عادل نعمان
وها هو يسير مسار الحجاب، ويهتدى بهديه، ويتسلل إلى الشواطئ، كما تسلل الحجاب إلى مدارس الصغار وحضانات الرضع من الأطفال، وفرض نفسه فرضًا على رؤوس الكثيرات من النساء وعزلهن وحبسهن وسيطر على أجسادهن وأَمَّمها وهيمن عليها، وأصبح عَلَمًا وراية للإسلام السياسى مرفوعة لتحية الصباح والمساء، ومؤشرًا ودليلًا على سطوته وسيطرته على الشارع، ولسان حالهم يقول: «الشارع لنا، ولهم الدواوين، والناخبون فى قبضتنا للوصول إلى الحكم»، وقد كان لهم هذا، لولا العجلة ووعى النخبة فقط.
والبوركينى هذا اكتشاف حديث يُضاف إلى الكثير مما وضعه الوضّاعون فى تاريخ الإسلام السياسى، إما للوصول إلى الحكم أو لاستلاب الغنائم، وإياها، «أقصد المرأة المسلمة»، أن تضعه تحت عنوان: «الزى الإسلامى للبحر»، وما كان يجب على الملتزمة منهن، كما «تزعم وتدَّعِى»، أن تبحث لنفسها عن متعة على المكشوف، أو على عينك يا تاجر، بلباس محَزَّق أو كاشف، وتزاحم الرجال والنساء الشواطئ، وهى مأمورة أن تقر فى بيتها، ولا تخرج منه إلا للضرورة، وهى مرحلة متقدمة من التضييق والتعسير والتشديد، وصلتها وارتضتها وألزمت وأوجبت بها نفسها، وكأن أَوْلَى بها، وهى التقية النقية، أن تعف نفسها تمامًا عن هذا الزى، وهذه الأماكن الظالم أهلها، طالما قد عفّت نفسها عن متع الدنيا قربى إلى الله وزيادة فى العفة والرفعة، وإذا كان الأمر ضروريًا، ويتوق جسدها هذا إلى حمام السباحة أو البحر أو الكشف أو الإباحة، وغارَت وقلّدت وحاكَت، فقد كان أوجب أن تلتزم بمواعيد النساء فى حمامات السباحة، أو تقصد المخصص منها للسيدات بدلًا من مزاحمة الرجال، وهو للأسف قريب الشبه كثيرًا من سائق الـ«توك توك» الذى يكسر إشارة المرور، أو راكب التروسيكل الذى يسير عكس الاتجاه، فهو ليس غير عابئ بتنفيذ القانون فقط، بل هو سعيد ومرتاح البال باختراقه وفرض سلوكياته على الجميع، وهو أمر «يزيده بللًا» هذا التعاطف من أبناء الطبقة الواحدة، فإذا أضفنا إلى هذا البوركينى غطاء الوجه الذى يخفيه كله، وبروزاته ونتوءاته وتعاريجه وكمية اللحم والدهن التى تنطق وتصرخ من تحته دون استحياء كالكذب «بلا رجلين»، وإذا ظنت أنها تخفى فتنتها عن الناظرين، وتستبعد جمالها عن المفتونين، وتغض بصر المبصرين، فلا تدرى أنها لو كشفت عنها كلها فما خسرت وما كسبنا.
ولست أرى فى هذا الحشر وهذه «الزنقة» المفتعلة والمحبوكة إلا فرض هذه العلاقة المرفوضة والمستهجنة، وترتيب صداقة بالعافية، كضيف ثقيل الظل يحل على غير موعد، ويفرض نفسه على مائدة ليست مجهزة لاستقباله، وغيرها قد أُعِدّت له، وتتفق مع طعامه وشرابه وذوقه ولباسه، إلا أنها لعبة مكشوفة، وهو بيت القصيد، فرْض ثقافتهم وسلوكياتهم على الجميع، فهن يتسللن إلى الشواطئ بهذا الزى الغريب، تحت دعاوى زى إسلامى محتشم، ويدعون لارتدائه، حتى تختفى البنات يومًا داخله، وتهجر الدنيا، ويصبح لباس البحر الشرعى، كما الحجاب والنقاب، وكما تسللوا وتسربوا إلى بلاد الغرب الكافر، فلما تمكنوا فرضوا سطوتهم وسلوكياتهم على الناس، فهذا يتظاهر بالصلاة فى عرض الطريق، وذاك يقف مؤذِّنًا بصوت أَجَشّ داخل المطار، وذاك يرفع الأذان بمُكبِّرات الصوت الممنوعة، وهناك مَن يخطب فى صلاة الجمعة، يسب القردة والخنازير، الذين فتحوا له البلاد، وأطعموه بعد جوع، وأمّنوه بعد خوف، وإذا ظن هذا الخارج عن النظام أنه انتصر وتفوق فقد ضَلَّ تمامًا، فهو ليس انتصارًا له، بل انتصار للعلمانية وللقانون. وهم جميعًا على منهج ابن تيمية، فى كتابه «الصارم المسلول»، يقول: «فمَن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعَف، أو فى وقت هو فيه مستضعَف، فليعمل بآيات الصفح والعفو عمن يؤذى الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر، الذين يطمعون فى الدين، وبآية (وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)»، وكلهم جميعًا على هذا العهد والالتزام.
وأنا هنا حريص على الذوق العام، وعلى حرية المرأة فيما ترتدى دون تخويف أو إرهاب، وحريص على جمال المرأة وشياكتها وأناقتها وجمالها، الذى غاب واعتزلته الكثيرات، تحت دعاوى الحجاب والنقاب، وأصبح هذا البوركينى قاب قوسين أو أدنى من نسمة البحر الندية، ويهدد باختلاس آخر معاقل الجمال.
وها هو نداء واضح للمرأة المصرية أو ما تبقى منها، لا يخدعنَّكن حسن القول من الكلام، فهو ليس على الحق، بل على السياسة، فإما البحر وإما البيت، ولكِ الخيار، إما هذا المسخ المهجور وهذا الشبح المخيف أو حريتكِ وكرامتكِ، وإما أن تستمتعى بالبحر بلباسه الرسمى المسموح به، أو تكتفى بالجلوس على الشاطئ للاستمتاع بجماله ومراقبة الآخرين، ومَن أرادت الابتعاد فهذا قرارها ارتضته دون ضغط أو إجبار، منها وإليها وحدها، وتَلْزَم بيتها، كما ألزمها الشيوخ، دون مطاردة منها أو ملاحقة أو مزاحمة.
نقلا عن المصري اليوم