بقلم : د.جهاد عودة
فى جلسة سرية قام مجلس النواب بالنظر بالموافقة على إرسال بعض عناصر من القوات المسلحة المصرية فى مهام قتالية خارج البلاد. وعملًا بحكم المادة 152 من الدستور والمادة 130 من اللائحة الداخلية للمجلس، دعا الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس أعضاء المجلس للانعقاد في جلسة سرية حضرها 510 من أعضاء المجلس، وذلك مساء الإثنين 20 يوليو الجاري، للنظر في الموافقة على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية، للدفاع عن الأمن القومى المصرى فى الاتجاه الاستراتيجى العربى ضد أعمال الميلشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية إلى حين انتهاء مهمة القوات.
وحضر هذه الجلسة التاريخية وزير الشؤون المجالس النيابية المستشار علاء فؤاد واللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع. وخلال هذه الجلسة تم استعراض مخرجات اجتماع مجلس الدفاع الوطني الذى عقد برئاسة رئيس الجمهورية، والتهديدات التى تتعرض لها الدولة من الناحية الغربية، وما يمثله ذلك من تهديد للأمن القومى المصرى. وثمن وأيد مجلس النواب رئيسا وأعضاء الجهود المبذولة من القوات المسلحة درع الأمة وسيفها، ورعايتها الأمينة للثوابت الوطنية والعربية والاقليمية، فلا الشعب يومًا خذل الجيش، ولا الجيش يومًا خذل الشعب.
وأكد مجلس النواب أن الأمة المصرية على مر تاريخها هى أمة داعية للسلام، لكنها لا تقبل التعدى عليها أو التفريط فى حقوقها، وقادرة بمنتهى القوة على الدفاع عن نفسها وعن مصالحها وعن أشقائها وجيرانها من أى خطر أو تهديد، وأن القوات المسلحة وقيادتها لديها الرخصة الدستورية والقانونية لتحديد زمان ومكان الرد على هذه الأخطار والتهديدات. وقد وافق المجلس بإجماع آراء النواب الحاضرين على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية فى مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية، للدفاع عن الأمن القومى المصرى فى الاتجاه الاستراتيجى الغربى ضد أعمال الميلشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية إلى حين انتهاء مهمة القوات.
كانت خلفية هذا القرار خلفية تاريخية تتمثل فى خبرات الثلاثة رؤساء جمهورية المصريين وهم من صاغوا افكار الحرب والسلام المصرية. أولهم جمال عبد الناصر وكانت الخبرة الرئيسيه له : لا تتفاوض الا تحت الاضطرار أدى هذا الى اصطياده عسكريا واستراتيجيا والتفاوض سرى فى الاغلب الأعم والقدرة المستمرة على الصمود.
ثانيهما هو السادات هو بطل الحرب المحدودة المنتصرة والتفاوض العلنى طويل المدى واللعب على المتناقضات الحاده. وهذه التناقضات الحادة والتى تم استغراقه فيها أدت الى اغتياله . وثالثهما مبارك وكانت علامته الاستراتيجية هي التجنب والانتظار الاستراتيجيين ، ولم يكن يجيد معرفة متى يتحول الانتظار الى نتيجة سالبه صافيه استراتيجيا ، هذا فضلا على تحويل اجهزة المعلومات من ادوات استراتيجية الى شركاء فى ادارة الدولة.
استراتيجية مبارك أدت الى اشتعال الغضب الجماهيرى الشبابى للطبقه الوسطى والى الاختراق الخارجى العميق ما أدى الى سقوطه . فى قول اخر ، جاء الرئيس السيسي الي الحكم فى سياق تصور استراتيجى مختلف بسبب تكالب الاثار الضاره من الثلاثة نظم الوطنيه السابقه. والتى عكست بشكل جلى عدم القدره على استكمال اى من الاهداف التى رصدتها هذه النظم مما ادى الى خلق ازمات ممتدة على كل الجبهات الداخليه والخارجيه وعلى الحدود. وطرح السيسي سؤالا هو ما العمل؟ وجاءت الاجابه فى اتجاهين : أولهما ، اعادة خلق اتزان جديد غير شعبوى او طفيلى للدوله والمجتمع، وثانيها ، خلق مفهوم الامة المحاربة التى ليست فقط قادرة على رد العدوان ولكن ايضا قادرة على خلق مساحات جديدة للتغلب الاستراتيجى عبر الحدود.
