بقلم- أحمد صبح 

إن الجيش المصري العظيم يحتل دائمًا أعلى نقطة من المركز الوطني الصلب، وإلذى أدى إلى تكوين المواطنة المصرية الصلبة، وإنني لا أجد الشعور الجمعي يتحرك بالانتماء بقدر ما يتحرك عندما يتم إهانة هذا الجيش.
 
تجد المصريين يتوحدون خلف جيشهم العظيم، هذا الجيش الذي دق أبواب أوروبا في عهد "محمد علي"، الأمر الذي جعل أوروبا تتآمر عليه في معركة "نوارين" البحرية، هذا الجيش الذي حمى النهضة المصرية الحديثة، وأمّن ينابيع النيل في أفريقيا لأنه شريان الحياة المصريين، هذا الجيش الذي أعاد للأمة العربية الجريحة شرفها وعزتها وكبرياءها في حرب 1973م المجيدة، والذي أظهر أبطال حرب أكتوبر من المجلس العسكري انحيازهم للثورة المصرية السلمية في 25 يناير 2011 م، هذا الجيش تعرض لمؤامرات عبر التاريخ سواء من أوروبا لوقف زحف "محمد علي"، أو في حرب 1956م، أو حرب 1967 م، أو المؤامرة في قتل وزير دفاعه وقائده العام في مأساة سقوط هليوكوبتر في سبعينيات القرن الماضي، حيث قتل وزير الدفاع الفريق أول "أحمد بدوي" مع عدد من قيادات القوات المسلحة في تساؤل عجيب: كيف يجتمع هذا العدد في طائرة واحدة؟؟ 
 
ولكن الهدف هو تدمير هذه النخبة للقوات المسلحة من خريطة الوجود والصراع!!!
 
ثم جاءت مأساة طائرة "مصر للطيران" في عام 1999م، والتي كان على متنها عدد كبير من قادة القوات المسلحة، لتنفجر في المحيط الأطلنطي بعد إقلاعها بقليل من "أمريكا"، والمؤكّد أن أيدي الصهاينة ملوثة بدماء هؤلاء القادة العسكريين بمساعدة "أمريكا". ولكن، الغريب أن عادت الأصالة المصرية، وتوحدت في رجال الفكر والسلاح، وفي الشارع والدولة، وتوحدت كافة الاتجاهات السياسية ومدارس الفكر والعمل على أرض الوطن بمجرد أن ارتفعت نبرة التهديدات الصهيونية، وانكشف المخطط لضرب الجيش المصري، هذا الجيش وجد نفسه الآن متصدرًا المشهد بعد خلع الديكتاتور "مبارك" ليحمي السياج الواقي للوطنية، وهو يتعرض الآن لهجمة شرسة من طائفة غير مسئولة تتاجر بالدين من أجل إسقاط مصر الدولة، وهذا ما رأيناه في جمعة الزحف 4/5/2002م، الأمر الذي حذر فيه المشير والمجلس العسكري من أن يتم تسليم للسلطة  إلا ومؤسسات الدولة منضبطة ولرئيس مدني منتخب، فمصر أمانة في عنق الجيش المصري الآن، وفي كل وقت.
 
والإنسان المصري يجب أن يدرك أنه وريث لتاريخ قاس كان سببًا في أزمة العقلية المصرية المعاصرة؛ لأن "مصر" نفسها مصادفة سيئة لكل مصري من حيث أنها مأساة جغرافية، إذ هي تقع في ملتقى القارات الثلاث الكبرى، كما أنها تقع في طريق الملاحة بين أسيا وأوروبا، ثم هي فوق ذلك تخلو من الجبال التي تيسر الدفاع عنها، ولذلك وقعت "مصر" في أسر الغزو المتكرر، ومعنى هذا أن المصري المحب لوطنه يجب أن يعمل على بعثه من سباته العميق.
 
لقد أُبتليت "مصر" بالذهن الإتباعي، ذلك الذهن  المستريح، الذي يرى في التغير خللاً، كما يرى في التجديد بدعة، أما التجريب الذي هو قفز في المجهول ومغامرة لاكتشاف ما لم يعرفه فهو ضلالة مؤذية لا يمكن السماح بها. والمسافة قريبة جدًا بين وثوقية الخطاب والتعصب إلى الموروث، ومنها "انصر أخاك ظالمًا أو مطلومًا"، فالتعصب نوع من التمسك بالمركز أو العصب أو عدم مفارقته.
 
