طارق الشناوي
رئيس الإذاعة المصرية انتفض مذعورا، خائفا على كرسيه، وبدلا من أن يطالب بتطبيق العدالة نراه يرفع شعار تغليظ العقوبة، قطعا ارتكبوا خطأ بتقديم أذان المغرب عن موعده أربع دقائق، ولكنه فى نهاية الأمر ليس خيانة عظمى، كتب الإذاعى الكبير محمد مرعى على صفحته أن المذيع على سعفان، فى زمن عبدالناصر بعد إذاعة أغنية (على راسك يا إسرائيل) قال (إذاعة إسرائيل من القاهرة) بدلا من أن يقول (إذاعة فلسطين من القاهرة) دافع الإذاعى الكبير عبدالحميد الحديدى رئيس الإذاعة وقتها عنه قائلا (أخطأ ولكنه ليس جاسوسا).
الخطأ وارد قطعا ويتلقى المخطئ عقابه لا جدال، هناك فرق بين التعمد والسهو، فى واحدة من الاحتفالات الغنائية بانتصار أكتوبر وبحضور مبارك قالت إحدى الفنانات على المسرح (نوجه أسمى آيات الشكر والعرفان للرئيس الراحل محمد حسنى مبارك) كانت تقصد طبعا محمد أنور السادات، لكنها زلة لسان، وتم تدارك الخطأ والتجاوز أيضا عنه، ولم يوجه أى عقاب للفنانة.
رئيس الإذاعة معركته الأساسية ليست فقط ضبط الأذان، عليه أن يدرك أولا أن الإذاعة المصرية أساسا صارت بعيدة تماما عن آذان الناس.
المصرى كان يضبط حياته على ما تبثه الإذاعة، أتذكر أن التليفزيون وحتى الثمانينيات كان يعمل ألف حساب لبرامج الإذاعة، فلا يمكن مثلا أن يعرض برنامج هام بينما الإذاعية آمال فهمى تُقدم برنامجها الشهير على موجات البرنامج العام (على الناصية)، بل قالت لى آمال إنه نظرا للعداء الشديد بينها وبين الإذاعية سامية صادق، عندما تولت سامية قيادة التليفزيون فى مطلع الثمانينيات، قررت أن تنتقم منها بعد أن لاحظت زيادة نجومية برنامج الشيخ الشعراوى، كانت تتعمد عرضه فى توقيت (على الناصية) ليسحب منها البساط، ورغم ذلك ظلت آمال لها جمهورها الذى ينتظرها فى الواحدة والنصف ظهرا، ويطلب فى نهاية اللقاء أغنيته المفضلة.
الإذاعة المصرية كانت شعلة من الوهج، (صوت العرب) يحرك شعوب العالم العربى من المحيط للخليج، و(الشرق الأوسط) الذى انطلق فى الستينيات كان مثالا لخفة الظل والمشاغبة، برنامج مثل (تسالى) لإيناس جوهر يستحوذ على عقول وقلوب شباب العشرينيات، أين الإذاعة المصرية الآن من كل ذلك؟.
الإذاعة المصرية لديها الكثير مما يثير التساؤل، قائمة من الأسماء تمنع استضافتها على الهواء، وعندما تراجع الأسماء تكتشف أنه لا يمكن أبدا لهؤلاء تحديدا أن يحولوا بينهم وبين أثير الإذاعة المصرية، لعلها نتيجة صراعات صغيرة بين عدد من القيادات فى الإذاعة، تمكن بعضهم من استغلال ثغرة ما فى المنظومة، فوضع ما يحلو له من أسماء.
ما الذى ينقصنا لكى تعود لنا ريادتنا والتى بحكم التاريخ والجغرافيا نستحقها وعن جدارة؟ إنه ترشيد الطاقة، القيادات تستنفد كل قواها بعيدا عن حلبة الصراع، يجب أولا أن يعترف المسؤول بأنه فقد التواجد فى الشارع ولم تعد الناس تضبط موجتها عليه، ولا تتذكره، إلا فقط مع توقيت رفع الأذان، ولك الله يا مصر فى كل ما هو دون الأذان!!.
نقلا عن المصري اليوم