الأقباط متحدون | "ميموار"
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٣٠ | السبت ١٢ مايو ٢٠١٢ | ٤ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٥٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

"ميموار"

السبت ١٢ مايو ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: تريزا جبران


كان المقهى مزدحما بالناس، دخلت من الباب و عيناها تسبقها تبحث عن كرسي خال... وجدت ركن مناسب ليس حوله الكثير من الرواد. فهى لا تحب الزحمة الاجبارية و ان كانت تستطيع ان تزحم عالمها بالكثير و الكثير من الأشخاص و الأحداث و القصص.
جلست ثم أخرجت أوراقها و قلم و أخذت تكتب . مر بعقلها خاطر : لماذا تكتبين؟ ماذا تحدث الكتابة من أثر أو فارق خاصة ان كنتى بدأت الكتابة فى عمر كان الآخرون قد انتهوا من قول كل شيء.
لم تجب عن هذا السؤال و استمرت فى قراءة بعض الأخبار و تدوين بعض الأمور . جاءها النادل و سألها فى ابتسامة مصطنعة و عيون تجول في وجهها كأنما تحاول أن تعرف أى نوع من الزبائن قد تكون. 


-        صباح الخير يا فندم. ماذا تشربين؟
-        قهوة اسبرسو دوبل من فضلك
-        تحبي شيء آخر معه ؟
-        لا شكرا
-        يوجد لدينا بعض من الكيك الطازج  و ...
-        فقط الآن أريد الاسبرسو و سأري قد أريد شيئا آخر لاحقا
-        تمام يا فندم


ثم انسحب الي مطبخه و رجعت بعيونها الي هذا الركن الذي تجلس فيه وحدها .. ثم الي طاولتها و ما عليها من اوراق
أمسكت بالقلم و حاولت ان تكتب شيئا في سرعة الواثقين كأنها تعرف ماذا تكتب . الا انها لم تعثر فى داخلها عن هذا الالحاح الذي يسمونه وحيا أو شيطانا كما يحلو لهم. 


أمسكت جبينها بيدها اليسري كما لو كانت تقلب الأفكار داخل رأسها عسي ان تعثر علي هذا الحافز. اثناء ذلك جالت بعيونها كشأنها دائما لتشاهد من هم حولها.  بدأت تسمع ضوضاءهم لأول مرة . صوت أغنية ما يشغلها المقهى لكن لم تركز ماهى تلك الأغنية، أصوات أحاديث ، اصوات تقليب المشروب و أطباق و ضحكات و بكاء طفل.  سمعت صمت بعضهم و هو يمسك بجريدة مدفساً رأسه فيها كما تفعل السلحفاة برأسها داخل بيتها الحجري . دققت النظر فى وجوه هؤلاء الأشخاص : ايماءتهم، نظراتهم، طريقة جلوسهم تاركة لحدسها أن يخبرها بما قد يكون وراء تلك الوجوه ....
جاءها النادل بالاسبرسو ، وضع القهوة بينما كان ينظر خلسة في تلك الأوراق ثم انصرف سريعا كأنه استشعر أنها ليست من الزبائن الذين سوف يستلطفون الفضول أو ينشبكون فى ابتسامة يعقبها أسئلة ...


يبدو أن الكل يبحث عن قصة ما او لديه فائض من الوقت يود أن يمليه بحكايات الآخرين...
اخذت رشفة من الاسبرسو الموضوع داخل طبق صغير خاص به و بجواره قطعة من الشوكولا الغامقة
ثم بدأت تكتب عنوان ... أيكتبون اولا أم يضعون عنوانا ثم يكتبون ؟ 
كتبت آسفة عزيزى ثم مسحتها و كتبت الزائر ثم كتبت الوجه الآخر للحب
لم يعجبها اياً من ذلك
أخذت رشفة أخري و إذا بالنادل يأتي نحوها في خطوات مترددة خفيفة كمن يخشي ان يوقظ الآخرين و انحنى فى سؤال و هو متأسف
-        عفوا سيدتي.. اتنتظرين أحداً؟
-        لا ... فيم السؤال؟