ذلك هو الذي وجدناه من أنصار "حازم أبو إسماعيل"، الذين يتصورون أن ثلاث دول غير "مصر" قد كذبت عليهم: "أمريكا"، و"ألمانيا"، و"السعودية"، أما "مصر" فليست وطنًا لهم حتى يكونوا معنيين باستقرارها، فالحكم الوثوقي لديهم هو حكم حدي لا يعرف المهادنة أو أنصاف الحلول، فالأم مصرية ولم تحصل على الجنسية الأمريكية، في تحدٍ واضح للشمس في كبد السماء، والتي تقول إن أم "حازم" حصلت على الجنسية الأمريكية في عام 2006 م، وسافرت بالجواز الأمريكي إلى "ألمانيا" وإلى "السعودية"، فهذه المهابرات التي لا يقرها دين، ولا تعترف بها شريعة، ولا يؤيدها المنطق، ولا تثبت بها الحجة، كانت نتيجة لسعودة المجتمع المصري بالخطاب الجازم الإتباعي الوثوقي، سواء على مستوى الإنشاء أو الأخبار.
 
لقد قال "الجرجاني" الحنفي  في التقليد: "هو عبارة عن إتباع الإنسان لغيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا أن الحقيقة فيه من غير نظر وتأمل، كأن هذا المتبع جعل قول الغريب أو فعله قلادة في عنقه". وهل فعل أنصار "أبو إسماعيل" إلا ذلك؟ حتى قال أحدهم- وهو رئيس حملة "حازمون"- أنا واثق في "حازم" أكثر من نفسي.. هكذا قال الشيخ "جمال صابر" الذي اُبتليت "مصر" بأمثاله! ثم أنهم اعتصموا أمام وزارة الدفاع المصرية في "العباسية"، وتحصنوا بدور العبادة "مسجد النور بالعباسية"، وصعدت القناصة على المآذن.. كل ذلك من أجل عملية خداع وأكذوبة واضحة المعالم تُسمَّى "حازم أبو إسماعيل".
 
إن الجماعات الدينية السياسية ارتضت قواعد اللعبة، وحشدت الناس للقول بـ"نعم" في الاستقاء، وأن ذلك هو أقرب الطرق لدخول الجنة، ثم انقلبوا الآن على ما وافقوا عليه وحشدوا الناس من أجله! يذكرني ذلك بفريق يلعب المباراة وهو واثق من الفوز، حتى قاربت المباراة على نهايتها ولم يأت الفوز، بل ستكون الهزيمة المدوية، فأراد أن يفسد المباراة، أو أراد أن يحتسب الحكم له الخطأ الذي في وسط الملعب ضربة جزاء!!.
 
إنها مهزلة، سواء ما قام به "خيرت الشاطر" أو "حازم أبو إسماعيل"، والأغرب من ذلك ما ينادي به بعض رموز السلفية أمثال "حازم شومان" من أن نصرة "حازم أبو إسماعيل" هي نصرة للدين، وأن خروجه من السباق  الرئاسي إنما هو هزيمة للإسلام والمسلمين.. انظروا إلى هذا التحريض، وهذه السفاهات، بل الأعجب هو ما يحرض عليه المدعو "أبو الأشبال"، والذي يطالب الشعب المصري بمحاصرة وزارة الدفاع المصرية، والقبض على أعضاء المجلس العسكري، وإعدامهم جميعًا في "العباسية" بعد محاكمة عادلة!!!.
 
انظروا إلى الغباء! هو أصدر الحكم ثم يقول محاكمة عادلة! بالله عليكم، أليس هؤلاء ضد الأمن القومي المصري وهم يخططون لاحتلال "سيناء"؟ لأن الصهاينة لن يسمحوا لـ"سيناء" أن تكون مرتعًا آمنًا للقاعدة، فإذا سقط الجيش المصري فاستراتيجيًا لابد من احتلال "سيناء". ثم منْ هؤلاء الذين يصعدون مآذن مسجد النور في "العباسية" لقنص قوات الجيش المصري العظيمة؟.
 
