بقلم: مجدي ملاك
"الفساد في كل مكان، وحاسس أن البلد دي مش بلدي" بهذه الكلمات البسيطة عبّر أحد طلاب الجامعة عما يدور في ذهنه وفي قلبه لما يشعر به تجاه مصر في لقاء الدكتور أحمد نظيف مع طلاب الجامعة بمدينة بورسعيد، ولا يمكن أن يعبّر الطالب بهذه التعبيرات دون أن يكون قد لمس هذا في تعاملاته اليومية وفي كل ما يدور بداخل المجتمع، والفساد في مصر في الحقيقة له سوابق كثيرة يمكن أن نتحدث فيها وعنها ولكن المشكلة ليس فيما قاله الطالب عبد الله أحمد، فقد سبق وعّبر عن هذا الفساد الدكتور زكريا عزمي حينما قال "الفساد في المحليات للركب" ثم اتضح لنا بعد ذلك أن الفساد بالفعل للركب ولكن ليس في المحليات فقط ولكن في كل مكان، فقضية سياج التي خسرتها الحكومة وستضر لدفع الملايين من الجنيهات من جيوب المصريين دليل أكبر على الفساد الذي تمتعت به الحكومة في ذلك الوقت، كما أن قضية الخضروات التي تستخدم فيها مياة الصرف الصحي والتي تهدد الإنسان بالموت بشكل مباشر هو نوع آخر من الفساد الموجود منذ زمن، فاكتشاف الجريمة في وقت معين لا يعني أن وقت حدوثها قريب، وهذا هو ما ينطبق على الفساد في مصر، فأي فساد في مصر عمره سنوات، وحينما تصبح رائحته غير مقبولة نبدأ في رصده، ولكن بكل أسف يكون قد دمر معه كل شيء.
ومن الذين رصدوا الفساد أيضًا في الفترة الأخيرة الدكتور حسن نافعة الذي تحدث في سلسلة مقالات متتالية بجريدة المصري اليوم عن الفساد، خاصة عما أطلق عليه فساد الدولة، وبدأ يحلل الكثير من أوجه ذلك الفساد واستخلص أن المشكلة الرئيسية ليست في الفساد فقط ولكن في أن يكون هذا الفساد من داخل الحكومة والنظام نفسه الذي يُفترض أنه المُدافع والمحارب الأساسي عن كل فساد يظهر في المجتمع، فحين تكون الدولة هي الفاسد في المعادلة ستكون النتيجة أن المجتمع كله سيتحول إلى الفساد والفوضى التى نعيشها الآن، ولذلك فالواقع المصري هو تعبير حقيقي عن الفساد الذي انتشر في طول البلاد وعرضها.
جانب آخر من الفساد واضح للجميع فيما يتعلق بأراضي الدولة التي تبيعها الدولة للمواطن البسيط بآلاف الجنيهات، في حين تبيعها برخص التراب لمن تطلق عليهم رجال أعمال الذين يستخدمون تلك الأموال فيما بعد من أجل استباحة الدماء وتصفية شهواتهم بفلوس المواطنين، وهذا لا ينطبق على هشام طلعت مصطفى فقط ولكن ينطبق هذا على العديد من الحالات التي لم تكتشف بعد داخل كواليس الفساد المصرية.
عودة مرة أخرى لما قاله الطالب عبد الله، والأخطر فيما قاله أن ما عّبر عنه يشير إلى عدد من النتائج الخطيرة التي تسير في نفوس الشباب المصري بمختلف انتماءاته وطوائفه:
النتيجة الأولى: أن الدولة تساعد الشباب على فقدان الانتماء للدولة بمعناها المادي، فحينما يعبر شاب ويقول "حاسس أن البلد دي مش بلدي" وتصفق القاعة لمدة 5 دقائق لما قاله، فهذا يعني ضمنيًا أن جميع الشباب لديهم نفس الإحساس والهم المشترك في الشعور بالاغتراب داخل وطنهم، وأن هذا الشعور لم يكن وليد تجنيد مخابراتي لهم ضد وطنهم ولكن نتيجة افتقادهم للقدرة على استشراق مستقبلهم في ظل الأوضاع الحالية التي تغرق فيها البلاد بكل أنواع الفساد.
النتيجة الثانية: وهي نتيجة غير مباشرة أن الدولة تساهم بشكل أو بآخر من خلال هذا الفساد في تكريس الفقر والجهل والتخلف داخل المجتمع، ولكن كيف؟ حين يشعر معظم خريجي الجامعات بهذا الشعور -وهم أكثر الفئات قدرة على الهجرة للخارج- فهذا يعني أن الدولة تفرغ المجتمع من العقول التي يمكن أن تتولى نهضة المجتمع في المستقبل، ومن ثم لن يكون هناك مجال لأي تنمية في المستقبل القريب أو البعيد نتيجة الافتقاد للكفاءات التي تستطيع أن تحدث تغيير حقيقي داخل المجتمع، وهو ما يعني أن الدولة تكرس كل عوامل التخلف بسياساتها القائمة على فساد النظام أكثر من فساد المجتمع.
النتيجة الثالثة: الدفع بالشباب في اتجاه اليأس نحو المستقبل، وهي أخطر النتائج التي يمكن أن يسببها فساد المجتمع، ففي حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما كانت أحد أهم العبارات التي استخدمها في الحملة كلمة Hope، والتي تعني الأمل، فبدون الأمل في إمكانية تحقيق التغيير للأفضل لن يستطيع شعب أو مجموعة من الأفراد الإحساس بالأمان داخل المجتمع الذين يعيشون فيه.
البلد دي مش بلدي، شعور عام يقوله القبطي والمسلم، الحزبي وغير الحزبي، الفقير وربما الغني، من يعمل ومن لا يعمل، البسيط والحكيم، ولا يمكن أن تجتمع كل هذه الطبقات على هذا الشعور دون أن يكون هناك ما يستدعي ذلك، ولذا يمكن التأكيد أننا نعيش مرحلة خطيرة من الاغتراب المجتمعي الجماعي والكارثي الذي في حال استمراره سينهار المجتمع المصري وسنحتاج لعقود حتى نستطيع تأسيس عقد اجتماعي جديد.