-        عفوا مرة أخرى و اعتذر لكن لا يوجد مكان شاغر بالمقهى و هناك شخص يود الجلوس.. حاولنا أن نثنيه أو ان نبقيه منتظرا الا انه أبي . أيستطيع أن يجلس بجوار حضرتك؟ اتأسف يا فندم
-        نظرت اليه بجمود مسيطرة علي غضبها .. بحثت عن كلمة تجاوبه بها فى أدبٍ و فى نفس الوقت تفهمه بها انها غاضبة من هذا العرض.
قبل ان تفتح فاها للتكلم برزت لأذنيها تلك الأغنية التى يديرونها فى المقهى  . كانت أغنية : أنساك.. لأم كلثوم ... و كانت تشدو وقتها مقطعا ما تقول فيه أحب تانى ليه... أهو دة اللي مش ممكن أبدا!...  ليه؟ أبدا.... هاتين الكلمتين هما ما كان لهما صدي فى ذهنها
-        ان كان هذا هو ما تقدر علي فعله فليتفضل اذا و لكن لا اريد ازعاجا
-        أشكرك يافندم علي تفهمك و أعدك ان صدر شيء ما يزعجك سأتكفل به بنفسي . و سوف أحضر قطعة من الكيك الطازج تحية من المقهى لحضرتك
-        رسمت على وجهها ابتسامة المضطرين و لاحقته كيما تري من هذا الدخيل . رأته رجلاً  يرتدي معطفاً واقيا من المطر . تعجبت اذ لا توجد اى بوادر لأي سقوط للأمطار. اخذوه منه فظهر ملبسه. كان يرتدي قميص اسود به خطوط ذهبية و أخري نارية و بنطلون اسود يبدو ان نسيجه ناعم الملمس لامعا و ساعة ذهبية اللون تبدو جديدة من البريق الذي تحدثه و حذاء ذو نعل خاص كحذاء السفاري الذي يحمي من يرتديه من ان ينزلق ...
-        قالت في نفسها . هذا تماما ما كان ينقصنى .. انسان مجنون لا يرتدي اي شيء متناسق غير مدرك لعلامات الزمن  . و ان كان يرتدي هذه الساعة العجيبة
-        تقدم هذا الرجل و جلس بمساعدة النادل .. جلس و هو ينظر اليها كمن يقرأ عنوان كتاب قبل أن يقرأه
-        اشكرك .. المقهى مزدحم
-        هى فى ضيق: أري هذا


-        انا فى طريقي للمحكمة  و أمامي نصف ساعة كان لا بد ان احتسي فيها بضعا من القهوة . في حاجة شديدة لتركيز
-        لم تجب و نظرت الي اوراقها فى رسالة غير شفوية تعنى: لا أريد الحديث
-        تقدم النادل الذي كان واقفا يشاهد الموقف كمن يختبر ان كان بناء ما سينهار سريعا أم لا
-        ماذا تريد أن تشرب سيدي ؟
-        اسبرسو من فضلك .. نعم .. و لا اريد كيك
-        نظرت اليه سريعا و حرصت أن ترمقه بنظرة المستغرب الممتعض
-         آه ... لا شيء مثل الاسبرسو. كافيين سريع .. اسبرسو . هاهاهاها
-        أتأسف مرة أخري ان كنت ضايقتك
-        لا بأس
-        هل تأتين الي هذا المقهى كثيرا ؟
-        ...
-        عفوا ... هل تأتين الي هذا المقهى كثيرا؟


-        ربما
-        احبه جدا . و ان كانوا دائما يذيعون أغاني قديمة . كتلك التى نسمعها. أنسيته؟
-        نعم؟
-        أو تتفقين معها انها لن تنساه؟
-        فى استنكار: ماذا تقول ؟
-        ابدا اسألك عن الأغنية
-        هل تفضلت بعدم طرح اسئلة لأنى اكتب فى استرسال منذ الصباح و لا اريد ان تنفطع افكاري و لا اريد المزيد من الازعاج ان سمحت
-        اعتذر.. هل انتى كاتبة؟ و لكنك ليست لك ملامح الكتبة . فملامح وجهك لم يعلوها وجوم التجارب بعد و اصابعك يبدو انها غير معتادة علي المسك بالقلم. لا بد انك تفضلين الكتابة بالكومبيوتر .
-        حدقت فى وجهه و رأت بطرف عينيها النادل فى استعداد للتدخل
-        و لما السؤال ؟ فيما يفيد ؟ ايعطيك افكار للمحاكمة ؟
-        لا! لما تخشين التحدث معى ؟ سوف امكث نصف ساعة فقط مر منها ما مر و لن أعطلك عما تكتبين فطالما سنجلس سويا فقط لا اريد أن تستمرين فى الامتعاض.. أعرفك بنفسي . حُب
-        اسمك حب؟
-        نعم اسمي حب
-        ما بين مصدق و مكذب : و من اختره لك؟
-        جدتى أم أبي.
-        و لم؟
-        كنت أول مولود لأبي و كان ينتظر قدومي للحياة بحب فاقترحت جدتي هذا الاسم
-        ألم يسبب لك المشاكل ؟
-        من؟ ابي؟
-        بل الاسم.
-        في الحقيقة تسبب فى سخرية و هروب الكثيرين مني