هل صلت المؤامرة إلى هذا الحد؟ أم أنكم لا تنسون أن الجيش المصري هو الذي قام لحملة تأديب للوهابية في الدرعية في أرض الجزيرة المسماة "السعودية" الآن بهتانًا وزورًا؟ هل تريدون القصاص من أحفاد "إبراهيم باشا"؟ جئتم لتكدروا هيبة الجيش المصري الذي قضى على التطرف في معقله قبل ذلك، ثم تشنون حملة كاذبة بأنهم دخلوا المسجد بالأحذية، علمًا بأنهم خلعوها، وهذا ما شاهدناه في الصورة.
 
وهب أن الجيش المصري هدم المسجد تمامًا لإخراج هؤلاء القتلة، فهو مأجور معذور شرعًا، ألم يقل النبي (ص): "ما أشد حرمة الكعبة عند الله، والذي نفسي بيده لهدم الكعبة أهون عند الله من قتل مسلم"؟ وأين جماعة الإخوان من ذلك؟ وهي التي تراجع صباح مساء عن معتصمي "العباسية"؟ أليس من مبادئ الإخوان "نصمت ولا نواجه" كما قال لي بالنص الشيخ "وجدي غنيم" في مستشفي استقبال "طرة" عام 1994 م، عندما أمروني أن أطرق الباب الحديدي للزنزانة حتى يفتح الشاويش، ولما جاء الأمن أخذوني، فقلت لهم بعد العلقة الساخنة وعدت إلى الزنزانة: لماذا قلتم إنني الطارق؟ فقال لي "وجدي غنيم": "نحن معشر الإخوان نصمت ولا نواجه". هذا ذكرني بموقف الإخوان من جمعة "السلمي"، وخروجهم وتركهم المتظاهرين في "التحرير" و"محمد محمود"، بل أن الجماعات الدينية اتهمت المتظاهرين بـ"توم وجيري" كما قال "عاصم عبد الماجد"- جماعة إسلامية- وقال بعض حزب "النور" السلفي يتعاطون درامادول، أما الإخوان الداعون لهذه المظاهرات في الأصل فهاجموا الثوار مهاجمة لاذعة، وانشغلوا بجمع المقاعد البرلمانية!! ذكرني هذا المبدأ الذي قاله "وجدي غنيم" بقانون العزل التفصيل، والذي أيده حزب "الحرية والعدالة" بكل قوة، ليخرج الدكتور "محمد غزلان"- المتحدث باسم جماعة الإخوان- قائلاً: لا يوجد عضو في الحرية والعدالة قد اقترح هذا القانون، بل الذي قدمه عصام سلطان، وعمرو حمزاوي، وممدوح إسماعيل، وهم ليسوا إخوانًا!! وفي الأيام الأخيرة. ويبقى الإخوان في "التحرير" ويدعمون معتصمي "العباسية" ويدافعون عنهم!!
 
صدق "وجدي غنيم"- نحن معشر الإخوان نصمت ولا نواجه- وقل للجميع كفاياكم التحرير!! لماذا أمام وزارة الدفاع بالذات؟ ألم يقل النبي (ص): "ألا وإن لكل ملك حمى"؟.. تأتون أمام غرفة عمليات من مصر القومي منذ عهد القدماء إلى الآن وتدعون حبكم للوطن؟ أشهد الله أن ما تفعلونه الوطن يتبرأ منه، خبتم وخاب معكم، لقد خذلتمونا أمام الناس!! ولا أنس أن أشكر حزب "النور" السلفي في موقفه الأخير الذي أعلن عنه المتحدث باسمه "نادر بكار" بأنهم لن يشاركوا في جمعة الزحف!! أشكركم على ذلك.
 
