سليمان شفيق
يوافق الأضحى 10 من ذى الحجة، بعد انتهاء وقفة عرفة التى يقف فيها الحجاج لتأدية أهم مناسك الحج، وينتهى يوم 13 من ذى الحجة، وهو أيضا ذكرى لقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، عندما أراد التضحية بابنه البكر ، تلبية لأمر الله، يقوم المسلمون بالتقرب إلى الله فى هذا اليوم بالتضحية بأحد الأنعام، ومن هنا جاء اسم عيد الأضحى، ليس العيد تقليدا نفرح فيه فقط، أو نضحى بالأنعام، بل مازالت التضحية تعيش فينا، وبيننا، وكما أخذ سيدنا إبراهيم عليه السلام، ابنه البكر ليقدمه أضحية لله سبحانه وتعالى، هناك مئات الآلاف من الآباء والأمهات قدموا أولادهم فداء لنا وللوطن.
فى نفس التوقيت شاء الله سبحانه وتعالى أن يحتفل المواطنون المصريون الأقباط اخر ايام العيد بصيام العذراء، صيام الرسل الاثنى عشر أنفسهم، ووفق العقيدة المسيحية حينما عاد الرسول توما، أحد تلاميذ المسيح من الهند، سأل التلاميذ عن العذراء فقالوا له ماتت، فقال لهم أريد أن أعرف أين دفنتموها؟ وعندما ذهبوا إلى القبر سويا لم يجدوا الجسد الطاهر، فما كان منه أن حكى لهم أنه رأى الجسد صاعدا إلى السماء، فصاموا من أول شهر مسرى فى التقويم القبطى وحتى 15 مسرى ليكون العيد 16 مسرى فى التقويم القبطى.
من تقديم سيدنا إبراهيم لابنه البكر تضحية لله وإلى تقديم العذراء لابنها تضحية لله، أمثلة روحية ربانية لآباء وأمهات ضحوا بأبنائهم شهداء لمصر من معركة عين جالوت 656 هجرية، وحتى الأن فى سيناء وسائر أرجاء الوطن ضد الإرهاب، مرورا بحرب 1973 ضد العدو الصهيونى، تلك التضحيات لم تفرق بين مكونات النسيج المصرى، من مسلمين ومسيحيين، رصاص الأعداء والخوارج لم تفرق بين مينا دنيال وإسكندر طوس والفدائي البطل احمد منسي ووضابط الامن الوطني محمد مبروك والشيخ عماد واخرين من الاف الشهداء الابرار.
الكنيسة ترى العذراء مريم الأم التى حملت لها «الكنيسة» ولكل البشرية «الكلمة المتجسد» الذى جاء إلى العالم من أجل خلاص البشرية، ومن ثم تحتفل البشرية بأكثر من مائة عيد ومولد للعذراء.
ومن مكانة العذراء عليها السلام عند المسيحيين إلى مكانتها لدى المسلمين، أن ذكرت باسمها الصريح فى القرآن الكريم أربعا وثلاثين مرة، بل سمى القرآن الكريم سورة من سوره باسمها، وآيات القرآن الكريم عامة وآيات سورة مريم خاصة تحدثت عنها بكل احترام وتكريم، مدافعا عنها ومبرئا لها من أى تهمة أو منقصة يريد أعداؤها إلصاقها بها.
نحن أكثر الأمم احتفالا بالأعياد «33» على مدار العام، أهمها الأعياد الدينية مثل: «رأس السنة الهجرية، عاشوراء، المولد النبوى الشريف، عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الميلاد المجيد، عيد الغطاس عيد دخول المسيح مصر، ذكرى انتقال العذراء، عيد العنصرة وعيد الصعود»، إضافة للأعياد المصرية التى يحتفل بها المصريون عامة مثل «عيد الأم، عيد الحب،"وفاء النيل " ، و"شم النسيم".».
وما بين عيد الأضحى وعيد العذراء، نعمنا فيه بروحانية ورغبة فى السلام رغم ما دفعنا من شهداء، دموع ودماء وشهداء، أهازيج وفلكلور، وأساطير وقصص حقيقية على دروب الشهداء، من البكاء على الشهيد تنفتح أبواب السماء فخرا لذويه، وبطولات وكرامات مزج فيها المصريون بين الصيام والصلاة والمقاومة السلمية، بين حربة تعذيب مار جرجس وتعذيب الحسين، لقد امتزج كل ذلك بالطبيعة المصرية الروحية الإنسانية، فصارت جزءا من مكونات الشخصية المصرية والجماعة الوطنية، ككل، فنحن حين نتعرض لمظالم وتحديات نحتاج إلى ضرب من الإعجاز، نصوم ونصلى ونعتكف، ونبتهل لله، ونعتبر أن هذا هو المشهد الحقيقى للانتصار، فالنصرة على الذات تسبق مواجهة الظالم، أغلب انتصاراتنا حدثت فى أوقات الصيام وبتلك المكونات.. من الانتصار على التتار والمغول إلى الانتصار على الصليبيين وصولا للعاشر من رمضان.
فى رحاب الله شهداءنا نبتهل ونتقوى بالله، وفى القلب تقوى المصريون تفيض مع النيل مثلما فاض من دموع إيزيس على أوزوريس، وتكتمل الأسطورة من
بميلاد حورس قاتل اله الشر ست ، هكذا يقدس المصريين النيل ويعتبرون كما قال هيروديت ان مصر "هبة النيل" ويكلفحون بالتفاوض من أجل بقاء مكانة النيل لا تعوقة اليهم سدود من اي مكان.
هكذا فالمصريون يبحثون عن الفرح ويخافون منه!! ويقولون فى أمثالهم «اللهم اجعل عاقبة الفرحة خيرا»، لكنهم يتوقون للفرح قدر عشقهم للحزن.
ومن تضحية سيدنا ابراهيم الي تضحية امنا العذراء ، نطلب شفاعة وبركات الضحية وان تعطينا أم النور نورا للطريق. تحية لكل العاملين فى أيام العيد فى كل مواقع العمل من سكك حديدية ومصانع ومستشفيات ومزارع ووسائل إعلام وصحف، إلخ هؤلاء الذين يمثلون الوجه الآخر من التضحية بالعمل بدلا من الفرح بالعيد مع أسرهم من أجل سعادة الآخرين، إننا جميعا مدعوون لزيارة أسر الشهداء، من أجل أن نجفف دموع طفل أو زوجة أو أخت أو أم أو أب فى هذا اليوم، مدعوون إلى زيارة الجرحى فى المستشفيات، لزيارة المسنين والمحاربين القدماء، مدعوون للفرح والتضحية من أجل الحرية.