وهاجم السيسي العناصر الموروثة للجيوبلوتكس المصريه. تمثلت عناصر الجيوبلوتكس المصريه العليلة فى ثلاث معضلات : أولاها: معضلة المساحه ،حيث كانت تعرف مصر بأرض فارغه الا من النيل وقراه ومدن وقناة ومدنها . خلق عبد الناصر امتدادات عمرانيه ولكن لم تكن كافيه و خلق السادات محاور اقليميه ولكن لم تكن ناجحه ، وخلق مبارك محاور تنمويه ولكن لم تكن فالحة. أما الرئيس السيسيى فخلق محورا استراتيجيا جديدا يتمثل فى العاصمه الاداريه المرتبط بخطة قومية للطرق والاتصالات والمواصلات. الامر الذى ساهم فى اعادة هيكلة المساحه المصريه بشكل جعل مصر فى وضع استراتيجى جديد. ثانيها: معضلة السكان، حيث تمثلت معضلة السكان فى عنصرين اساسيين اولهما سرعة تزايد السكان ما الى بطء وعجز التكوين العلمى والادارى والفنى للطبقه الوسطى ونخبها. فى اطار هذا شاهدنا ميراثا من العصور السابقه فى انهيارات وانحرافات مجتمعيه عميقه. وواحدة من المعضلات السكانية مرتبطة بالبناء العشوائى.
أوقف السيسي كافة اعمال البناء العشوائى وطور بشكل جذرى التعليم فى سبيل اعادة هيكلة العلاقة بين المساحه والسكان. ثالثها، معضلة تصور النظام الدولى والعالمى. مع السيسي تم الاعتراف بأن العالم يواجه عددًا متزايدًا من التهديدات الجيوبلوتكيه المترابطة. إن سياسة العقوبات الأمريكية ، والثورات المتوفقه ، والحمائية ، والاختلال الرقمي ، وتغير المناخ ، والعنف السياسي ، وقوى الاضطراب الأخرى ، أدخلت مستويات غير مسبوقة من التقلبات الاستراتيجية . لن تأتي بعض أسوأ الاضطرابات التجارية في عام2019 - 2020 من الحروب التجارية أو الهجمات الإرهابية وحدها ، تقاطع هذا مع العديد من المخاطر الجيوبلوتكيه. إن المخاطر الكامنة في الاتجاهات التي تشكل العالم اليوم تأتي من عدم قدرة الحكومات على توقع وإدارة التغييرات القادمة بشكل فعال بطرق تحفظ أو تخلق الأمن والازدهار لمواطنيها. تعمل قضايا مثل تغير المناخ والاضطراب الرقمي والهجرة كمضاعفات تهديد في عام 2020 ، ولكن عددًا من التهديدات الخاصة بكل بلد تعقد لوحة الشطرنج العالمية أيضًا.
لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين حول تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، ولا تزال السياسات الأمريكية متصدعة ، والقيادة العالمية في حالة تراجع حيث إن رؤساء الدول من أمريكا الشمالية إلى آسيا غارقون في الأزمات الداخلية. تزداد الصين جرأة في سعيها لترسيخ مكانتها كقوة عظمى دولية. وواصلت روسيا توسيع نفوذها ، بينما يزداد التوتر بين السعودية وإيران في الوقت الذي يقاتلون فيه من أجل السيادة في الشرق الأوسط. وارتفع عدد الثورات والحروب الاهليه في جميع أنحاء العالم . كل هذا مجتمعا يقود تحولا هائلا في النظام العالمي. لهذا كله اصدر السيسي قرار اعادة تنظيم الدولة وهو القرار الذى صدر فى تنظيم الدفاع عن الدولة فى 2020.
مصر تعلم ان الزمن الحالى ليس زمن النضال العالمى ولا زمن الهيمنة العالميه ولا زمن التحولات الاستراتيجيه الكبرى . هو زمن التشتت الاستراتيجى وبالتالى زمن الحفاظ على الدوله ومجالاتها الجيوبلوتكيه والاستراتيجيه وتعظيمها، لان هذا الحفاظ هو الذى يسمح باعادة هيكلة عميقة لديناميات الدولة والمجتمع، وبالتالى خلق دولة مصرية جديدة.