ثم ما هذا الذي رأيته من الأخ "محمد الظواهري"؟ يا أخي، ألم يحكم عليك "مبارك" بالإعدام  وأخرجك المجلس العسكري؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
 
أنا الآن أقر أن "مصر" لا تعيش في قلوب هؤلاء وإن كانوا يعيشون فيها. أخلف الله على "مصر" وطنين عقلاء أمثال "عرابي" و"سعد زغلول" والبابا "شنودة"، والذي قال كلمته الشهيرة "مصر وطن يعيش فينا وليس وطنًا نعيش فيه".. إنني أود أن أشير إلى التيار الديني عمومًا، والسياسي خاصة، بالقول: سلوا أنفسكم، ما مكانة الجيش المصري في أدبيات الإسلام عندما يقول رسوله: إذا مَنّ الله عليكم بفتح مصر فاتخذوا منها جندًا كثيفًا، فإنهم خير أجناد الأرض، فهم في رباط إلى يوم القيامة؟ أليس هو الذي انتصر في "حطين"؟ هو الذي انتصر في "عين جالوت"؟ أليس هو الذي حطّم خط "بارليف" وانتصر في حرب أكتوبر 1973 م، والمجلس العسكري الحاكم كل أعضائه كانوا من أبطال حرب أكتوبر؟ لقد قال وزير خارجية بريطانيا "سمطس" عن رئيس وزرائه في بداية القرن الماضي: "إن الوزير الأكبر قد ارتكب أغلاطًا كثيرة، ولكن في الأوقات العصيبة التي يتصدر فيها شخص قيادة أمة، فإن أغلاطه تتهاوى أمام عمله الكبير". ألم يقف الجيش المصري ومجلسه العسكري مع الثورة المصرية وحماها؟ ألم يؤكد أعضاء المجلس أنهم سوف يسلمون السلطة في موعدها؟ إن الذي يعطل المسيرة الثورية هم الذين يتصدرون المشهد من التيار الديني، حيث أنهم يريدون دستورًا بالمزاج، ولن يكون ذلك أبدًا؛ لأن الدستور سوف يعبر عن كل أطياف الشعب المصري!.
 
إن حجة التزوير واهية؛ لأن النتيجة محاطة بضمانات عدم التزوير.. الشيء الوحيد المقدس لدى جماعات الإسلام السياسي هو البرلمان والسلطة، ولم أجد في التاريخ أغلبية تعارض نفسها!! إننا يجب أن نبحث عن المشتركات بين الجميع، ولقد وجدنا هذه المشتركات في نظرية الانتظار، سواء عند السنة أو الشيعة أو المسيحيين، وإن اختلفت الينابيع الفكرية، والجميع على موعد مع القدر.. السنة والشيعة ينتظرون المهدي المنتظر والذي سيلتقي بالمسيح في آخر الزمان، هكذا تزخر الكتابات السنية والشيعية، لذلك فإن جيش "مصر" العظيم الذي يدعم الإنسانية في كل مكان، والذي كانت حروبه دائمًا داعمة للإنسانية ومخلصة للأمة، سواء كانت في "اليمن" حيث واجه العالم هناك في ستينيات القرن الماضي ودق أبواب أوربا قبل ذلك في عهد "محمد علي"، وقضى على التطرف الوهابي في "الدرعية"، وقضى على المتآمرين عليه في "العباسية".. هذا الجيش سيظل الدرع الواقي والحصن للشعب المصري من توغل التطرف الديني، والذي يهدد مصالح الوطن العليا من أجل المصالح الضيقة للجماعات، وبالله عليكم، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوعه، فإما "مصر" وإما "الجماعة"، ومن اختار العمل السياسي فليس له إلا "مصر"، وإلا فاعتزلوا السياسة، وابقوا في محاريبكم ومساجدكم. إن فكرنا في حزب لا يقوم على صراع الحضارات، والذي نادى به "صمويل هنتنجتون"، وإنما يقوم على تلاقي الحضارات، ودعم الشراكة في الإنسانية، وعدم الانحياز لمذهب أو عرق أو دين. وإن الجيش المصري الوطني هو درع وسيف، ويجب الحفاظ عليه، وإن نهضة "مصر" الكبرى لن تأتي إلا بسماحة شعبها، وإن الخلافات العرقية والمذهبية والدينية يجب أن تبقي في متاحف التاريخ، وإن البشرية على موعد مع القدر في تمهيدها للإمام المهدي الذي يملا الأرض عدلاً بعدما مُلئت جورًا في ظلال جيش "مصر" الذي يخرج من شعب في رباط وأهله إلى يوم القيامة، وسوف نردد دائمًا شعار حزب الغدير "الله- الوطن- الجيش".