-        كيف. اسمي حب غادي
-        غادي؟!
-        تماماً. هم دائما يتعجبون هكذا حينما اقول لهم إسمي. غادي .. لابد و انك قرأتيه فى مكان ما . بمعنى آتي .. عادة يترجمونه آتي فجرا . و لهذا الاسم قصة أيضاً اذ...
-        لابأس .. رغم انها نهته عن الاستمرار فى شرح اسمه الا انه نجح أن يثير فضولها . كررت الاسم فى ذهنها و هى تنظر اليه مقتضبة الجبين و ان كانت مبتسمة ابتسامة فيها تعجب. حب غادي؟ ياللسخرية. هى تجلس الآن مع حب آتي...
-        كانت يدها تنقر بالقلم علي الطاولة .. و هو يرتشف الاسبرسو و في الخلفية تشدو أم كلثوم بكلمات واضحة. و أحب تاني ليه..
-        أعتقد نسيته و لم تنسي
-        عما تتحدثين؟
-        عن تلك الأغنية التى سألتنى بشأنها  و أومأت بذقنها نحو مصدر الصوت
-        آه. ...
-        نسيته .. لكن لم تنسي
-        كيف؟
-        نسيت هذا الحب اذ وجدت ما تفعله به.. لسبب ما.. و لكن لم تنسي ما احدثه فيها من أثر أو ربما آثار...
كان فى عينيه دعوة لشيء ما.. كأنه وعد غامض.. نظرة مألوفة  كأنها رأتها من قبل.. ميزت أيضا نظرة اعتذار مسبق ..عما قد يبدر منه...
-        لهذا أنا سعيد باسمي علي عكس كل الناس... أحمد الله انهم لم يسموا أبي ماضي. قال هذا ثم ابتسم شاخصا فى عينيها بعمق.
-        سكتت عن الكلام .. كان عقلها يتكلم فى داخلها .. فكرت فى حب ماضي إلتقته .. و كيف استنفذ طاقتها .. نظرت بدخلها فلم تستشعر اى قدرة علي بدء اي شيء جديد .. و لا علي تغيير ايامها و لا علي التمركز حول اى آت و لا عن التحدث عن نفسها و لا عن المخاطرة بمزيد من الانفتاح و لا علي تصديق اي وعود جديدة و لم تكترث حتى بمبدأ الفرصة.
جاء النادل نحوها بينما كانت ما تزال تنظر الي حُب فى سكوت.. و أخذ فنجان الاسبرسو من علي الطاولة .. نظرت سريعا فوجدت منديلا ورقيا مطبوع عليه اسم المقهى:" ميموار" أمسكته و نشفت به اثار القهوة بينما راحت عيناها تجول فى الخطوط النارية المطبوعة علي قميص حُب.
-        ليتهم يذيعون أغاني سعيدة قال ناظرا حوله
-        وسط هذا الزحام ؟ ما من أحد يستمع لما يُذاع... أأنت ذاهب للمحكمة؟


-        نعم .
-        محامى؟
-        لا بل متهم
-        فى اندهاش: مُتهم؟
-        عدم التعرض .. أحدهم اتهمنى.. بازعاجه و حرر محضرا بعدم التعرض و انا ذاهب لبعض الاجراءات النيابية.
-        ماذا فعلت ؟
-        قلت إسمي لأحدهم..
-        ابتسمت له و اخيرا طرفت جفونها .. و قالت ... يبدو اننا أصبحنا فى عالم  متحفز لأي شيء
-        نعم... عالم مليء بلا شيء سوى ذكريات
-        ألمحت للنادل انها تريد الحساب و ان كانت بدأت تشعر برغبة فى المكوث وقتا اطول الاا انها قاومته بشدة .
-        لم أسألك عن ماذا تكتبين؟
ترددت فى الاجابة نحو لحيظات  لأنها فى الحقيقة كانت تكتب عن لا شيء سوى عن ذكريات ...
-        أبدا مجرد خواطر
-        جاءها النادل سريعا متصورا انه بهذا يساعد فى انهخاء موقف سخيف وضعها فيه. بينما كانت تود أن يتأخر قليلا . اذا صارت راغبة فى معرفة المزيد عنه. عن حُب


-        أتمنى لك التوفيق . عن اذنك
-        و لكن ... و لكن لم أعرف اسمك ؟
-        اسمى؟
-        نعم
-        هاجر
-        هاجر؟
-        نعم .. هاجر ابراهيم
قامت من علي طاولتها .. تجمد المشهد نحو ثوانى.. تسلط ضوء ما علي هذا الركن بينما اظلم باقي المقهى...  تحجرت . تثبتت رجليها فى مكانها .. بصعوبة لملمت أوراقها و قلمها .. ثم ابتسمت  و تمنت لحب نهار سعيد .  تحركت نحو الباب في خطوات ثقيلة جدا .. و قبل ان تخرج نظرت وراءها لحب وجدته ينظر اليها .. تغيرت الأغنية فى الخلفية .. سمعت مقطع منه... ياما كنت اتمني أقابلك بابتسامة ...
مشت فى الشارع تنظر لأسفل .. أترجع الي المقهى؟ اتري حبُ من جديد؟ هو قال انه يحب هذا المكان لابد انه سيأتى اليه . .. أغدا يأتى ؟
علت ابتسامة علي وجهها ... عرفت معنى هذه الأسئلة .... أسرعت الخطي  اذ بدأت السماء تمطر... 
 
 
   

 
 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :