذا العريس سوى التعاطف وليس الحب، بالطبع فلقد ذهب مع قلبها أدراج الرياح!
 
وكان زواجها انتحارًا أو نحرًا لحبها الأول، فإذا كان الانتحار بقتل النفس محرم شرعًا وقانونًا، فإن انتحارها بهذا الزواج ليس كذلك!! هكذا حادثت نفسها!
 
وتم الانتحار..وكان زوجها إنسانًا طيبًا بشوشًا كريمًا وسيم الطلعة، أنيق الملبس.. إذًا هو ما ينطبق عليه عريس الغفلة اللقطة!
 
ولكنها كانت تنظر إليه من حل، فهو رغم مظهره ووسامته وأناقته أجوف العقل، قليل الثقافة، ضعيف الثقة بنفسه.. بينما هي تتمتع بعقلية منفتحة وثقافة رفيعة، تثق بنفسها.
 
وهو لا يفكر إلا في ذاته ومتاعه الشخصي، يمر العالم كله من خلاله، ولا يهمه إلا ما يشبع رغباته لدرجة الشره.
 
ولا يشاركها –ولعلها كانت تتمنى هذا- في حبها للثقافة والفنون وحضور عروض الموسيقى والذهاب للمسرح والسينما، لا يكترث بها، عندما يصاب بمشكلة يصب عليها جام غضبه، فهي السبب في مشاكله. ودائمًا ما يلقي عليها باللائمة في كل ما يصادفه من سوء حظ، ويعلق خيبته على شماعة عدم حكمتها وغبائها.
 
ملأ هذا الزواج حياتها بالتعاسة والاكتئاب، فلقد أهمل مظهره ولم يعد وسيمًا كما كانت تراه في بداية زواجهما، وزاد وزنه بسبب حبه للطعام والشراب حيث كان بتفنن في التهام كميات ضخمة من الطعام بنهم شديد!
 

عاشت لأولادها ثمرة هذا الزواج التعيس، بعيدًا عنه بعقلها وقلبها بل وجسدها وتتذكر بين الحين والآخر الحبيب الأول!!